ملفات » العلاقات السعودية الاسرائيلية

سكة حديد الحجاز بالمقلوب: إسرائيل تعمل على توحيد العرب!

في 2018/06/26

القدس العربي-

يحمل إعلان وزارة المواصلات الإسرائيلية طرح عطاء رسمي لإنجاز مقاطع من سكة الحديد الحجازية التاريخية التي تربط بين حيفا وإربد الأردنية في طيّاته معاني رمزيّة وسياسية تتجاوز الحدث وتفتح أبواباً كبيرة للتأويل والتحليل.

يعيد الخبر، بداية، تذكير العرب (والأتراك) بالوقت الذي كانت فيه الأرض العربية مفتوحة ولم تكن دولها الحديثة موجودة.

شكّل الخطّ التحاقاً لسكّان المنطقة بالعالم الحديث، بالمعنى الجغرافي والسياسي، فالسكة الحديدية التي أنشأها السلطان عبد الحميد الثاني وابتدأ العمل فيها عام 1908 فتحت الطريق السريع بين دمشق والمدينة المنوّرة مع تفرعه، من بصرى في سهل حوران، إلى فلسطين والأردن مرورا بمعان ورأس النقب وجدة.

إضافة لاختصاره رحلة الحج من 40 يوماً إلى 5 أيام (كان والي دمشق يدعى أمير الحج)، فإن الخط الحديدي أمّن للسلطنة العثمانية الصمود سنتين أمام الهجوم البريطاني في الحرب العالمية الأولى.

وكان تدمير القوات البريطانية وحلفائها من القبائل العربية (في إطار «الثورة العربية الكبرى») للخط عام 1916 هو نهاية رمزية كبرى للسلطنة العثمانية نفسها، وعلى هامش ذلك، نهاية الوحدة الجغرافية العربية، وسيطرة الكولونيالية الغربية على مقدرات العرب… وكارثة فلسطين.

سادت لفترة طويلة في الأدبيات السياسية العربية، والأيديولوجيات القوميّة منها خصوصا، مقولة إن إعادة توحيد الأمة العربية (وسيادة الاشتراكية و«الحرية») هي المقدّمة للقضاء على إسرائيل.

لكن الذي حصل فعلاً أن الأحزاب القومية التي استلمت السلطات لتنفيذ الأجندة المذكورة في الدول العربية كرّست تجزيء بلادها بالحديد والنار، وسامت شعوبها أشكالا من الاستبداد فاقت به ما قام به الاستعمار، وانتهى مطاف الدعاية لمقاومة إسرائيل إلى أشكال من التذلل لها والتقرّب إليها وإعلان التنكّر للفلسطينيين وقضيتهم وبيعها في مزاد سياسي مخجل.

مع وصول مسار الدول «الوطنيّة» التي قادتها أحزاب قوميّة إلى مرحلة الفشل وطنيا واجتماعيا وسياسيا استلمت الراية بعض الدول الملكيّة، وبعضها كان هامشيّ التأثير في الوضع العربيّ، كالإمارات، وقدّمت مشروعاً جديداً يقوم على سياسة تعرف نفسها بالعكس:

مناهضة تيار الإسلام السياسي، وذلك من خلال تصعيد الاتجاهات العسكريّة ـ الأمنيّة التي تتلخّص سياساتها بالولاء لمن يدفع، بالتنسيق مع قوى التغلّب العالمية، سواء كانت أمريكا أو روسيا أو إسرائيل!

مع صعود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساهمت هذه القوى المذكورة في الدعوة لفتح الباب لتغييرات سياسية كبرى في العالم العربي، ولذلك راجت للتعبير عن هذه التغييرات الكبرى جملة «صفقة القرن»، التي لا تجبر الفلسطينيين على الخضوع لإسرائيل فحسب، بل تغيّر شكل العالم العربيّ كلّه وتوحّده هذه المرّة حقّا..!

وبذلك يكتمل مشروع الحرب العالمية الأولى، ويعود خط الحجاز لا ليحمل الحجاج من تركيّا وأنحاء العالم الإسلامي إلى المدينة المنورة، ولكن ليحمل البضائع والمال الإسرائيليين إلى دبي وجدّة ومكة، والتجار السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين إلى حيفا وتل أبيب والقدس.

بإعادة خط الحجاز بهذه الطريقة المقلوبة تنجح إسرائيل في خلق نموذجها لـ«توحيد العالم العربي» تحت رايتها في سخرية رمزيّة كبرى من أساطير العرب الحديثة، بدءاً من الثورة العربية الكبرى التي دمّرت الخط الحجازي، ومروراً بالانقلابات العسكرية التي قادتها الأحزاب القومية العربية، وانتهاء بهذه الأنظمة الملكيّة التي تريد الحفاظ على ممالكها بالانخراط التام في المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي.