متابعات-
كشفت مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في رام الله بالضفة الغربية المحتلة عن ضغوطات عربية وصفتها بـ"الهائلة والثقيلة" تتعرّض لها السلطة من أجل القبول بـما تسمّى بـ"صفقة القرن" الأمريكية، رغم بنودها الخطيرة التي تهدّد بنسف القضية الفلسطينية.
وأكدت المصادر، في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية والإمارات ومصر يمارسون ضغوطات كبيرة وغير مسبوقة على الرئيس محمود عباس؛ من أجل إقناعه بإعطاء إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرصة جديدة لتحريك عملية السلام في المنطقة من خلال صفقته المنتظرة.
وأوضحت أن الدول العربية، وخاصة بعد زيارة جاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي، إلى المنطقة ولقائه بزعماء الدول العربية، باتوا مُسلّمين تماماً بأهمية "صفقة القرن"، ومقتنعين بكل بنودها التي تستهدف القضية والمشروع الفلسطيني بشكل مباشر، على حساب إطالة عمر الاحتلال الإسرائيلي ودعم مخططاته العنصرية.
وكشفت أن عباس، خلال جولته الخارجية الأخيرة، قد ناقش مع الرؤساء العرب الخطة الأمريكية، لكنه تفاجأ بإيمان قوي وراسخ لدى رؤساء تلك الدول واقتناعهم بالصفقة الأمريكية، واعتبارها "فرصة سلام أخيرة وسانحة في المنطقة قد تُنجي من ويلات وعقبات كبيرة قادمة".
تهديد بالمال السعودي
وقالت المصادر: إن "من أبرز المواقف التي فاجأت عباس خلال لقائه مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في الرياض 12 فبراير الماضي، طلب الأخير صراحة بأن يحاول أن يعطي فرصة للجهود الأمريكية في المنطقة، وأن يتماشى مع مبادرات السلام الجديدة"، في إشارة واضحة إلى صفقة القرن.
"الأمر لم يتوقف عند محاولة إقناع عباس بقبول الصفقة الأمريكية فقط، بل تجاوز ذلك؛ حين لمّح الملك سلمان إلى أن السعودية لن تكون قادرة على مساعدة السلطة والالتزام بالدعم المالي الذي يقدَّم لها بصورة شهرية، أو من خلال المساعدات التي تقدَّم لبرامج وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" أونروا"، أو تنفيذ مشاريع اقتصادية وإغاثية داخل الأراضي الفلسطينية"، تضيف المصادر ذاتها لـ"الخليج أونلاين".
وتشير إلى أن الرياض ألمحت إلى "خطوة التهديد المالي" بحجّة أنها ستتعرض لضغوطات من قبل إدارة ترامب؛ في حال واصل الفلسطينيون رفضهم التعامل مع صفقته السياسية، خاصة بعد القبول والتأييد العربي الكبير لها من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين وسلطنة عُمان.
وذكرت أن عباس، الذي جاء للقاء الملك سلمان للضغط عليه وإقناعه بتفعيل قرارات الجامعة العربية؛ التي نصّت على توفير شبكة أمان مالية للسلطة تقدَّر بـ100 مليون دولار شهرياً لمواجهة الأزمات التي تعاني منها، قد عاد بُخفي حنين إلى رام الله، وأبلغ قادة السلطة وفتح، خلال الاجتماع الأخير الذي عُقد بمقر المقاطعة برام الله، "أن القادم أخطر، والدول العربية قد رفعت يدها عن تمويل ودعم السلطة؛ خوفاً من الإدارة الأمريكية".
وفي 12 فبراير الماضي، التقى عباس في الرياض بالعاهل السعودي، وناقش الجانبان ملفات سياسية هامة ومشتركة في المنطقة، في حين يواصل كوشنر جولته الشرق أوسطية ضمن مساعي الإدارة الأمريكية لإطلاق خطة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين باتت تُعرف بـ"صفقة القرن".
إغراق الفلسطينيين بالأزمات
المصادر ربطت الموقف السعودي "المتطور" تجاه السلطة بالتطورات الحاصلة في قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في تركيا قبل أشهر، وأن الرياض لا تريد إغضاب إدارة ترامب بموقفها الداعم للفلسطينيين، في محاولة لتجاوز العاصفة التي تسبّبت بها القضية، والتي لا تزال رياحها الشديدة تضرب الرياض من كل جانب.
وبسؤال "الخليج أونلاين" عن مدى تأثّر السلطة في حال أوقفت الرياض دعمها المالي عنها؟ أجابت المصادر: "السعودية تقدّم ما يقارب الـ20 مليون دولار شهرياً لدعم موازنة السلطة، وإضافة لذلك تقدّم بعض التمويل لمشاريع إنسانية واقتصادية متفرّقة بأكثر من 10 ملايين دولار، وفي حال أُوقف الدعم المالي الذي تقدّمه للفلسطينيين فهذا سيُدخل السلطة بأزمة طاحنة وكبيرة".
وتابعت حديثها: "إيقاف هذه الأموال في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها السلطة، وحجز الاحتلال ما يقارب الـ143 مليون دولار من أموال ضرائب السلطة "المقاصة"، سيغرقنا في أزمات طاحنة وخطيرة، ستؤثر بشكل كبير في عمل ونشاط السلطة، وقد يسبّب انهيار مؤسساتها".
المصادر توقّعت أن تطرح الإدارة الأمريكية "صفقة القرن" مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية، المقرّرة في أبريل المقبل، موضحةً أن الفلسطينيين يعتبرون الدول العربية شريكاً واضحاً في هذه الصفقة المشبوهة، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتقزيم مكانتها، خدمة لمساعيهم نحو التطبيع الكامل مع "إسرائيل".
الجدير ذكره أن السلطة واجهت عجزاً كبيراً في ميزانيتها؛ بلغ نحو 400 مليون دولار، العام الماضي، قبل الدخول في أزمة تراجع الدعم الدولي وخاصة الأمريكي لها، وحجز "إسرائيل" لأموال المقاصة، مع توقعات باستمرار العجز وربما تفاقمه، رغم عدم إعلان الحكومة الفلسطينية ملامح موازنتها الرسمية للعام 2019 حتى الآن.