هآرتس-
عندما أصبح "دونالد ترامب" رئيسا للولايات المتحدة كان التفاؤل والأمل يحدو معظم الأنظمة العربية، لكن بعد نحو عامين من رئاسته تحول ذلك التفاؤل إلى ارتباك وقلق، بسبب سياسات الرئيس الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، والتي اعتبرت، خلال هذه الفترة، غير مترابطة ومرتبكة، بل ومقلقة.
ما سبق كان خلاصة تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية بعنوان "سنتان من رئاسة ترامب.. خيبة أمل في دول الخليج من كل شئ من إيران وحتى السلام".
وقال التحليل إن القادة العرب كانوا يعدون تنازليا منتظرين بفارغ الصبر انتهاء فترة "باراك أوباما" الرئاسية في أواخرها، انتظارا لصعود "ترامب" الذي وعد بخط متشدد ضد إيران ، العدو الرئيسي للعالم العربي السني.
وأضاف: "وعلى عكس أوباما، الذي شدد على تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة، أوضح ترامب أن أولويته الرئيسية هي الاستقرار، وكان هذا يعني تعزيز سلطة القادة الأوتوقراطيين، وبالتالي بدا الأمر وكأنه منحة من السماء لهؤلاء القادة".
لكن بعد عامين من رئاسة "ترامب" تبدلت الأحوال، وبدأ القلق والارتباك يضرب المنطقة، بسبب عشوائية سياسات الرئيس الأمريكي.
ونقلت "هآرتس" عن مسؤول عربي (لم تسمه) قوله إنه "لا يزال العديد من المسؤولين العرب يعتقدون أنه (ترامب) أفضل من أوباما ، الذي انحاز علنا إلى إيران، لكننا لا نعلم ما الذي يحاول ترامب تحقيقه حتى الآن".
وكمثال حديث على هذه السياسة المتخبطة، تقول "هآرتس"، أنه بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" عن انطلاق قمة قريبة في بولندا تجمع قادة الشرق الأوسط وزعماء عالميين آخرين للمناقشة حول سبل مواجهة إيران، خرج مسؤول بالإدارة الأمريكية، هذا الأسبوع، ليشير إلى أن القمة المرتقبة لن تركز على دولة محددة، لكنها ستناقش سبل تحقيق السلام بالمنطقة.
ومع إعلان روسيا عدم حضورها، باتت أيضا مشاركة الدول الشرق أوسطية والأوروبية غير مؤكدة، ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن دبلوماسيين أوروبيين توقعهم صدور قرار أمريكي بإلغاء القمة بسبب الحضور الهزيل المتوقع.
منطقة بلا سفراء
ويشير التحليل إلى عقبة أخرى أمام الدول العربية في صنع تواصل واضح وجيد مع إدارة "ترامب"، تتمثل في أن المناصب الدبلوماسية الرئيسية المتعلقة بالشرق الأوسط لا تزال شاغرة بعد عامين من تولي "ترامب" منصبه.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، عندما زار "بومبيو" 9 دول في الشرق الأوسط لمعالجة المخاوف في المنطقة بشأن قرار "ترامب" بالانسحاب من سوريا، أشارت مجلة "فورين بوليسي" إلى أنه في 5 من تلك الدول لم يكن هناك سفير أمريكي معين بشكل مستقر (بدوام كامل) في وقت الزيارة.. وهذه البلدان هي قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر.
ويضيف التحليل أنه في غياب السفراء المؤكدين والمعينين من مجلس الشيوخ، فإن المناصب الدبلوماسية العليا في هذه الدول - التي هي كلها حليفة للولايات المتحدة بشكل وثيق ومؤثر - يتم ملؤها بشكل مؤقت من قبل الدبلوماسيين المهنيين الذين لم يختارهم "ترامب" أو "بومبيو".
