من الصحافة العبرية-
على خلفية البحث والخطاب الجاريين في الدول العربية في مسألة بسط السيادة الإسرائيلية، بهذا المدى أو ذاك، على أجزاء من يهودا والسامرة، بشكل استثنائي، حتى وإن لم يكن مسبوقاً، فقد توجه مؤخراً علناً ومباشرة ثلاث شخصيات من دول الخليج إلى الجمهور الإسرائيلي، وهم: أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في اتحاد الإمارات، ويوسف العتيبة سفير الاتحاد في الولايات المتحدة، ونواف عبيد وهو أكاديمي ومستشار سابق للحكومة السعودية، فعرضوا موقف دولهم من المسألة. لم تكن الرسائل موحدة، بل ويمكن العثور على تضاربات ظاهرة بينها، ويبدو أنها صيغت بشكل يكون فيه لدول الخليج بعض مجال للمناورة في مسألة الضم والعلاقات مع إسرائيل. ينبغي على هذه الخلفية أن يطرح السؤال: هل وفي أي مدى سيمس الضم بالعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج؟ يرتبط الجواب أيضاً بالشكل الثنائي الخاص للعلاقات التي نسجت على مدى السنين بين إسرائيل وبعض من هذه الدول: معارضتها العلنية للخطوة ستستمر، ولكن تعاونها الأمني الهادئ سيبقى – ولا سيما في ضوء المصلحة المشتركة لمنع تطلعات إيران الإقليمية والنووية.
لقد تطورت العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج على مدى العقود الأخيرة، ولا سيما في السنوات الأخيرة في عدة قنوات متوازية، متداخلة أحياناً، ولكنها منفصلة: قناة أمنية – استخبارية، وبقيت بطبيعة الأحوال سرية؛ ثم قناة اقتصادية – تجارية هادئة هي أيضاً؛ وثمة قناة وجدت في السنوات الأخيرة وهي قناة الحوار الديني والثقافي. إلى جانب السرية التي تتميز بها الغالبية الساحقة من هذه العلاقات، فقد تطورت مع الزمن علاقات علنية أيضاً، أقل تطورا نسبياً، وتتضمن اليوم لقاءات بين مسؤولين كبار من الطرفين، ولا سيما أولئك الذين تبوأوا في الماضي مناصب رسمية، وبنقل رسائل علنية. في فترات من التقدم السياسي في الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية، كانت العلاقات أكثر علنية مما هي في الوقت الحالي، بل وتضمنت إقامة ممثليات إسرائيلية رسمية في عُمان وقطر. وعبّر التذبذب في العلاقات (التقارب من إسرائيل، وكبديل.. الابتعاد عن العلاقات معها) عن رد فعل لخطوات وسياسات في السياق الفلسطيني وجسد الجانب الإيجابي من ناحية دول الخليج بين جوانب التطبيع مع إسرائيل وبين خطوات إيجابية اتخذتها إسرائيل بنظرهم تمهيداً للتسوية مع الفلسطينيين.
تواصلاً مع هذه الدينامية، من المتوقع لخطة الضم أن تدفع دول الخليج إلى التراجع إلى الوراء في جوانب مختلفة من التطبيع مع إسرائيل، ولا سيما في جوانبه العلنية. وذلك رغم أن المسألة الفلسطينية لا توجد على رأس اهتمامها اليوم، ورغم الشك، بل وأحياناً العداء من جانبها، تجاه السلطة الفلسطينية وتجاه حماس. ومع ذلك، يقدر بأن تصريحات المسؤولين في دول الخليج ليست مثابة “ضريبة كلامية”، إنها ستضر بجوانب مختلفة جارية الآن من التطبيع. إضافة إلى ذلك، من المتوقع تناسب إيجابي بين حجم الضم المتوقع، وشدة معارضة الجماهير العربية له، وحجم الضرر المحتمل للعلاقات مع دول الخليج.
ولكن يمكن أيضاً التقدير بأن التعاون الأمني الهادئ الذي هو الآخر قد يتأثر بتردي العلاقات، لن يتضرر بشكل كبير ومتواصل. وفضلاً عن ذلك، ولأن إسرائيل أولت على مدى السنين أهمية شديدة للجانب العلني في علاقاتها مع الدول العربية، ولا سيما مع تلك التي ليس لها علاقات رسمية معها رغم المصالح المشتركة، فسيكون للمس بجملة العلاقات العلنية التي نسجت على مدى الزمن وبجهد كبير، معنى استراتيجي سلبي من ناحيتها.
مؤخراً، نشرت الصحافة الإسرائيلية مقالات ليوسف العتيبة (12 حزيران، “يديعوت أحرونوت”)، وزير الدولة للشؤون الخارجية في اتحاد الإمارات، ولنواف عبيد (16 حزيران، “هآرتس”)، المستشار السابق للحكومة السعودية، وتوجهوا فيها بشكل مباشر وعلني للجمهور الإسرائيلي. في هذه المقالات -التي هي بحد ذاتها مثابة تعبير عن التطبيع– يسعى الكتُّاب إلى حمل إسرائيل للامتناع عن ضم مناطق في يهودا والسامرة، بل وتضمنت تهديداً بالمس بالعلاقات مع إسرائيل، إذا نفذ الضم. وفي الوقت نفسه، عرضت على إسرائيل –ضمنا- تحسيناً للعلاقات إذا ما ألغت نية الضم. بل إن العتيبة ربط في مقاله بين العلاقات مع إسرائيل وخطاب التسامح والحوار الديني، الذي بات واضحاً في السنوات الأخيرة في العالم العربي، وهدد ضمناً بأن يتضرر هذا أيضاً. ضمن أمور أخرى، ذكر عبيد الإذن الذي أعطي للشركة الهندية للطيران إلى إسرائيل ومنها من فوق الأجواء السعودية كبادرة طيبة لإسرائيل، وإن كانت متواضعة، والتي يمكن التراجع عنها إذا ما نفذ الضم.
موقف مغاير قليلاً بالنسبة للضم عرضه أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في اتحاد الإمارات، في الكلمة التي ألقاها في إطار مؤتمر اللجنة اليهودية الأمريكية. فقد أعرب قرقاش عن معارضته لاتخاذ خطوات إسرائيلية أحادية الجانب، وعن تأييده للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية. ولكنه ميز بين خلافات الرأي مع إسرائيل في المسألة الفلسطينية وبين القدرة بل والحاجة إلى التعاون معها في مسائل إقليمية أخرى. فقد قال: “قد لا نتفق مع إسرائيل في مسائل سياسية، ونبقى نتعاون في مجالات أخرى، مثل كورونا والشؤون التكنولوجية”. ومع ذلك، أضاف قرقاش بأن التعاون مع إسرائيل لا يغير موقف اتحاد الإمارات من المسألة التي على جدول الأعمال- معارضة الضم.
لقد حظي مقال العتيبة وتصريحات قرقاش بانتقاد حاد في الشبكات الاجتماعية، ولا سيما في أوساط الفلسطينيين. العتيبة، لأنه وصف إسرائيل كـ “فرصة وليس كعدو” ووعدها بمردودات متنوعة إذا ما امتنعت عن “السيطرة غير القانونية على أرض فلسطينية”. أما قرقاش، فلأنه وعد ضمناً باستمرار التعاون مع إسرائيل حتى لو نفذت الضم. هذا النقد يشرح تخوف زعماء دول الخليج من المس بمكانتهم في العالم العربي والإسلامي، ومن اضطرابات جماهيرية تمس باستقرار حكمهم، إذا لم يعربوا عن معارضة قاطعة للضم. وذلك، بينما إيران وتركيا – الخصمان الإقليميان لدول الخليج – كفيلتان بجمع نقاط الاستحقاق على معارضتهما الضم. بالنسبة إليهما، من شأن زعماء دول الخليج أن يتخذوا صورة من يهجرون الفلسطينيين بل ويتعاونون مع إسرائيل.
