الخليج أونلاين-
"نقول لمن يتهموننا بإضاعة فرص السلام لا تطلقوا شعارات غبية"، جاءت هذه العبارة ضمن خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مجلس الأمن الدولي، الذي فُتحت أبوابه، الثلاثاء، لمناقشة "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسابيع، وقوبلت برفض فلسطيني وعربي ودولي.
العبارة التي تحدث بها عباس كان يقصد بها دولة الإمارات، التي عكف مسؤولوها طوال الشهور الماضية على إطلاق تصريحاتهم ضد المسؤولين الفلسطينيين وعلى رأسهم عباس، واتهامهم بإضاعة فرص السلام برفض الجلوس على طاولة المفاوضات مع "إسرائيل"، أو عدم قبول "صفقة القرن" التي تعتبرها أبوظبي "فرصة حقيقية للسلام"، بحسب تصريحات السفير الإماراتي يوسف العتيبة، الذي كان أول المصفقين لإعلان الخطة الأمريكية (28 يناير) الماضي.
ولأول مرة يلمّح عباس علناً إلى دور الإمارات بالملف الفلسطيني داخل أروقة المؤسسات الدولية، لينفض بجملته الصغيرة الغبار عن العلاقات المتوترة والمشحونة بين رام الله وأبوظبي، التي تمر بأصعب مراحلها في ظل تمسك الأخيرة بإقامة علاقات قوية وغير مسبوقة مع "إسرائيل"، واتخاذها خطوات يعتبرها الفلسطينيون "مسيئة" تستهدف قدسية ومكانة قضيتهم.
والفترة الأخيرة شهدت تصاعد حملات استهداف الفلسطينيين داخل الإمارات وخارجها، بدأت بالتنكيل والاعتقال والترحيل لأبناء الجالية، ومنع دخولهم لأراضيها إضافة للمعاملة السيئة لرموز وطنية ودينية من بينهم مفتي القدس محمد حسين، حتى وصلت لحد الهجوم العنيف على القيادات الفلسطينية بسبب مواقفهم الرافضة للتطبيع والمفاوضات و"صفقة القرن"، مقابل حفاوة استقبال الإسرائيليين عند دخولهم الإمارات.
دور مساند لـ"إسرائيل"
القيادي في حركة "فتح" والسفير السابق في لبنان، عبد الله عبد الله، أكد أن خطاب عباس في مجلس الأمن كان واضحاً للجميع، للدول العربية وكذلك للغربية، ومن بينهم أيضاً أمريكا و"إسرائيل"، أنه لن يسمح لأحد بأن يتدخل بالملف الفلسطيني بما يضر القضية ويخدم المحتل.
وقال في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين": إن "تواطؤ دول عربية في تمويل أو دعم صفقة القرن، وتصفيق بعض مسؤوليها للحظة إعلان الصفقة، واستمرار الهجوم على المواقف الفلسطينية الراسخة في محاربة الخطة الأمريكية التصفوية يعد خروجاً عن الصف الوطني، وهدفه تصفية قضيتنا".
وأوضح أن هناك دولاً كالإمارات وغيرها تريد أن تطبع مع "إسرائيل"، وتفتح كل أبواب العلاقات معها بخلاف مبادرة السلام العربية وتطلعات الفلسطينيين، وهذا يمثل خرقاً للموقف العربي الموحد وتجاوزاً خطيراً للخطوط الحمر التي وضعت باعتبار "إسرائيل" دولة احتلال وليست صديقة.
وذكر السفير الفلسطيني السابق أن كل دولة عربية تخرج عن الصف الموحد في مواجهة "صفقة القرن" ورفض التطبيع تطعن الفلسطينيين في ظهورهم، وتساعد في شرعنة هذا المحتل الذي يقتل ويعربد ويستبيح المقدسات ودم الفلسطينيين والعرب، لافتاً إلى أن المطلوب من الدول العربية دعم فلسطين وقضيتها وليس السعي لتصفيتها.
بدوره أقر يحيى رباح، القيادي في حركة "فتح"، بوجود "شبه قطيعة كاملة" في العلاقات مع الإمارات، بسبب مواقف الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية، وتبنيها خطاً مخالفاً تماماً للخط العربي-الفلسطيني الموحد في مواجهة "إسرائيل" وخطط الإدارة الأمريكية.
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أكد أن الإمارات أبعدت نفسها عن الإجماع العربي برفض التطبيع مع الاحتلال، وهي تحاول الآن أن تكون "إسرائيل" بالنسبة لها الحليف القوي في المنطقة، حتى وإن كان ذلك على حساب تضحيات ودماء الفلسطينيين.
واتهم رباح الإمارات وغيرها من الدول العربية كالبحرين بـ"محاولة تصفية القضية الفلسطينية، والركض خلف "إسرائيل"، والسعي لتنفيذ "صفقة القرن" لإرضاء الإدارة الأمريكية ومهاجمة القيادة"، لافتاً إلى أن هناك مواقف "مخجلة" من الدول العربية "ستُلعن عليها في المستقبل من شعبها لمعاداتهم لفلسطين وقضيتها".
وسبق أن هاجم مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الخارجية والدولية، نبيل شعث، الإمارات حين أعلنت "إسرائيل" عن مشاركتها في معرض "إكسبو الدولي 2020"، المقررة إقامته في مدينة دبي، واعتبر ذلك تطبيعاً ويشكّل "خطأ فادحاً" في حق القضية الفلسطينية، والموقفين العربي والإسلامي.
وخلال الفترة الأخيرة أدت الإمارات دوراً رئيساً بمنطقة الخليج، في بناء علاقات مع الاحتلال وعلى جميع الصعد؛ السياسية والأمنية والتجارية، وحاولت أصوات إعلامية وأكاديمية إماراتية الترويج للتطبيع ودعم "صفقة القرن"، واتهمت الفلسطينيين الرافضين للتطبيع بأنهم يصدرون مواقف "عنترية" لن تفيد القضية.
وضمن حملة الهجوم ضد القيادات الفلسطينية شن الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي عمل مستشاراً سابقاً لـ"بن زايد"، هجوماً على كبير المفاوضين صائب عريقات، زاعماً بأنه "لا يوجد أسوأ منه ناطقاً باسم قضية فلسطين".
وجاء الهجوم على خليفة تصريحات أدلى بها عريقات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، انتقد خلالها خطة ترامب وأسماها "خدعة القرن"، واصفاً الرئيس الأمريكي بأنه "ظالم"، بعد "اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشرعنة المستوطنات، وقطع دعم الأونروا والمؤسسات والمستشفيات الفلسطينية".
ولعل أبرز المواقف التي أظهرت بوضوحٍ حجم التوتر في العلاقات بين أبوظبي ورام الله، التصريحات التي صدرت عن الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، حين أنكر، في أبريل 2019، معرفة أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، قائلاً: إنه "لم يسمع به من قبل"، في إجابة عن سؤال لقناة تلفزيونية فرنسية حول مطالبة الأخير للفلسطينيين بفتح قنوات للتواصل بين العرب و"إسرائيل".
ماذا تريد الإمارات؟
"الإمارات عادت الفلسطينيين بشكل صريح، وباتت مواقفها السياسية وتقربها من إسرائيل أمر ينظر إليه على أنه مسيء لها أولاً ولقضيتنا ثانياً، وتجاوز لكل الخطوط الحمر التي وضعتها مبادرة السلام العربية"، يقول البروفيسور والمحلل السياسي عبد الستار قاسم.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين": "الإمارات تريد أن تلعب دوراً أكبر من حجمها بكثير حين فتحت أبوابها للإسرائيليين، وسعت لتقوي علاقاتها مع دولة الاحتلال سياسياً وعسكرياً وثقافياً وأمنياً، وهذا لن يجلب لها إلا المزيد من الهلاك والتشتت والعزلة".
ويشير قاسم إلى أن علاقات السلطة الفلسطينية بالإمارات مدمرة تماماً وهناك قطيعة واضحة، حين أرادت أن تقف أبوظبي مع النائب محمد دحلان وتقويه على عباس وفتح، مروراً بطريقة معاملة أبناء الجالية الفلسطينية هناك واستهداف الرموز الوطنية والدينية.
وأكد أن تلميحات الرئيس الفلسطيني للإمارات جاء بسبب تجاوز الأخيرة لكل الأعراف المتفق عليها حول مبادرة السلام، وكذلك ضغوطها الأخيرة في تمرير "صفقة القرن" والتحرك لتنفيذها على الأرض رغم الرفض الفلسطيني لها.
واعتبر المحلل السياسي أن الإمارات برفقة السعودية والبحرين وآخرين "شريك واضح ورئيسي فيما يحاك من مؤامرات ضد القضية الفلسطينية ويريدون قبول الفلسطينيين بأي عملية سياسية مهما كانت نتائجها الكارثية"، لافتاً إلى أن "صفقة القرن" ما هي إلا وسيلة تريد بها تلك الدول الوصول إلى "تل أبيب" على حساب الحقوق والدماء الفلسطينية.
وتتسابق الإمارات بشكل كامل مع الإدارة الأمريكية و"إسرائيل" من أجل دفع "صفقة القرن" الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، في فترة تتصاعد فيها وتيرة التطبيع بين أبوظبي و"تل أبيب" واستقبال الأولى عشرات الوفود الرسمية والرياضية وحتى العسكرية من دولة الاحتلال بشكل متتابع وعلني.
وكانت الإمارات أوقفت، منذ سنوات، كل مساعداتها المقدمة للسلطة، بعد أن احتلت المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً للسلطة، بقيمة ملياري دولار.