وتقول "هآرتس" إنه في الأشهر الأولى من رئاسة "ترامب"، حاولت الحكومات في مختلف أنحاء العالم التغلب على النقص في موظفي الإدارة الأمريكية الدوليين، من خلال تعزيز العلاقات الوثيقة مع الرئيس أو أقرب مستشاريه، مثل صهره "غاريد كوشنر".
وتضيف: "بعض القادة، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كانوا أكثر نجاحا من غيرهم في هذا الإطار".
لكن انسحاب "ترامب" المفاجئ في سوريا أثبت أنه حتى أولئك القادة يمكن أن يتعرضوا لأعاصير تلك الإدارة المحمومة، وبالنسبة للقادة الذين لم يبنوا علاقات وثيقة مع أقرب المقربين للرئيس الأمريكي، فإن غياب المسئولين الأمريكيين متوسطي المستوى للعمل معهم، مثل السفراء، كان أمرا محبطا أكثر.
الناتو العربي
وقالت الصحيفة الإسرائيلية، في تحليلها، إن إحدى الأفكار السياسية الكبرى التي طرحتها الإدارة الأمريكية عدة مرات هي إنشاء حلف عسكري عربي على غرار حلف شمال الأطلسي - وهي قوة عسكرية عربية مشتركة تسعى إلى ردع إيران وعملائها في الشرق الأوسط، وكان من المقرر أن يعمل هذا التحالف، من الناحية النظرية، مع (إسرائيل) ضد "العدو الإيراني المشترك".
وتردف: "لكن المشكلة الوحيدة هي أنه بعد مرور عام ونصف على الرحلة الخارجية الأولى لترامب كرئيس، والتي زار خلالها المملكة العربية السعودية وإسرائيل، يبدو أن هذين البلدين هما الوحيدان في المنطقة اللذين يعجبان بتلك الفكرة".
وقال وزير الخارجية الأردني الأسبق "مروان المعشر"، لصحيفة "نيويورك تايمز"، الأسبوع الماضي، إن الفكرة "غير مناسبة" لغالبية البلدان العربية، التي لا تريد الدخول في صراع عسكري شامل مع إيران.
هذه الفكرة، عبر عنها أيضا مسؤول عربي تحدث مع "هآرتس" قائلا إن "هناك انعدام ثقة بين مختلف البلدان في المنطقة حول الشؤون الأمنية، ولن يكون هناك من يرغب في إشراك دول أخرى في قرارات مثل متى يجب شن الحرب على طرف خارجي حتى لو كان عدوا".
حصار قطر
وتشير الصحيفة إلى أنه من أبرز التعقيدات أيضا التي تواجه الإدارة الأمريكية في المنطقة هي الأزمة الخليجية، التي نشبت في يونيو/حزيران 2017، عندما قررت السعودية قيادة حصار شرس ومفاجئ ضد قطر، وكان رد فعل الإدارة الأمريكية على هذا الحصار مرتبكا وغير واضح، حيث دعم "ترامب" في البداية السعوديين، لكن وزير خارجيته، آنذاك، "ريكس تيلرسون" ومسؤولين آخرين عبروا عن رفضهم ذلك الأمر، وطالبوا بوجوب عدم التخلي عن قطر، التي تمتلك قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة.
وكان وزير الدفاع الأمريكي آنذاك أيضا "جيمس ماتيس" مهتما بالعلاقة مع قطر وعدم السماح بتقويضها تحت الحصار السعودي، لكنه الآن استقال بسبب قرار "ترامب" بالانسحاب من سوريا، وتبعه مبعوث الخارجية الأمريكية للتعامل مع الأزمة الخليجية "أنتوني زيني"، وتم تفسير ذلك على أنه "علامة على اليأس من حل هذا الملف".
وحتى أولئك الذين أعجبهم توجهات "ترامب" الشرسة والعدائية الواضحة حيال إيران، صدموا من قراره بالانسحاب من سوريا، كونه سيعطي الفرصة لإيران لتمكين جيد لها هناك، كما قال "بسام بربندي"، الدبلوماسي السوري السابق الذي انشق عن نظام "الأسد".
