جوزيف مسعد/ميدل إيست آي ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
في الشهر الماضي، أظهر القادة الإسرائيليون نشاطا في إطار السعي إلى إقامة علاقات أوثق وتحالفات مع الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج والمغرب والسودان.
وكما قيل لنا، فإن هذه هي الدول قد أدركت الحقيقة أخيرا بأن (إسرائيل)، على عكس إيران، دولة صديقة.
وتم عرض هذا على أنه تغيّر كبير في مبادئ الأنظمة العربية، التي كانت ترفض دائما تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) على حساب القضية الفلسطينية.
لكن هذا كان دائما مجرد خيال. فقد حافظ معظم الرؤساء والقادة والملوك والأسر الحاكمة في القرن الـ 20 على علاقات ودية مع (إسرائيل)، وقبلها مع الحركة الصهيونية.
سرد كاذب
وكانت هذه الرواية الخاطئة عن المقاومة قد روجت لها الأنظمة العربية وكذلك الإسرائيليون. وقد طرحها في البداية المثقفون العرب المؤيدون لـ (إسرائيل)، الذين يدّعون أن هذه الأنظمة نبذت (إسرائيل) بشكل غير عادل، أو حتى دخلت في حرب معها، بناء على طلب من الفلسطينيين، وليس استنادا لمصالحهم الوطنية أو حتى مصالح النظام.
ويستمر هذا التوجه من التفكير للتأكيد على أن الوقت قد حان لتقدم الحكومات العربية مصالحها الخاصة على مصلحة الفلسطينيين، كما لو أنها كانت قد أعطت الأولوية للمصالح الفلسطينية من قبل.
وقد عبر القائد العسكري السوداني "عبد الفتاح البرهان" عن ذلك مؤخرا، بعد اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في أوغندا قبل أسبوعين. ولم يكن هذا أول لقاء بين المسؤولين السودانيين و(إسرائيل).
وحدثت مبادرات سرية منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما كان السودان تحت حكم البريطانيين والمصريين، وحاول "حزب الأمة" الحصول على دعم إسرائيلي لاستقلال السودان.
وبعد الاستقلال، عقد رئيس الوزراء السوداني "عبد الله خليل" و"جولدا مائير"، رابع رئيس وزراء في (إسرائيل)، اجتماعا سريا في باريس عام 1957.
وفي الثمانينيات، التقى الرئيس السوداني "جعفر النميري" بالإسرائيليين، وسهل عملية نقل اليهود الإثيوبيين إلى (إسرائيل) ليصبحوا مستوطنين مستعمرين في أرض الفلسطينيين.
وفي الآونة الأخيرة، في يناير/كانون الثاني 2016، حين كان "عمر البشير" لا يزال في منصبه، سعى وزير خارجيته "إبراهيم غندور" إلى رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان بعرض فتح علاقات دبلوماسية رسمية مع (إسرائيل). وعندما تم سؤال "البرهان" عن لقائه الأخير مع "نتنياهو" وتطبيع العلاقات، كان رد "البرهان" أن العلاقات مع (إسرائيل) تقوم على المصالح الأمنية والقومية السودانية، التي تأتي أولا قبل أي شيء.
ولم يكن تاريخ اتصالات قادة السودان بـ (إسرائيل) فريدا من نوعه. بل في الواقع، يعود التعاون العربي مع الحركة الصهيونية إلى بداية وصول المسؤولين الصهاينة إلى فلسطين.
علاقات ودية
وفي 3 يناير/كانون الثاني 1919، أي قبل أسبوعين فقط من بدء "مؤتمر باريس للسلام"، وقع الأمير "فيصل بن الحسين"، ملك مملكة الحجاز - التي لم تدم طويلا - آنذاك، ثم ملك العراق، اتفاقا مع رئيس المنظمة الصهيونية العالمية "حاييم فايتسمان". ووافق "فيصل" على إنشاء أغلبية استعمارية يهودية في فلسطين، في مقابل أن يصبح ملكا لمملكة عربية كبيرة ومستقلة في كل سوريا.
وفي حين تم حرمان "فيصل" من حلم عرشه السوري من قبل الاستعمار الفرنسي، إلا أن الاتفاق استخدمه الصهاينة في "مؤتمر باريس للسلام" لادعاء أن خططهم للمستوطنين الاستعماريين في فلسطين قد حصلت على موافقة الزعماء العرب.
وكي لا يتفوق عليه شقيقه، شرع الأمير "عبد الله" في شرق الأردن في علاقة تعاون مدى الحياة مع الصهاينة، على أمل أن يسمحوا له بأن يكون ملكا لفلسطين وشرق الأردن، يمكنهم من خلاله تحقيق أهدافهم. وقد انتهى هذا التعاون باغتياله عام 1951.
وأذن حفيده، الملك "حسين"، ملك الأردن، بالاجتماعات السرية الأولى بين أحد جنرالات جيشه والإسرائيليين عام 1960 في القدس. وبحلول عام 1963، كان هو نفسه يجتمع مع الإسرائيليين سرا في مكتب طبيبه في لندن. وبحلول منتصف سبعينيات القرن الـ 20، كانت اجتماعاته السرية مع القادة الإسرائيليين تُعقد بانتظام داخل (إسرائيل).
وكانت صداقة "حسين" الطويلة واضحة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين"، الذي طرد شخصيا السكان الفلسطينيين من مدينة "اللد" عام 1948، وبدأ سياسات كسر العظام ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة عام 1987، وقد ظهر ذلك خلال جنازة "رابين" عام 1994.
وكان التبرير الذي استخدمه "حسين" لاتصالاته السرية مع الإسرائيليين هو الحفاظ على عرشه، الذي وصفه باعتباره مصلحة وطنية للأردن، في مواجهة ضغط الرئيس المصري "جمال عبد الناصر"، ثم ضغط منظمة التحرير الفلسطينية.
التحالفات الصهيونية
وإلى جانب الأمراء والملوك الهاشميين، تحالفت الكنيسة المارونية في لبنان، بالإضافة إلى قادة "الموارنة الفاشيين اليمنيين" مثل "حزب الكتائب"، مع الصهاينة من منتصف الأربعينيات. ويستمر هذا التحالف حتى يومنا هذا، من أجل إقامة جمهورية مسيحية طائفية في لبنان، على غرار مستعمرات المستوطنين اليهود.
وبحلول أوائل الخمسينيات، التقى القوميون التونسيون، في "الحزب الحر الدستوري الجديد"، بممثلين إسرائيليين في الأمم المتحدة لمساعدتهم في الحصول على الاستقلال عن الفرنسيين، واستفادوا من طبيعة المستعمرين الإسرائيليين. وحافظ الزعيم المستبد التونسي "حبيب بورقيبة" على هذه العلاقات الودية مع (إسرائيل) حتى نهاية حكمه عام 1987.
وفي الستينيات من القرن الماضي، دعمت (إسرائيل) جهود المملكة العربية السعودية في الحفاظ على حكم الإمامة الزيدية في اليمن ضد الجمهوريين، فقد نقل الإسرائيليون الأسلحة والمال جوا إلى الملكيين اليمنيين.
وكانت العلاقات دافئة في شمال أفريقيا بين (إسرائيل) وملك المغرب الراحل "الحسن الثاني".
وبينما التقى القادة الإسرائيليون مع المسؤولين المغاربة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كان يتعين على العلاقات الدافئة الانتظار حتى يتولى الملك "الحسن" العرش. ومنذ عام 1960 وما بعده، تمكّن الإسرائيليون، عبر اتفاقات سرية مع المغرب، من نقل اليهود المغاربة جوا ليصبحوا مستوطنين مستعمرين في أرض فلسطين.
علاقة خاصة مع المغرب
وبحلول عام 1963، كان الوزير المغربي "محمد أوفقير" قد أبرم اتفاقا مع الإسرائيليين لتدريب عملاء المخابرات المغاربة. كما ساعدت (إسرائيل) المغرب في تعقب قادة المعارضة، بما في ذلك "مهدي بن بركة"، الذي تم أسره وقتله على يد المخابرات المغربية عام 1965. وقد زار "إسحق رابين" المغرب سرا عام 1976 بدعوة من الملك "الحسن".
وبحلول عام 1986، لم تعد هناك أسباب للسرية، وزار "شمعون بيريز" المغرب بكثير من الصخب. وفي عام 1994، تبادل المغرب و(إسرائيل) رسميا مكاتب اتصال.
وفي عام 2018، التقى "بنيامين نتنياهو" سرا في الأمم المتحدة بوزير الخارجية المغربي لإجراء محادثات. وفي الأسابيع القليلة الماضية، عرض الإسرائيليون على المغاربة مساعدتهم في ضمان اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع المغرب الرسمي للعلاقات مع (إسرائيل) وتأييد ما يسمى بـ "صفقة القرن" التي طرحها "دونالد ترامب".
وبالنسبة إلى علاقة الحب الكبرى بين الطبقات السياسية والتجارية المصرية مع (إسرائيل)، فقد كانت العلاقة واضحة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ومنذ عام 1991، رأينا القادة والمسؤولين والرياضيين الإسرائيليين يزورون معظم دول الخليج علانية، بما في ذلك قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية سرا، ولا يمانعون في فتح مكاتب اتصال أو مكاتب تجارية في هذه البلدان.
العدو رقم 1
ولم تكن العلاقات العربية مع (إسرائيل)، سواء كانت معادية أو ودية، تحكمها أبدا مصالح الشعب الفلسطيني، بل كانت تحكمها مصالح الأنظمة، والتي غالبا ما تم الترويج لها كمصالح قومية.
وتزامن الجزء الأخير من تاريخ حب الأنظمة العربية لـ (إسرائيل) منذ عام 1991 مع مؤتمر "مدريد للسلام" و"اتفاقات أوسلو"، التي حولت القيادة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى وكالة تعمل نيابة عن الاحتلال العسكري الإسرائيلي؛ حيث يعد هذا دليلا على الجهود الإسرائيلية المتواصلة لاختيار النخبة السياسية والتجارية والفكرية العربية.
ويعد هذا أيضا شهادة على اشتراك هذه النخب دائما في الرغبة في إقامة علاقة ودية مع (إسرائيل).
وفي حين كانت (إسرائيل) ناجحة في الغالب في مهمتها فيما يتعلق بالنخبة السياسية والتجارية، فقد فشلت فشلا ذريعا في اختيار الطبقة الفكرية العربية، باستثناء الذين يحصلون على تمويل من الأنظمة الخليجية والمنظمات غير الحكومية الممولة من الغرب.
وقد فشلت (إسرائيل) أكثر في اكتساب شعبية بين الجماهير العربية، التي لا يمكن إقناعها بالفصل بين المصالح الوطنية واحتلال الأراضي الفلسطينية، على عكس الأنظمة العربية. ولا تزال (إسرائيل) هي العدو الرئيسي لجميع الشعوب العربية.