ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -
بدافع الشعور بالتهديد من قبل إيران، والتشجيع من قبل الولايات المتحدة، تتدافع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية والإمارات، للتقارب مع (إسرائيل)، حيث يتم تنحية أي عقبات في سبيل ذلك جانبا.
وفي الواقع، ولأول مرة منذ أعوام عديدة، وصل النفوذ الإيراني الآن إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق البر؛ مما أثار مخاوف متزايدة لدى دول الخليج و(إسرائيل).
لكن في حين أن الانفراجة بين المعسكرين حقيقية، إلا أن العلاقة الناشئة لا تزال خاضعة للعديد من القواعد القديمة للديناميات العربية الإسرائيلية.
وبينما تفكر القوتان الأكبر في الخليج (السعودية والإمارات) في تحول رسمي لعلاقاتهما مع (إسرائيل) لتحقيق مكاسب براغماتية، يجب عليهما حساب استعدادهما لتحمل ردة الفعل المحلية، وغضب الكثيرين من العالم الإسلامي، واحتمال أن بعض المنافسين داخل الأسر المالكة قد لا يدعمون مثل هذا المسعى.
محفزات للتغيير
ولعقود من الزمان، استخدمت السعودية والإمارات، مثل باقي الدول في جميع أنحاء العالم العربي، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كوسيلة لتعزيز الشرعية المحلية.
وعبر دعم قضية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أكد السعوديون والإماراتيون على توجهاتهم القومية العربية والإسلامية التي ساعدت في ربط مجتمعاتهم القبلية بالحكام، وروجوا لمؤهلاتهم كقوى ناعمة رئيسية في العالم الإسلامي.
وفي الحالة السعودية، عزز دعم الفلسطينيين مصداقية الرياض كحارس لأقدس المواقع الإسلامية، مكة والمدينة المنورة.
ويمكن للدولتين الإبقاء على هذه النظرة ما بقيت هذه المواضيع العربية والإسلامية أدوات فعالة لبناء الدولة، وطالما لم تكلفهما معارضة (إسرائيل) الكثير من النفوذ أو المال.
ولأن الولايات المتحدة كانت هي الضامن الأمني للخليج منذ سبعينيات القرن العشرين، لم يكن لدى الحكام في الرياض وأبوظبي سبب لتجاوز مجالاتهم السياسية والدبلوماسية.
غير أن سلسلة من الأحداث المؤثرة قوضت أسس هذا السلوك.
أولا، أثبت انتفاضات الربيع العربي أن المواقف الملتزمة تجاه العروبة وفلسطين لا يمكن أن تنقذ أي نظام.
والأسوأ من ذلك، أن الانتفاضات، لا سيما في مصر، قدمت الإسلام السياسي كتحد محتمل للأنظمة التقليدية.
وبعد ذلك، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن محورها في آسيا؛ مما أثار مخاوف في الشرق الأوسط من انسحاب الولايات المتحدة بالكامل من المنطقة، والذي قد يفاقم المشاكل الأمنية.
وأخيرا، أزال اتفاق إيران النووي لعام 2015 الأغلال عن طهران، بينما فشل الاتفاق في معالجة قضية الصواريخ الباليستية والحروب الإقليمية بالوكالة.
وحين بدا أن الولايات المتحدة غير مهتمة بمكافحة صعود إيران، وظهر أن الموقف المؤيد للفلسطينيين يأتي بعوائد أقل محليا، تحولت دول الخليج باتجاه الدولة الوحيدة القوية والملتزمة بما فيه الكفاية بمحاربة إيران، ألا وهي (إسرائيل).
وبحذر، توصلت دول الخليج إلى معرفة ما يمكنهم الحصول عليه من (إسرائيل)، وما يمكن لشعوبهم تحمله.
ومنذ انتخاب "دونالد ترامب" رئيسا للولايات المتحدة، استأنفت الولايات المتحدة موقفها المتشدد المعادي لإيران.
ومع ذلك، استمرت العلاقة بين الخليج العربي و(إسرائيل) في النمو جزئيا؛ لأن الولايات المتحدة لم تشر بعد إلى أنها ستبذل كل ما في وسعها لمكافحة النفوذ الإيراني.
وعلى سبيل المثال، حدت واشنطن من أنشطتها في اليمن؛ حيث يقاتل حلفاء الحوثي المدعومين إيرانيا تحالفا تقوده السعودية.
كما تجنبت البلاد جميع الهجمات غير الدفاعية ضد وكلاء إيران في سوريا، وليس هناك ما يضمن أنها ستقصف إيران، سواء بشكل استباقي، وهو قرار تجد الولايات المتحدة أنه أكثر صعوبة سياسيا بعد غزو العراق عام 2003، أو كرد فعل ضد أي قرار إيراني بتطوير سلاح نووي.
وعلى الجبهة الداخلية، فإن العقبات التي تعترض العلاقات مع (إسرائيل) تزداد ضعفا.
وفي حين أثار قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها في (إسرائيل) إلى القدس، في ديسمبر/كانون الأول 2017، احتجاجات وغضبا في جميع أنحاء العالم الإسلامي، أبدى مواطنو دول الخليج ردا صامتا في الغالب، في حين لم تقدم حكوماتهم سوى نسخ وردود فعل تقليدية، دون أي التحولات الجوهرية في السياسة.
وحتى بعد إعلان الولايات المتحدة عن قرارها، استمر بعض الشخصيات الإعلامية والمسؤولين الخليجيين في دعم علاقات أكثر دفئا مع (إسرائيل)، أو الاجتماع بهدوء مع المسؤولين الإسرائيليين.
لكن الأكثر وضوحا أن السعودية سمحت بهدوء باستخدام مجالها الجوي لرحلات الطيران المتجهة إلى (إسرائيل) أو منها، ربيع هذا العام.
حسابات التكلفة
وفي نهاية المطاف، إذا فشلت الولايات المتحدة في التحرك بقوة ضد إيران حال قررت طهران استئناف برنامج التسلح النووي للبلاد، أو رعت هجوما مسلحا على أهداف في الخليج العربي، أو شاركت في أنشطة أخرى تهدد (إسرائيل) أو السعودية أو الإمارات، فإن دول الخليج العربية ستعزز علاقتها مع (إسرائيل).
وفي مثل هذه الحالة، سيتم اجتياز كل الحدود التي منعت حتى الآن النظر في مثل هذه الخطوة بشكل جدي.
وتشمل هذه العقبات رد الفعل المحلي.
وفي حين أن (إسرائيل) لم تعد ذلك العدو البغيض في المجتمعات الخليجية، فإن رد الفعل المعاكس ممكن في كل من السعودية والإمارات، لا سيما إذا كان التنسيق بين (إسرائيل) ودول الخليج صريحا، وإذا فشلت محاولات الوصول إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وستواجه السعودية مخاطر أكبر في سعيها لإقامة علاقات أوثق مع (إسرائيل)؛ بسبب تنوعاتها الجغرافية والديموغرافية والثقافية الكثيرة، والتي لا يمثل شيعة المنطقة الشرقية إلا خط الصدع الأكثر وضوحا فيها.
وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومة السعودية أن توازن الخلافات في محافظة عسير الجنوبية، وهي سنية، ولكن تشبه إلى حد كبير ثقافة اليمن، ومنطقة نجد المحافظة بشدة، ومنطقة الحجاز الأكثر شهرة، وجميعها مغمورة بالخلافات بين الحضر والريف، والشيوخ والشباب، والليبراليين والمحافظين، ناهيك عن الانشقاقات الاجتماعية الأخرى.
ولا يقتصر رد الفعل المحلي على الشارع فقط.
ففي المملكة، يمكن لقرار العمل مع (إسرائيل) أن يضر بشرعية الملك "سلمان" وولي العهد "محمد بن سلمان"، مما قد يدفع الفصائل الملكية المتنافسة إلى المناورة والاستفادة من أي اضطرابات شعبية لتأييد مطالبتهم بالعرش.
وقد يستحضر أولئك الذين يحملون بالفعل ضغينة ضد ولي العهد القيم التقليدية للمملكة، وهم يتحركون ضد الوريث الظاهر.
وقد يواجه حكام الإمارات تحديات مماثلة.
وعلى الرغم من أن الأسر المالكة السبع في البلاد آمنة داخل إماراتها، إلا أن العلاقات الأكثر دفئا مع (إسرائيل) قد تشعل صراعا على السلطة بين الفصائل الملكية المتنافسة بعد وفاة الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان".
وما هو أكثر يقينا هو أن العالم الإسلامي الأوسع لن ينظر بشكل إيجابي إلى التنسيق الخليجي العربي الإسرائيلي.
وتدّعي السعودية أنها ليست فقط حامية لأقوى الأماكن في الإسلام، بل أيضا زعيمة العالم السني، إلا أن العلاقات الدافئة مع (إسرائيل) ستؤدي إلى تآكل هذا الزعم في العالم الإسلامي الأوسع، خاصة إذا دعمت المملكة أي هجوم إسرائيلي ضد بلد مسلم آخر حتى لو كانت إيران.
وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذا التنسيق سيضعف محاولات السعودية المستمرة منذ عقود لبناء القوة الناعمة في الخارج من خلال بناء المساجد والمدارس.
وقد يفيد مثل هذا الغضب الخصمين السنيين الرئيسيين للدولتين الخليجيتين، تركيا وقطر.
وتعد تركيا، التي لديها برنامجها الديني الخاص لتدعيم طموحاتها الناعمة في جميع أنحاء العالم، في موقع جيد لاستغلال عدم الثقة العامة في المؤسسات السعودية في جميع أنحاء العالم السني.
وعليه، فإن تركيا، إلى جانب قطر، قد تصبح راعيا أكبر للمساعدات في جميع أنحاء العالم الإسلامي، إذا رفض المسلمون المال السعودي أو الإماراتي من حيث المبدأ.
ماذا عن الولايات المتحدة؟
ويبقى السؤال الرئيسي هو ما ستفعله الولايات المتحدة ضد إيران، وكذلك كيف ستنظر (إسرائيل) والسعودية والإمارات إلى هذا الإجراء.
وترغب (إسرائيل) في التنسيق مع دول الخليج، سواء لأغراض استراتيجية أو تجارية، لكن يجب الانتظار عليها لمدة حتى تصبح الرياض وأبوظبي أكثر راحة مع مثل هذه العلاقة.
وقد يتسارع هذا الجدول الزمني إذا رأت الرياض وأبوظبي أن واشنطن فشلت في وقف أنشطة طهران بشكل واضح.
ويعد التعاون مع (إسرائيل) لمواجهة إيران خطوة تنطوي على الكثير من المخاطر والأرباح لدول الخليج العربية.
لكن بغض النظر عن مزايا وعيوب متابعة تلك العلاقات، فمن الواضح أن لدى عرب الخليج الكثير ليبحثوه مع (إسرائيل).