دانيال برومبرج - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة الخليج الجديد-
في حين لا يمكن استبعاد قيام السعودية بتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل) بشكل رسمي على غرار الإمارات والبحرين، فإن فرص هذا الاحتمال تظل ضئيلة في المستقبل المنظور، حتى عندما يصبح ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" ملكًا.
من جانبها، ستكتفي (إسرائيل) بالفوائد الكبيرة التي ستنجم عن التطبيع الضمني مع السعودية.
أما بالنسبة للإمارات والبحرين، فإن تحولهما إلى العلاقات الرسمية مع (إسرائيل) قد يجلب فوائد كبيرة لهما، بما في ذلك إمكانية توفير مقاتلات أمريكية من طراز "إف-35" للإمارات، ناهيك عن علاقة أوثق مع الإدارة الأمريكية.
وبالتالي، فإن مزيج التطبيع الضمني والصريح هو صيغة رابحة مع خاسر رئيسي واحد فقط هم الفلسطينيون.
التطبيع الضمني وحدوده
في حديثه في مايو/أيار 2017 عن علاقات (إسرائيل) مع الدول العربية خلف الكواليس، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أن "ما يحدث بالفعل لم يحدث أبدًا في تاريخ (إسرائيل)".
وتؤكد هذه التصريحات فوائد التطبيع الضمني الذي يكون مخفيًا جزئيًا عن أعين الجمهور وغير مقيّد بالالتزامات القانونية الرسمية حيث يمكن الاستفادة من التطبيع الضمني بشكل يمنح الأطراف الرئيسية مجالًا واسعًا للمناورة.
لكن هناك حدودًا لا يمكن أن تتجاوزها هذه الرقصة دون تعثر أحد الشريكين أو كليهما، فعندما تتغير الظروف، يحصل التحول بأكبر قدر ممكن من الرشاقة إلى العلاقات الصريحة.
هذه هي قصة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، ففي حين أن تعاونهما يعود إلى سنوات، فإن التطبيع الضمني اكتسب زخمًا خلال إدارة "أوباما" بعد الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي، فقد رأى القادة الإماراتيون والبحرينيون والسعوديون أن هذا الاتفاق ليس فقط بمثابة ميزة إستراتيجية لإيران، ولكنه تنصل خطير لالتزامات واشنطن تجاه دول الخليج العربية، ومن هنا كان التواصل مع (إسرائيل)، وكانت المشكلة أنه لا يوجد شيء للفلسطينيين في مقابل التقارب في العلاقات الخليجية الإسرائيلية.
بالطبع، لم يشمل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي أي ملامح لمعالجة حقيقية للقضية الفلسطينية، وبعيدًا عن تأمين التزام (إسرائيل) بمواصلة المحادثات مع الفلسطينيين، عُرض على الإمارات نوع سلبي من المكافأة وهو تأجيل ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية حتى موعد لاحق.
يجادل بعض الخبراء الأمريكيين بأن الإمارات قد تستخدم المعاهدة لحث (إسرائيل) والفلسطينيين على استئناف المحادثات، ولعل النتيجة الأكثر ترجيحًا هي أن القادة الإسرائيليين سينظرون إلى قرار الإمارات بتطبيع العلاقات دون الحصول على تنازلات كبيرة كدليل إيجابي على أن المشهد الاستراتيجي في المنطقة يتم تغييره بطرق ستساعد (إسرائيل) على فرض إرادتها على الفلسطينيين.
التطبيع الصريح يجلب مكافآت غير متكافئة
يرحب "نتنياهو" بالتأكيد بهذا المشهد المتغير، وفي مقابلة في 17 أغسطس/آب، لم يتباه رئيس الوزراء الإسرائيلي فقط بأنه أدخل "ضم الضفة" لقلب خطة السلام الأمريكية، بل بأنه حقق ذلك، وأشار إلى أنه سوف يجدد الضغط لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية بعد توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات، وتأكيدًا على هذه النقطة، أعلن "نتنياهو" إنهاء مفهوم "الأرض مقابل السلام".
وبينما يؤكد "نتنياهو" أنه علق الضم فقط، يصر سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة على أن الاتفاقية تعني "توقف الضم على الفور"، ومع ذلك، فإن تصريحات "نتنياهو" لن تقلق القادة الإماراتيين.
وفي حين أن الإماراتيين قد يشعرون بشيء من ندم المشتري، فإن أولويتهم هي المصالح الأمنية لدولة الإمارات، وبمعنى أكبر، السعي إلى ترسيخ الهوية الوطنية الإماراتية، وقد لعب هذا المنظور دورًا رئيسيًا في دفع حملة البيت الأبيض لإقناع دول الخليج العربية بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل).
لقد أوضح مستشارو البيت الأبيض، و"ترامب" نفسه (ناهيك عن القادة الإسرائيليين)، أن هدفهم النهائي هو تأمين معاهدة سلام سعودية إسرائيلية، مع الاعتراف بأن هذا سيستغرق وقتًا، يجادل "جاريد كوشنر"، مستشار الرئيس "ترامب" وصهره، بأن مثل هذا الاتفاق لا مفر منه الآن.
العوامل المساعدة لاتفاق سعودي إسرائيلي
يمتلئ تاريخ التطبيع الضمني بين السعودية و(إسرائيل) الممتد لما يقرب من 20 عامًا بمحطات الصعود والهبوط، تم الوصول إلى نقطة منخفضة في عام 2014 مع الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد غزة، وقد ورد أن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة آنذاك، اتهم "نتنياهو" بالكذب بعد أن تراجع عن خططه لتقديم سلام سعودي إسرائيلي، وبينما أدى هذا الصدام إلى خلاف استمر لمدة عام، فإن الجانبين يمران الآن بلحظة مختلفة تمامًا.
