الخليج أونلاين-
كان في السابق حلماً تقف كل الظروف الإقليمية سداً أمام تحقيقه، لكنه اليوم أصبح واقعاً ستحتفل به "إسرائيل" قريباً، بعد أن نضجت علاقاتها مع الدول العربية، ووصلت إلى مرحلة التحالفات "الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية"، التي تجاوزت "التطبيع السياسي" بمسافات بعيدة.
شهور قليلة وترفع دولة الاحتلال الستار عن أهم مشاريع التطبيع الحديثة مع الدول العربية، ليبدأ قطارها بالسير على سكة العلاقات مع الدول "المعتدلة"، من محطته الأولى "تل أبيب" حتى يصل إلى العاصمة السعودية، ليعلن عن حقبة جديدة من علاقات كانت محظورة سابقاً سيكون أكثر المتضررين منها القضية الفلسطينية.
وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، كان متفاخراً حين تحدث بكل صراحة عن المشروع الذي سيتم الكشف عنه 2019، وكشف، في أبريل الماضي، عن مخطط لإنشاء خطة سكة حديدية تربط بين فلسطين المحتلة والسعودية مروراً بالأردن ودول الخليج، تحت اسم "مشروع سكة السلام الإقليمي"، في خطوة قد تبدو متوقعة لعملية تطبيع متسارعة بين دولة الاحتلال ومحيطها العربي، والذي يتركز على الرياض.
ووفق الخريطة التي عرضها كاتس، فإنّ "سكة السلام الإقليمي" ستنطلق من مدينة حيفا إلى بيسان (داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48)، لتمر عبر جسر الشيخ حسين الذي يربط بالأردن، ومن هناك إلى مدينة إربد شمالاً، ومن ثم إلى الدول الخليجية والسعودية.
- سكة التطبيع
وكشف "كاتس" النقاب عن أن هناك محادثات مهمة مع دول عربية بشأن مشروع السكة، مضيفاً أنه "متفائل جداً" من احتمالية الدفع بالمشروع.
وزعم أن المشروع سيُساهم في تقوية الأردن وتحويلها إلى مركز مواصلات، إذ ستُمكن السكة ليس فقط من الوصول إلى موانئ حيفا، وإنما أيضاً إلى كل أنحاء الخليج، كما ستكون بمنزلة جسر بري لمواطني الدول العربية المذكورة، يسهل عليهم الوصول براً إلى ساحل البحر المتوسط، بحسب تعبيره.
ولفت إلى أن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص إلى المنطقة، جيسون غيرنبلات، أعجب جداً بالمشروع، ووعد بطرحه على ترامب تمهيداً لتنفيذه على أرض الواقع بعد أن كان حلماً.
محللون وخبراء في الشأن الإسرائيلي أكدوا في أحاديث خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية ودولاً عربية أخرى مثل الأردن ومصر والإمارات قد فتحوا فعلياً صفحة علاقات جديدة مع دولة الاحتلال، وخط القطار سيكون بداية لعصر ذهبي جديد بين الطرفين.
ويقول محمد مصلح، الخبير في الشأن الإسرائيلي: إن "السعودية قد نجحت في تحقيق حلم دولة الاحتلال بالقطار الذي سيكون عابراً للقارات ويخترق العواصم العربية "المعتدلة"، ليجتاز كل الحدود والعقبات الإقليمية التي كانت تجعل من هذا الحلم صعباً حدوثه".
"الدول العربية تجاوزت فعلياً مرحلة التطبيع وبدأت بمرحلة أكثر خطورة تتمثل بإنشاء تحالفات أمنية واستراتيجية واقتصادية مع "إسرائيل"، وهذا بالنسبة لدولة الاحتلال انتصار كبير قد تحقق في اختراق كل الدولة العربية برضا وقبول زعمائها"، يضيف مصلح.
ويلفت النظر إلى أن خط سكة الحديد في حال تم افتتاحه فعلياً العام المقبل (2019)، فسيكون ضربة قوية وموجعة للقضية الفلسطينية، ويكشف كذلك زيف الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، التي تتغنى بالقضية الفلسطينية وتتحدث عن الدعم وتقديم المساعدات للفلسطينيين.
ومنذ توليه منصب ولاية العهد، في يوليو 2017، رسم محمد بن سلمان صورة لمستقبل العلاقات الاقتصادية بين الرياض وتل أبيب، وقال: إن "إسرائيل تشكّل اقتصاداً كبيراً مقارنة بحجمها، كما أن اقتصادها متنامٍ".
وكان مما أثار الكثير من ردود الفعل الغاضبة، ودل على أن التطبيع السعودي مع الاحتلال بدأ يأخذ شكلاً علنيّاً، التصريحات الأخيرة التي صدرت عن بن سلمان لمجلة "أتلانتيك" الأمريكية، والتي أعرب فيها عن "إيمانه بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة".
ويوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي لـ"الخليج أونلاين" أن قطار التطبيع قد قطع مسافة كبيرة، ولا يمكن لدولة الاحتلال أن تعلن عن هذا المشروع الضخم والأول من نوعه إلا بعد حصولها على ضمانات عربية ودولية لتشغيله، وكذلك توفير مصادر تمويله من نفس الدول العربية التي وافقت عليه.
ويشير إلى أن "إسرائيل" لم تبق عدواً للكثير من الدول العربية وعلى رأسها السعودية، بل باتت حليفاً هاماً في المنطقة، وهي ضمن مخطط "الشرق الأوسط" الجديد، الذي ستكشف عن ملامحه "صفقة القرن" التي شارفت على الانتهاء وسيتم طرحها خلال شهور قريبة، وتعتمد على تهميش القضية الفلسطينية بعيداً عن حل الدولتين واللاجئين، وتوطيد العلاقات العربية والخليجية بـ"إسرائيل".
- ضربة للقضية
وذكر أن "السكة الحديدية" التي يتم الحديث عنها هي جسر سياسي واقتصادي بين الدول العربية ودولة الاحتلال، وصورة من التطبيع العلني في المنطقة، متوقعاً أن يكون "القطار" مجرد بداية لمراحل أقوى في اللقاءات والعلاقات والمشاريع والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية أكثر تأثيراً، وقد تغير وجه المنطقة بأكملها.
ويشار إلى أن "الخليج أونلاين" كان قد انفرد، في 9 مارس الماضي، بالكشف عن تفاصيل لقاءات سرية هي الأولى من نوعها جرت بين السعودية و"إسرائيل" في العاصمة المصرية القاهرة، مطلع مارس، وأثارت ردود أفعال فلسطينية وعربية ودولية وإسرائيلية كبيرة.
وعن تفاصيل وخطورة مشروع "القطار"على أرض الواقع، يقول الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق: "هذا المشروع طرحته إسرائيل مراراً أثناء محادثات السلام والمفاوضات السرية والعلنية مع الدول العربية، وقد تزايدت فرص تحقيقه مع وصول ترامب للحكم وطرحه لما يسمى بصفقة القرن، التي تستند بشكل أساسي على التمكين لـ"إسرائيل" وجعلها الطرف المتحكم الرئيس في سياسات دول الشرق الأوسط واقتصادها وأمنها".
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين" يضيف صادق: "كما تزايدت فرص تحقيق هذا المشروع مع حالة التناغم السياسي بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة و"إسرائيل" من جهة أخرى، حيث التقت المصالح وتشابكت الأهداف بينهم، واقتربت فرص التطبيع وإقامة العلاقات المباشرة بينهم برعاية إدارة ترامب التي تسعي لفك عزلة "إسرائيل" في المنطقة".
ويتابع حديثه: "السعودية اتخذت خطوات واضحة لإزالة العقبات أمام تنفيذ مشاريع مشتركة مع دولة الاحتلال، من خلال التقارب بينهما في الخطاب السياسي ضد إيران، والزيارات السرية المتبادلة، والتخلي عن دعم القضية الفلسطينية، والتلويح بإعادة طرح المبادرة العربية بعد إجراء تعديلات عليها ترضي "إسرائيل"".
إنجاز هذا المشروع، بحسب صادق، يعني أن "إسرائيل" استطاعت التغلغل إلى العمق العربي وفك عزلتها، وتحقيق نوع من الأمان الاقتصادي لنفسها والاستقرار لشعبها، ويعني أنها قامت بالالتفاف على الحقوق الفلسطينية والتنكر لها وإنهاء القضية الفلسطينية بالطريقة التي ترضي "إسرائيل"، وتشجيع الهجرة اليهودية إليها من كل دول العالم، وتشجيع الدول على إقامة علاقات معها على اعتبار أنها دولة الأمر الواقع.
ويضيف: "التطبيع السياسي والاقتصادي بدأ يأخذ شكلاً علنياً بين "إسرائيل" والعديد من الدول العربية وتحديداً الخليجية، فالحديث يدور عن لقاءات سياسية وتوافق حول قضايا تخص الشرق الأوسط، ومشاريع اقتصادية مشتركة تم الحديث عنها، وهناك بالفعل مكاتب تجارية تعمل في دول خليجية مع الاحتلال بالتبادل".
وحذر المحلل السياسي من خطورة تنفيذ هذا المشروع فلسطينياً وعربياً، مؤكداً أن دولة الاحتلال نجحت في فك عزلتها وتمكنت من اختراق الجدار العربي الذي يستند إليه الفلسطينيون لدعم قضيتهم، ومشروع "القطار" سيدر على دولة الاحتلال أرباحاً هائلة تمكنها من السيطرة في المنطقة والتحكم بخيراتها ومصادر دخلها، ويدخلها باب التعايش الطبيعي مع العرب على حساب حقوق القضية الفلسطينية.