الخليج أونلاين-
منذ عام 1978، تسير قوافل الحج والعمرة لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، نحو الديار الحجازية بتوصية أردنية بمنحهم جواز سفر مؤقتاً، لأداء المناسك دون أي عقبات أو عراقيل.
وجرت العادة المعمول بها أكثر من 40 عاماً، بناءً على اتفاق رسمي عُقد في حينه بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والعاهل الأردني الراحل حسين بن طلال.
لكن الرياض ضربت بالاتفاقية عرض الحائط، حين قررت رسمياً، منع أي فلسطيني من حمَلة "الجوازات المؤقتة" من دخول أراضيها، وهذا ما ينطبق على فلسطينيي 48 وحمَلة الوثيقة، ما يعني حرمانهم من أداء الشعائر بدءاً من 2019.
خطوة الرياض المفاجئة، التي أشعلت موجة غضب فلسطينية، أثارت الشكوك والتساؤلات حول توقيتها والهدف منها، خاصة في ظل التقارب بين السعودية و"إسرائيل"، وكذلك تأثيرها المباشر على فلسطينيي الداخل.
وينص الاتفاق الموقَّع بين "إسرائيل" والأردن في 1987، على السماح لفلسطينيي الداخل بأداء فريضة الحج والعمرة باستخدام جواز أردني مؤقت، وبموافقة رسمية من المملكة العربية السعودية.
أيادٍ عربية "خبيثة"
ورأى مراقبون في أحاديث خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن القرار له أبعاد خطرة، مؤكدين أن السعودية تدفع باتجاه السماح للجواز الإسرائيلي بدخول أراضيها رسمياً، تمهيداً للتطبيع العلني الرسمي.
ويقول الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني: إن "السعودية باتت تلهث بكل قوة خلف التطبيع، وتطوير العلاقات مع إسرائيل حتى لو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية".
ويؤكد أن كل خطوات الرياض ضد القضية خلال السنوات الأخيرة، من تبنٍّ مطلق لـ"صفقة القرن"، ومعاداة الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم، ومنعهم من دخول أراضيها لأداء الحج والعمرة، يؤكد أنها أعلنت الحرب على فلسطين.
"الرياض تريد أن تثبت بهذه الخطوات الخطيرة والمرفوضة، لإسرائيل والإدارة الأمريكية، أنها المسيطر والمنفّذ في المنطقة العربية، وأنها يمكن أن تضغط في كل جانب لأجل القبول بصفقة القرن، والتطبيع العلني"، يضيف "الخطيب".
ويوضح أن السعودية تريد "تركيع الفلسطينيين خدمة لمصالحها الخاصة في التودد والتقرب من إسرائيل، وإجبارهم على تقبُّل المرحلة المقبلة، التي سيكون عنوانها التطبيع العلني".
وأكد أن الرياض تؤدي "أدواراً مشبوهة وخطيرة في المنطقة"، مشدداً على أن "الفلسطينيين لن يتنازلوا عن حقوقهم، ولن يسمحوا بأن تمر هذه المؤامرات التي تتحرك بأيدٍ عربية خبيثة، بل إنهم سيتصدون لها".
وفي ضوء الخطوة السعودية الجديدة، بعث نواب الحركة الإسلامية في الداخل، الشهر الماضي، برسائل عاجلة إلى كل من رئيس الوزراء الأردني عمر الرّزاز، ووزير الأوقاف عبد الناصر أبو البصل، لاستيضاح طبيعة القرارات السعودية الأخيرة.
وجاء في الرسالة التي وصل إلى "الخليج أونلاين" نسخة منها: "فوجئنا بقرار السعودية الذي يدعو للتساؤل والاستغراب، لأنه يمثل خرقاً لاتفاق 1978، الذي جرى بتنسيق مع وموافقة من المملكة العربية السعودية".
وطالب النوّاب، المسؤولين الأردنيين بتكثيف الاتصالات مع السعودية، لمعرفة حقيقة الأمر، وعمل كل ما يلزم لما فيه مصلحة الحجاج والشعب الفلسطيني.
وبداية شهر نوفمبر الجاري، أعلنت السعودية أنها تشترط استقبال الحجاج والمعتمرين من فلسطينيي 48 فقط، إذا كان بحوزتهم "جواز أردني ثابت"، وإنها سترفض استقبال من يحملون المؤقت منه.
ومن شأن الإجراء، الذي لم يسوَّغ رسمياً بعدُ، منع أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطيني من فريضة الحج ومناسك العمرة.
أبعاد سياسية خطيرة
"أخشى أن تكون لهذه القرارات أبعاد سياسية أكثر خطورة، وهي أن تفتح السعودية أبوابها لدخول فلسطينيي الداخل بجوازات السفر الإسرائيلية"، الحديث هنا لهشام عبد الرحمن، رئيس لجنة المراقبة في جمعية الحج والعمرة بالداخل.
ويضيف عبد الرحمن: "هذا القرار يحمل في طياته خفايا وأسراراً سياسية كثيرة، وننظر بعين القلق إزاء إمكانية وضع فلسطينيي الداخل جزءاً من المساومات والضغوط بين الدول العربية وإسرائيل، فهذا الأمر سيضرنا كثيراً، ويُدخلنا في متاهات طويلة وخطيرة".
ويشير إلى أنه "منذ 40 عاماً ونحن نسيّر قوافل الحجاج والمعتمرين بالطريقة المعهودة، لكن خروج السعودية بهذا القرار المفاجئ أثار الكثير من التساؤلات، وأصبح مصير فلسطينيي حمَلة الجواز المؤقت مجهولاً ويحيط به الخطر".
وتتماشى هذه التصريحات مع ما نشره الموقع العبري "عنيان مركازي"، نقلاً عن مصادر إعلامية، بأن "هناك مؤشرات على إجراءات جديدة تتيح للإسرائيليين الدخول إلى السعودية بداية من العام القادم، بواسطة جواز إسرائيلي".
وفي السياق ذاته، أعلن وزير الأوقاف الأردني، عبد الناصر أبو البصل، الأسبوع الماضي، أن وفداً أردنياً رسمياً سيتوجه إلى السعودية، لبحث أسباب المنع.
ونقل موقع "عمون" عن أبو البصل تأكيده خلال اجتماع مع لجنة فلسطين في مجلس النواب، أن "الأشقاء الفلسطينيين في الداخل المحتل مُنعوا من الذهاب للسعودية بعد فتح موسم الحج الأخير".
وقال: "يجري حالياً ترتيب زيارة لوفد أردني يلتقي الجهات المعنيّة في الرياض، لبحث أسباب المنع"، مشيراً دور الحكومة الأردنية في تسهيل الأمر منذ 40 عاماً.
بدوره، استهجن النائب الأردني محمد الظهراوي، خلال الاجتماع، الخطوة السعودية، متسائلاً باستهجانٍ عما إذا كانت الرياض "أسقطت الفريضة عن هذه الشريحة من الفلسطينيين!".
وامتنعت السعودية، في العام الجاري، عن استقبال الحجاج والمعتمرين من حمَلة الجواز الأردني المؤقت؛ بحجة عدم وجود رقم وطني أردني، وتضرر بسببه 4500 حاج فلسطيني، بيد أن الأردن تدخَّل لمنع تنفيذه في موسم الحج الأخير.
وتجددت الأزمة مع قرب أولى رحلات العمرة والتي ستنطلق في منتصف ديسمبر المقبل، وهو ما يزيد قلق فلسطينيي 48.
الجدير ذكره أن قرار المنع ليس الأول الذي تتخذه الرياض بحق الفلسطينيين، فقد قررت قبل أشهرٍ، منع حاملي "الوثيقة الفلسطينية" من دخول أراضيها، الأمر الذي يهدد ملايين اللاجئين من سوريا والأردن ولبنان ومصر.
وجاءت القرارات السعودية بالتزامن مع الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لطرح "صفقة القرن" التي تتبنّاها الرياض، وكذلك وسط تصاعد اللقاءات والعلاقات التطبيعية بين الرياض و"تل أبيب".
وأظهرت تسريبات صحفية حجم العلاقات "السرية" المتطورة بين "إسرائيل" والسعودية، في ظل الحديث عن انتقال التطبيع إلى مرحلة علنية.
والجدير ذكره أن الرياض تتعرض لانتقادات واسعة من مؤسسات دولية تطالبها دائماً بوقف تسييس مناسك الحج والعمرة، فضلاً عن مطالبات أخرى بجعل إدارة شؤون الحرمين الشريفين مشتركة بين دول العالم الإسلامي.