عندما وصل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" إلى السلطة عام 2015، وتبعه انتخاب "دونالد ترامب" رئيسا للولايات المتحدة في العام التالي، كان من المتوقع أن تخضع السياسة الخارجية السعودية لتغييرات حاسمة.
ومن اللافت أن هذا التحول السياسي شمل قضايا كانت تعتبر من المحرمات، أولها وأهمها تراجع الرياض عن دعمها للقضية الفلسطينية.
وقد حدث ذلك بعدة طرق في الأعوام الأخيرة، أهمها الضغط الذي وضعه "بن سلمان" على الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" لقبول "صفقة القرن" التي طرحها "ترامب"، وتبنى المسؤولين السعوديين الرواية الإسرائيلية للقضية، ومؤخرا، حاكم القضاء السعودي العشرات من أعضاء حركة "حماس" ومؤيديها.
تحول خطير
وحتى وقت قريب، كانت السعودية تسمح لأعضاء "حماس" بالعمل داخل المملكة، والقيام بنشاط سياسي وجمع التبرعات المالية لإغاثة غزة، ويثير التحول الخطير في الأشهر الأخيرة العديد من الأسئلة حول العوامل التي حفزت هذا النهج الجديد وما يشير إليه في المستقبل.
ويعني تقديم نحو 70 شخصا ممن لهم علاقات بحركة "حماس"، بما في ذلك الفلسطينيون والأردنيون، إلى قاعة المحكمة، أن المملكة تحولت بسرعة نحو استعداء "حماس" والفلسطينيين، ومع ذلك، لم يتم اتهام هؤلاء الأفراد بانتهاك الأمن الداخلي أو العبث بالاستقرار السياسي أو التواطؤ مع أعداء المملكة.
بدلا من ذلك، تبدو التفاصيل هزلية وصعبة التصديق، وتم اتهام أحدهم بحيازة زجاجات زيت زيتون فلسطيني، وجرى اتهام آخر بامتلاك كتاب عن تاريخ فلسطين للكاتب الكويتي "طارق السويدان".
وتم اتهام ثالث بإرسال أغنام للناس في غزة بمناسبة عيد الأضحى، وتم اتهام رابع بالانتماء إلى كيان إرهابي، في حين لم تتجاوز المحادثة بين القاضي والمتهم 3 دقائق.
وبدأ الأمر قبل ما يقرب من عام، بعد أن شنت الرياض حملة اعتقالات استهدفت العشرات من أعضاء "حماس" ومؤيديها، بما في ذلك إغلاق شركاتهم ومصادرة أموالهم وحظر تحويلاتهم المصرفية.
واستغرقت المحاكمات وقتا طويلا لتبدأ، بعد أن تم منع المعتقلين من مقابلة أقاربهم أو محاميهم، أو حتى إعلان أماكن احتجازهم، ويشير ذلك إلى أن اعتقالهم، والمعاملة التي تلت ذلك، تفتقر إلى الإجراءات القانونية الواجبة.
قربان التقارب
إضافة إلى ذلك، تجري المحاكمات بعد أقل من شهرين من إعلان "صفقة القرن" الأمريكية في أواخر يناير/كانون الثاني، ولا يبدو هذا الرابط من قبيل المصادفة، خاصة أن "حماس" رفضت الصفقة علانية، وقالت إنها ستحشد كل نفوذها، بما في ذلك الدعم الإقليمي والدولي، لإحباط تلك الخطة.
وفي ضوء حقيقة أن السعودية أخذت على عاتقها تعزيز وتمويل بنود الصفقة، فإنها تهدف إلى التغلب على جميع العقبات التي تقف في طريقها، بما في ذلك "حماس".
وكان التغيير في السياسة تجاه "حماس" بشكل أساسي قربانا على مذبح التقارب مع إدارة "ترامب"، التي تعتبر الاتفاق إنجازا سياسيا رئيسيا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في وقت لاحق من هذا العام.
في الوقت نفسه، سارعت "حماس" إلى تعزيز علاقاتها مع خصوم المملكة في المنطقة، خاصة إيران وقطر وتركيا.
ويجرى رئيس "حماس" "إسماعيل هنية" اجتماعات فى تلك الدول، وهو ما اعتبرته الرياض تحديا وإعلانا عن تورط "حماس" فى التحالف المناهض للسعودية، وعلى هذا النحو، يبدو أن هذه المحاكمات شكل من أشكال العقاب، لكنه لا يبدو رادعا لـ"حماس"، التي تستمر في تعزيز تحالفاتها السياسية والعسكرية والمالية.
وحتى هذه اللحظة، حافظت "حماس" على علاقات لائقة واتصالات ثابتة مع السعودية، وبالرغم من بعض المطبات السريعة، حافظ الجانبان على توازن دقيق.
ومنذ بدء حملة الاعتقالات في أبريل/نيسان الماضي، بذلت "حماس" جهودا، إما مباشرة مع الرياض، أو من خلال وسطاء مثل تركيا ومصر ولبنان والكويت، لمحاولة إنهاء الأزمة السياسية المتفاقمة، ولكن دون جدوى.
وتبدو المملكة عازمة على ضرب "حماس" وقطع كل صلاتها بها والقضاء على وجودها في المملكة.
تزايد العداء
ولطالما حرصت "حماس" على الحفاظ على علاقات جيدة مع دول المنطقة ومحاولة حل القضايا بعيدا عن الأضواء الإعلامية.
لكن الحملة الأخيرة التي قامت بها الرياض دفعت "حماس" إلى كسر صمتها من خلال إصدار بيانات علنية ترفض الاعتقالات والمحاكمات، واستنكر كبار قادة "حماس" تصرفات السعودية ضدهم، في منعطف غير مسبوق.
ومن الواضح لـ"حماس" أن السعودية ستواصل حملتها، لاعتبارات داخلية وخارجية، أهمها إرضاء الإدارة الأمريكية، وضمان التقارب مع (إسرائيل)، ويجعل هذا العلاقات بين السعودية و"حماس" تتجه نحو نقطة اللاعودة، وهو أمر لم تكن تريده "حماس".
وتعني هذه المحاكمات أيضا أن شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني ستصاب بخيبة أمل من المملكة وسوف تعتبرها عدوا للقضية الفلسطينية، بالرغم من دعم المملكة لها لعقود، على الأقل سياسيا وفي وسائل الإعلام.
وتعني إعادة اصطفاف السعودية ضد "حماس" بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام، أنها تتماشى مع المواقف الأمريكية والإسرائيلية المعادية للقضية الفلسطينية، وبهذا يجب أن نتوقع المزيد من السياسات السعودية المعادية للفلسطينيين في الأيام المقبلة.
عدنان أبوعامر - ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد