الخليج أونلاين-
بعد أن كانت تتستر خلف البيانات والتصريحات الخجولة بانتقاد "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أواخر يناير الماضي، كشف وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، عن موقف بلاده الرسمي من الخطة الأمريكية وأزال ضبابية موقف الرياض.
الجبير وخلال مؤتمره الصحفي، الخميس (13 فبراير 2020)، على هامش زيارته للعاصمة الرومانية بوخارست، أشاد بصفقة القرن وأعلن صراحة أن بها عناصر إيجابية ويمكن أن تكون أساساً للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في موقف جديد خالف به إجماع الدول العربية والإسلامية وحتى الأوروبية التي رفضت الصفقة واعتبرتها "مشروع تصفية لقضية فلسطين".
تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية لم تمر مرور الكرام عند الفلسطينيين، فواجهت رفضاً واسعاً من قبل الفصائل والقوى الوطنية، الذين اعتبروا أن الحديث عن "نقاط إيجابية في الصفقة الأمريكية ضوء أخضر لتنفيذها على الأرض، وإيذان فعلي بخطوات تصفيه قضيتهم، بخلاف الموقف العربي والإسلامي والدولي الذي دعا للتصدي للصفقة ورفض محتواها".
وأيدت السعودية خطة ترامب المزعومة التي تنهي القضية الفلسطينية وتعطي القدس بكاملها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وشجعت كذلك على "بدء مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت رعاية الولايات المتحدة، ومعالجة أي خلافات بخصوص الخطة عبر المفاوضات".
ضوء أخضر لـ"إسرائيل"
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، أكد رفضه القاطع لأي تصريحات تصدر من مسؤولين عرب أو غيرهم تحاول تبرير أو البحث عن نقاط إيجابية في الصفقة الأمريكية، مؤكداً أن الصفقة هدفها "تصفية فلسطين وقضيتها".
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين" أوضح أن هناك موقفاً عربياً وإسلامياً ودولياً واضحاً برفض الخطة الأمريكية والتصدي لها، وأي أصوات تخرج من أي مسؤول تدعم أو تساند أو حتى تضفي إيجابية على أي بند في الصفقة فهي مرفوضة.
ولفت عريقات إلى أن الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية مع الدول العربية والمجتمع الدولي هي كيفية مواجهة الصفقة ومنع أي طرق يمكن أن تنفذ من خلالها، مشيراً إلى أن الموقف بات واضحاً؛ وهو رفض خطة ترامب، مطالباً الجميع بمسانده الفلسطينيين أمام هذه المعركة الشرسة التي فتحتها خطة ترامب ونتنياهو.
بدوره أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أحمد المدلل، أن تصريحات الجبير تُسيء إلى السعودية شعباً وقيادة، وتحاول طمأنة "إسرائيل" بأن الصفقة يمكن أن تنفذ وهناك طرق لتمريرها.
وقال المدلل في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين": إن "الجبير خرج عن الموقف العربي والإسلامي الموحد في رفض الصفقة، وهذه التصريحات بمنزلة اعتراف بـ(إسرائيل) ونسج علاقات معها، وبمنزلة ضوء أخضر للاستمرار في جرائمها وعدوانها وتصعيدها بحق الفلسطينيين وتدنيس مقدساتهم الإسلامية والمسيحية".
صفقة القرن، بحسب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، تسعى لتغذية الصراعات في المنطقة وزراعة الفتن والأزمات بين الدول العربية والإسلامية قبل تصفية قضية فلسطين، مضيفاً: "يبدو أن الجبير الذي كشفت تصريحاته موقف بلاده الحقيقي من الصفقة يريد دعم هذه الصفقة ويحاول تجميلها".
وشدد المدلل على أن الصفقة الأمريكية لا يمكن قبولها مهما كانت حجم الضغوطات أو الدعم المقدم لها من قبل الدول العربية وغيرها التي تتواطأ مع "إسرائيل" وأمريكا في تصفية القضية الفلسطينية، مطالباً السعودية بموقف ثابت وواضح بدعم صمود الفلسطينيين، وليس فتح الطرق لتمرير الخطة الأمريكية-الإسرائيلية.