بغض النظر عن الحكم على سياسات الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، كان "ترامب" هو الذي ضغط بقوة على الإمارات والبحرين بشأن التطبيع الصريح.
وبالرغم أنه من غير المرجح أن تؤدي اتفاقيات السلام التي تم توقيعها في البيت الأبيض إلى اتفاق فلسطيني-إسرائيلي، لكن هذا أقل أهمية بكثير لإدارة "ترامب" مقارنة بـ"الفوز الاستراتيجي والسياسي" الذي رحب به الكونجرس وجميع الشخصيات الرئيسية والجماعات اليهودية الأمريكية.
في ضوء كل هذا، سيكون لدى القادة السعوديين سبب مقنع للتعاون الوثيق مع إدارة "ترامب" إذا فاز في الانتخابات، وبالتالي قد تزدادا احتمالات قبولهم لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل).
ويعتبر الدافع الثاني للتطبيع هو صعود "محمد بن سلمان" إلى العرش، ففي حين أنه مستبد لا يرحم وله سجل قاتل، لكنه مدفوع برؤية طموحة للمملكة في الشرق الأوسط.
وقد كشف "بن سلمان" عن أجندته خلال مقابلة في 2 أبريل/نيسان 2018 مع "ذي أتلانتيك" حيث قال فيها: "للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم"، وإذا كانت هذه الصياغة غير كافية لوصف لعلاقة الدقيقة بين التطبيع الإسرائيلي الفلسطيني والسعودي الإسرائيلي، فإن الملك "سلمان" أعاد في مكالمة هاتفية مع "ترامب" حدثت بعد أقل من أسبوع من التصريح تأكيد "دعم المملكة الثابت" لـ"الحقوق المشروعة للفلسطينيين ودولة مستقلة عاصمتها القدس".
وكرر "سلمان" هذه الرسالة بعد الإعلان عن الصفقة الإماراتية الإسرائيلية في أغسطس/آب، وأصر على أن السعودية لن تحذو حذو الإمارات في غياب اتفاق فلسطيني-إسرائيلي حقيقي، لكن هذا الموقف قد يسقط على جانب الطريق بمجرد أن يصبح "بن سلمان" ملكًا.
السياقات الجيوستراتيجية الإقليمية والعالمية
يتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه "بن سلمان" حاليا هو في كيفية معالجة الحرب في اليمن، والذي، بصرف النظر عن عواقبها الإنسانية المروعة، فإنها تستنزف الموارد االلازمة لتحقيق "رؤية السعودية 2030" الطموحة.
يرى القادة السعوديون هذه الحرب من منظور صراعهم مع إيران، وبالتالي يكرهون الاعتراف بمسؤوليتهم عن إراقة الدماء، ومع ذلك، نظرًا لأن الدعم الإيراني للحوثيين قد أدى إلى تصاعد هذا الصراع، فمن الصعب تخيل أي حل ما لم تتم معالجة التعقيدات التي تغذيها التوترات (الإيرانية العربية) و(الأمريكية الإيرانية) في اليمن.
وفي غياب أي إطار دبلوماسي فعال متعدد الأطراف يدمج هاتين الساحتين الجيوستراتيجيتين، ستستمر السعودية في التعثر في القتال الذي لا نهاية له في اليمن.
يمكن القول أن التحول إلى التطبيع الصريح بين السعودية و(إسرائيل) سيقلب ميزان القوى الإقليمي إلى نقطة تزيد من المخاوف الإيرانية، ما يزيد من تعقيد قضية اليمن، في الوقت الحالي، لا يبدو أن السعودية مستعدة لتصعيد هذه التوترات مع إيران إلى حد الصراع الفعلي.
في الواقع، قد يتم إقناع إيران بشكل غير مباشر بتقليل دعمها للحوثيين أو دفعهم للتفاوض إذا رأت طهران أن السعودية لا تتعجل في بدء علاقات كاملة مع (إسرائيل) كما فعلت الإمارات والبحرين.
بعبارة أخرى، قد تؤدي بادرة رفض التطبيع المفتوح مع (إسرائيل) إلى إقناع إيران بتقديم تنازلات جادة فيما يتعلق باليمن حتى تشعر السعودية بالأمان الكافي تجاه جارتها الجنوبية.
بالطبع، يعتمد هذا على الولايات المتحدة أيضًا وما إذا كانت مهتمة بمقاربة دبلوماسية للنزاع اليمني من شأنها إشراك إيران، ولكن من الصعب تخيل سير إدارة "ترامب" في هذا المسار، خاصة أن سياستها تجاه إيران حتى الآن قد تمحورت حول هدف تغيير النظام.
ومع ذلك، إذا قرر أي شخص يجلس في البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021 أن يأخذ فكرة المفاوضات مع إيران على محمل الجد، فسيكون من المفيد ألا تطبع السعودية علاقاتها مع (إسرائيل) صراحة.
على أي حال، نظرًا للقيود المحلية والإقليمية التي تواجه "بن سلمان"، من المحتمل أن يفضل ولي العهد مزايا التطبيع الضمني على المخاطر التي قد تأتي مع الانتقال إلى معاهدة رسمية مع (إسرائيل).