أحمد شوقي- راصد الخليج-
رغم التمهيد الطويل لما اعلنه ترامب ونتنياهو من اخطار بتصفية القضية في قالب اطلق عليه "صفقة القرن"، ورغم كثرة الشواهد من تصريحات امريكية وصهيونية وخطوات ملموسة بدأت بنقل السفارة الامريكية للقدس المحتلة وما تبعها من اعتراف بضم الجولان، الا ان الامر عندما تم اعلانه رسميا يبدو وكأنه فاجأ البعض، ولم يغن طول التمهيد عن الصدمة والغضب في أوساط قطاعات شعبية بل وسياسية من المفترض انها متابعة وواعية وموقنة بحدوث ذلك.
وترافقت مع فترة التمهيد ايضا ممارسات اخرى، كانت دول الخليج هي بطلتها، وتمثلت في لقاءات سرية وعلنية مع الصهاينة وما بدا انه اتجاه مؤكد لتطبيع العلاقات مع العدو، وهو تطبيع مجاني لا يخضع حتى لمبدأ المقايضة او التنازلات المتبادلة!
الا ان التمهيد التطبيعي، وممارسات دول الخليج المنحرفة عن الثوابت التي التزمت بها على الاقل علنا، طيلة العقود الماضية، لم تغن ايضا عن الصدمة والغضب من رد الفعل الخليجي المرحب بجهود امريكا في (عملية السلام)، وهو انحراف عن الرفض الشكلي في مراحل سابقة لخطوات اقل من هذه الخطوة الامريكية في الخطورة والقذارة!
ان الصفعة التي وجهتها امريكا لمن تصور ان الحقوق يمكن اخضاعها للتفاوض والذي يعني التنازل، وبالتالي يصبح مرادفا للتفريط، كان من المنطقي ان يتبعها انتفاض وغضب رسمي، لان الاهانة تم توجيهها مباشرة لمن راهنوا على امريكا ولمن عادوا انصار المقاومة في شعوبهم التي طالبت بالمقاومة، على امل ان تحفظ امريكا ماء وجههم الرسمي بتسوية يمكن تمريرها.
الا ان رد الفعل جاء مغايرا وكأنه خضع لمتلازمة ستوكهولم الشهيرة وهي (الظاهرة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف. وتسمى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف)!
الامور هنا تدخل في نطاق خطير، حيث تتجه التوازنات للتبدل، وتتسارع الاحداث لمنحى تصادمي، والتصعيد قد يتخطى حدود الدول التي تظن انها مجرد كانتونات تستطيع ممارسة شرورها بحرية دون دفع الاثمان وانها آمنة من ارتدادات الحوادث.
الامور في فلسطين المحتلة في اتجاهها للتصعيد، والشعوب حتى ولو بدت ساكنة وفاقدة للحمية الوطنية والقومية، الا انها ايقنت حقيقة الانظمة الرسمية ورسّخت قناعاتها بأن الانظمة اكثر من تابعة بمستويات تصل للتواطؤ والخيانة.
مشكلة دول الخليج انها لم تكتفي بالصمت، بل رحبت بجهود ترامب، بل وشاركت دول خليجية في حضور مؤتمر العار، مثل الامارات والبحرين وعمان.
والمشكلة الاكبر والتي تعد فضيحة كبرى، ان الدور الاقتصادي المشار اليه في الصفقة هو على عاتق دول الخليج، اي انها ستصبح مشاركة في العار وممولة له!
هنا ندخل في مستوى جديد من التناول، سواء للحكومات او حتى في تقييم الشعوب، حيث تم تدشين مرحلة جديدة في قرن جديد بمواصفات جديدة.
وهذا التناول يحتم علينا تسمية الاشياء بمسمياتها، وهو ان حكاما يشاركون بهذا العار هم في مرتبة نتنياهو قولا واحدا، وشعوبا تصمت دون تحريك ساكن ولا تغير على حكامها بقول او بعمل فهم كالمستوطنين الصهاينة.
انها مرحلة فاصلة في الحكم على الحكومات وايضا الشعوب.
وان كان القهر او كانت الاوضاع الاقتصادية مبررا ساقه البعض لصمت الشعوب او التماس العذر لها، فإن الشعب اليمني الذي يعاني القصف والقتل والجوع والمرض، قد اسقط هذا المبرر، وقد اقام الحجة على الشعوب، بخروجه المشرف للاعتراض على صفقة العار واعلان انه شعب حي لم يفقد كرامته ولا انسانيته.
كان النقد دوما موجها للانظمة الرسمية، والان سيطال الشعوب ايضا ان لم تتحرك ولو حتى بمنطق ابراء الذمم.
انها صفقة مع العدو الاسرائيلي، والشواهد وردود الافعال العربية وخاصة الخليجية، تقول انها صفقة ايضا مع الخليج، ولا علاقة للصفقة بالفلسطينيين الا من باب خيانة قضيتهم وتصفيتها.