وتتضمن خطة ترامب، التي طُرحت (28 يناير) الماضي، والمكونة من 80 صفحة، إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق بلا مطار ولا ميناء بحري، مع جعل مدينة القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال.
ورفض كل من الفلسطينيين وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي ودول عديدة، في مقدمتها تركيا، تلك الخطة؛ لكونها "لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، وتخالف مرجعيات عملية السلام".
وخلال الفترة الماضية دأبت السعودية على الترويج إعلامياً لـ"صفقة القرن" عبر وسائلها الإعلامية الرسمية والوسائل التابعة والمقربة منها، إضافة للانتقاد المتواصل للفلسطينيين لرفضهم الصفقة الأمريكية.
ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين الجانبين حتى الآن فإن النشاطات التي يقوم بها الجانبان في هذا الإطار باتت بشكل معلن مؤخراً، حيث سمحت للصحافة الإسرائيلية بإعداد تقارير من داخل المملكة، وزار فريق القناة 12 الإسرائيلية المدينة المنورة وجدة والرياض.
عينها على التطبيع
حركة "حماس"، وعلى لسان القيادي فيها وصفي قبها، اتهم السعودية بأنها تسعى من خلال تلك التصريحات التي صدرت عن وزير دولتها للشؤون الخارجية لإبقاء باب التطبيع مفتوحاً مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد قبها، في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن تصريحات الجبير لم تأتِ صدفة أو في سياق مختلف، بل جاءت كرسالة من الرياض لـ"تل أبيب" بأن الأولى متمسكة بصفقة القرن التي تقربها كثيراً من العلاقات مع "إسرائيل"، مشدداً على أن مثل تلك المواقف تشجع الاحتلال على عدوانه، وتعطي الحق للغرب وباقي الدول العربية للتجاوب مع الصفقة.
القيادي في "حماس" طالب الجبير بقراءة "صفقة القرن" جيداً قبل إصدار أي تصريحات "فاشلة"، قائلاً: "على الجبير القراءة والفهم جيداً للصفقة الأمريكية قبل أن يدلي بتصريحات فاشلة تسيء له ولبلاده التي رعت مبادرة السلام العربية التي جرمت التطبيع مع الاحتلال".
وذكر في ختام تصريحاته أن هذه المواقف التي تصدر من مسؤولين في السعودية تنسجم تماماً مع المواقف الإسرائيلية والأمريكية التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء وجودها، وتقوية الاحتلال وتدخله في المنطقة العربية كحليف بعد أن كان العدو الأول.
وشهدت السنوات الأخيرة تقارباً كبيراً بين السعودية و"إسرائيل"، وزادت العلاقات بشكل أكبر خلال الأسابيع التي خلت، وفي 26 يناير 2020، وقَّع وزير داخلية الاحتلال الإسرائيلي، أرييه درعي، على قرار يسمح للإسرائيليين بزيارة السعودية، حيث يمكّن القرار الإسرائيليين من السفر إلى السعودية لتأدية الشعائر الدينية في أثناء الحج والعمرة، أو في إطار رحلة عمل لا تتجاوز 9 أيام.
كما حملت الزيارة غير المسبوقة إلى معسكر الإبادة النازي السابق "أوشفيتز بيركينو" في بولندا، من قبل وفد يضم عدداً من مشايخ مسلمين، ترأسهم وزير العدل السعودي السابق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الجديد، محمد بن عبد الكريم العيسى، المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان (23 يناير 2020)، إشارة أخرى للتطبيع السعودي مع "إسرائيل"، وسط إشادة من قبل "تل أبيب" بذلك.
ويتعهد نتنياهو بين الحين والآخر بـ"توقيع اتفاقات سلام تاريخية مع مزيد من الدول العربية، وتشكيل تحالف دفاعي مع الولايات المتحدة، وكبح إيران نهائياً".