وأشارت "هآرتس" إلى أنه خلال فترة رئاسة "أوباما"، ظهر تحالف غريب في واشنطن بين المنظمات التي وصفت على نطاق واسع بأنها "اللوبي المؤيد لإسرائيل" ودول عربية رئيسية، بناء على معارضة مشتركة لسياسة "أوباما" تجاه إيران.
وتضيف: "لكن جزءا من هذا التحالف غير الرسمي، وهم الجماعات الموالية لإسرائيل، خرجت لتعبر عن عدم رضاها من قرار ترامب بالانسحاب في سوريا، وهاجمته بتهمة التخلي عن الحلفاء الإقليميين، وحذرت من أنه يضر باستراتيجيته المناهضة لإيران".
(إسرائيل) والخليج
وبحسب التحليل، فإن إدارة "ترامب" ظلت تلمح منذ قرابة عامين إلى خطة لتحسين علاقات (إسرائيل) مع الكثير من الدول العربية، وكُشف النقاب عن تحالف سري بين (إسرائيل) ودول الخليج حتى الآن يركز على علاقات استخباراتية سرية.
لكن حتى الآن، يتجاهل المسؤولون في المنطقة المضي قدما نحو هذا الاحتمال، مشيرين إلى أنه من المستحيل تقييم ما إذا كانت الخطة ستجعل (إسرائيل) على اتصال وثيق مع دول الخليج، لأنه لا أحد لديه أي فكرة عما تتضمنه الخطة، فالتفاصيل لا تزال بحوزة عدد محدود للغاية من المحيطين بـ"ترامب" فقط.
وقال وزير الخارجية "مايك بومبيو"، هذا الأسبوع، إن الإدارة ستشرع قريبا في مشاركة "تفاصيل الخطة" مع الحلفاء في المنطقة، لكن أحد المصادر قال لـ"هآرتس" إن عناوين صحفية بهذا المعنى (تقاسم التفاصيل) نُشرت بالفعل في الصيف الماضي قبل زيارة للمنطقة من قبل "كوشنر" و"جيسون جرينبلات"، مبعوث "ترامب" الخاص للشرق الأوسط.
في نهاية المطاف، لم تؤد تلك الزيارة إلى أي اختراق، لأن عدداً من القادة العرب قالوا إن قدرتهم على المضي قدماً نحو السلام كانت محدودة، طالما استمرت السلطة الفلسطينية في مقاطعة إدارة "ترامب" بسبب خطوة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
الخلاصة، وبحسب التحليل، أن العديد من القادة العرب باتوا متأكدين الآن أن السياسات في الشرق الأوسط، سواء كانت التوجه نحو إيران، أو الانسحاب من سوريا أو خطة السلام، تتأثر بشدة بالاعتبارات السياسية الداخلية الأمريكية، وليست قائمة على اعتبارات الأمن القومي للمنطقة.
وتضيف "هآرتس": "تدرك الدول العربية اليوم أن هذا لم يكن الوضع المنتظر.. يكتب ترامب تغريدة عشوائية فتدير الحكومة الأمريكية بعدها تروسها لتعديل الأمور أو مواءمتها، والنتيجة هي استراتيجية غير متماسكة ".
ويضرب "هادي عمرو" - المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي عمل في سياسة الشرق الأوسط في إدارة "أوباما" – مثالا على هذا الأمر بقرار نقل السفارة إلى القدس أثناء محاولة "ترامب" صياغة اتفاق سلام يحتاج لتوافق الطرفين، وقرار الانسحاب من سوريا في خضم حملة ضد إيران.
وقال: "هذا لا معنى له، لكن ليس من المفترض أن يكون له معنى، وقد أدرك القادة في المنطقة ذلك الآن".