مبارك الفقيه- راصد الخليج-
وأخيراً.. زالت هواجس الخوف والهلع، وهلّل السعوديون لقرار وزير داخلية إسرائيل أرييه درعي بالسماح للإسرائيليين بزيارة المملكة، ولكن سريان هذا الإجراء يستلزم وجود دعوة للإسرائيليين من قبل سعوديين، أو صدور تصاريح لهم من قبل السعودية بالسفر إلى المملكة لأسباب دينية مثل الحج، أو لممارسة أنشطة تجارية، على أن تصل مدة السفر تسعة أيام.
هذا القرار يأتي على "خلفية دفء العلاقات بين إسرائيل ودول خليجية"، بحسب تعبير "يديعوت أحرونوت"، ونتيجة "توطّد غير مسبوق للعلاقات بين إسرائيل ودول خليجية وخاصة السعودية"، وفق الإذاعة الإسرائيلية الرسمية؛ وقد يكون المسرور الأول بهذا التطوّر هو المطبّع محمد سعود، الذي طرده أبناء القدس ورماه أطفالها بالأحذية والنفايات، وعلى الرغم مما رافق زيارته من موجة استهزاء من قبل إسرائيليين وصفوه بالمهووس الجنسي بالفتيات اليهوديات، أعلن حبّه لإسرائيل وهاتف رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو؛ وهو الذي استضاف مجموعة إسرائيليين في منزله وتباهى بذلك علناً، دون أن يظهر كيف وصل هؤلاء إلى منزله في السعودية، وكيف دخلوا أراضي المملكة، وهل بجوازات سفر إسرائيلية أم بجنسيات مختلفة؟!
ربّما دفع "سرور" محمد سعود بالقرار الإسرائيلي - وربّما غيره الكثير من السعوديين - إلى البدء بالإجراءات اللازمة لتنظيم زيارات علنية لإسرائيليين إلى أرض الحرمين الشريفين، ولكن سرعان ما أحبط وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان هذه الفرحة في حوار مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، بالإعلان أن "لا علاقات لدينا مع إسرائيل، ولا يمكن لحاملي جواز السفر الإسرائيلي زيارة المملكة في الوقت الراهن".
إنها سياسة السعودية الثابتة حيال القضية الفلسطينية التي لا تسمح بعلاقات علنية مع إسرائيل، ولكننا"نشجع بشدة التوصل إلى حل سلمي لهذا النزاع.. وعندما يتم التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ستكون قضية انخراط إسرائيل في محيطها الإقليمي على الطاولة"، هكذا قال بن فرحان؛ وهذا الموقف الموضوعي للوزير الشاب المقرّب من الأمير محمد بن سلمان وصاحب "العلاقات القويّة مع الغرب"، والخبير في شؤون التسليح، والذي كان يشغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية بواشنطن، يضع الحكّام العرب أمام مسؤولياتهم الرئيسية بضرورة العمل على إخراج تسوية تحفظ حقوق الفلسطينيين استناداً إلى حل الدولتين، لا سيما في هذه المرحلة التي تزخّم فيها إدارة ترامب الدفع باتجاه تنفيذ صفقة القرن؛ وتراهن الرياض كثيراً على الموقف الأمريكي في هذا الإطار؛ فالولايات المتحدة، كما قال بن فرحان، "أثبتت مجدّداً أنها حليف موثوق للمملكة".
هذا الحلف الأمريكي - السعودي الوثيق لا بد أنه سينعكس إيجاباً بشكل وبآخر على العلاقة السعودية - الإسرائيلية، فالهدف هو التوصّل إلى تسوية وإرساء السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن هنا يأتي التشجيع العربي، ولا سيما السعودي والإماراتي، للّقاءات التي جرت وتجري تحت عنوان لقاء أتباع الأديان السماوية، وآخر مظاهر هذا التشجيع الزيارة التي شارك فيها نحو 62 شخصية، من بينهم 25 شخصاً يرتدون زي رجال دين مسلمين ومسيحيين، من حوالي 28 دولة، ووصفها رئيس الوفد الأمين العام لـ "رابطة العالم الإسلامي" محمد بن عبد الكريم العيسى بأنها "واجب مقدّس وشرف عظيم"، ولم يفت العيسى، وهو زير العدل السعودي السابق، أن يتوّج الزيارة بصلاة أمّها قرب النصب التذكاري لضحايا ما يسمّى المحرقة النازية في بولندا، كرسالة تسامح وسلام ورفض للظلم الذي تعرّض له اليهود على أيدي النازيين في أوشفيتز.
نعم إنه "واجب مقدّس"، و"هذا هو الإسلام الحقيقي"، كما وصفه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، كترجمة للاتفاق الذي وقّعته رابطة العالم الإسلامي، ومركزها مكّة المكرّمة، واللجنة الأميركية اليهودية في مايو 2019، وسيتوّج بزيارة وفد من الهولوكوست إلى السعودية في المرحلة المقبلة كما أعلن العيسى نفسه. وهو "عملية تغيير مهمة في الشرق الأوسط، وفرصة كبيرة لإسرائيل"، كما صرّح زعيم حزب "أزرق أبيض" الإسرائيلي بيني غانتس.
نعم هو شرف عظيم أن يستبشر العرب بقرب الحلّ الأمريكي - الإسرائيلي لقضايا المنطقة، حتى لو جاء هذا الحلّ على حساب القضية الفلسطينية والقدس وأبنائها، أو على حساب مساواة المجرم بالضحية وإظهار اليهود ضحية للإرهاب النازي، أما الفلسطينيون الذي يسقطون بالرصاص الإسرائيلي فهم قتلى قرارهم الرافض للقبول بالأمر الأمريكي الواقع، فلماذا الاستمرار في التعنّت طالما أن معظم الدول العربية وعلى رأسها السعودية لن تعترض على صفقة القرن، كما ذكرت القناة الـ 13 الإسرائيلية، بل سترحّب بها باعتبارها بداية طيبة على طريق الحل".
في الختام، لفتني تعليق لإحدى الناشطات السعوديات في صفحتها على موقع فيسبوك تشرح واقعاً راهناً في المملكة، وتقول فيه: "الخمر تستورده وزارة الإقتصاد، تحرّمه وزارة الأوقاف، تروّج له وزارة السياحة، تحذّر منه وزارة الصحة، تحصّل منه الضريبة وزارة المالية، وفي المحصلة يُعتقل السكران من قبل وزارة الداخلية، وفي اليوم الثاني يُطلق سراحه من قبل وزارة العدل.. والجميع على حق".. هكذا صار الحق في بلادنا، فما بالنا بالباطل؟