إن موقف دول الخليج من المسألة الفلسطينية ثنائي البعد، وقد اجتاز تغييرات معينة في العقدين الأخيرين. لقد كانت دول الخليج تشترط في الماضي تنمية العلاقات بينها وبين إسرائيل بتسوية سلمية شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن هذا الموقف تآكل عملياً في السنوات الأخيرة. موقف الدول اليوم أقرب إلى الصيغة التي عرضها عبيد في مقاله، في أن التقدم في الجبهة الفلسطينية سيجاب بتحسين العلاقات العلنية مع إسرائيل. هذا الموقف هو بقدر كبير حل وسط بين الموقف الإسرائيلي والموقف الفلسطيني. فرئيس الوزراء نتنياهو طلب في السنوات الأخيرة إعطاء أولوية لتحسين العلاقات مع دول الخليج والمغرب على القناة الفلسطينية. وادعى مؤيدو هذه الإستراتيجية بأن فيها ما يشكل ضغطاً على الفلسطينيين لإبداء المرونة والموافقة على حل سياسي وسط، بينما ادعى منتقدوها بأنها تأتي عملياً للقضاء على المسيرة السياسية. مهما يكن من أمر، فقد عمل الفلسطينيون على لجم مظاهر التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ولا سيما دول الخليج، من أجل الإبقاء عليها كورقة مساومة مع إسرائيل.
تنسجم تصريحات المسؤولين الثلاثة مع هذه الثنائية في موقف دول الخليج من إسرائيل منذ سنوات عديدة. ويذكر أن هذه الثنائية مصدرها أيضاً يعود إلى تطلع دول الخليج للإبقاء على علاقات طيبة مع واشنطن، ولا سيما على خلفية التهديد المحدق بها من إيران. وبالفعل، فإن قدرة دول الخليج على توثيق العلاقات والإعلان عنها هي محدودة عقب الجمود السياسي المتواصل في القناة الإسرائيلية الفلسطينية، ولكن التهديدات المشتركة تبقي التعاون بين الطرفين، والذي هو سري من أساسه، وينبغي التوقع ألا تقلل مسألة الضم -حتى وإن خرجت الخطوة إلى حيز التنفيذ- التعاون الأمني الهادئ، بقدر كبير. في كل الأحوال، ستخرج إيران رابحة من تنفيذ خطة الضم الإسرائيلية: فالخطوة فضلاً عن أنها ستصرف الانتباه عن تقدمها نحو النووي العسكري فإنها ستجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق الشرعية الدولية لخطوات ضدها.
من هنا، ليس هناك بالضرورة تناقض بين تصريحات مسؤولي الخليج الثلاثة في مسألة الضم. وإن هذا الضم، إذا ما نفذ، لن يؤدي إلى قطع شامل للعلاقات بينها وبين إسرائيل، ولكنه بالتـأكيد سيمس بقدرتها على التقدم بالتعاون العلني. رغم العلاقات مع إسرائيل، لا يمكن لدول الخليج أن تدير ظهر المجن للفكرة الفلسطينية. من ناحيتها، رغم عدم وجود تقدم سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن الوضع الراهن يسمح لها بالتركيز على مشاكل أكثر إلحاحاً في الداخل والخارج. ليس واضحاً إذا ما كان لإسرائيل أي مردود إذا تقلصت خطوة الضم أو ألغيت تماماً، ولكن من المشكوك فيه أن يكون هذا ذا مغزى، إذ إن دول الخليج من وجهة نظرها، تفعل ما يكفي تجاه إسرائيل في الوضع القائم طالما لم يصل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى حل نهائي.