الخليج أونلاين-
تلوذ المملكة العربية السعودية بـ"المبادرة العربية" حين التطرق إلى تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، في وقت تسير العلاقات بين الأخيرة وكل من الإمارات والبحرين، جيران المملكة، على سكة متينة بعد توقيع اتفاقي التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي والمنامة.
وفي وقت تسعى القيادة الفلسطينية جاهدة للحصول على دعم عربي ودولي، من أجل إقامة مؤتمر دولي للسلام، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية، قال مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء (8 ديسمبر 2020): "إن القضية الفلسطينية قضية عربية أساسية ولم نتوانَ عن الدفاع عنها".
المجلس، الذي جدد التمسك بمبادرة السلام العربية 2002، أكد أن قضية فلسطين "لا تزال على رأس القضايا التي ندعمها في سياستنا الخارجية".
التمسك بمبادرة السلام التي أكد عليها مجلس الوزراء السعودي، لم تكن طرحاً سعودياً جديداً، بل هو موقف يجدده السعوديون باستمرار، وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أكد الالتزام بالمبادرة العربية أيضاً.
يوم 15 سبتمبر الماضي وقعت الإمارات والبحرين في البيت الأبيض اتفاقي تطبيع علاقات مع "إسرائيل"، وبعد هذا الموعد بثمانية أيام، قال الملك سلمان، في كلمة ألقاها عبر الفيديو أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة: "إن السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي، وواجبنا ألا ندخر جهداً للعمل معاً نحو تحقيق مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة".
وأضاف: "تدعم المملكة جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، وقد طرحت المملكة مبادرات للسلام منذ عام 1981، وتضمنت مبادرة السلام العربية مرتكزات لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي يكفل حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".
وتابع الملك سلمان: "كما نساند ما تبذله الإدارة الأمريكية الحالية من جهود لإحلال السلام في الشرق الأوسط من خلال جلوس الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وشامل".
مبادرة السلام
الموقف السعودي أعاد إلى الأضواء "مبادرة السلام"، التي أقرتها القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002 بالإجماع.
و"خطة السلام العربية" أو "مبادرة السلام العربية" هي مبادرة أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز (كان حينها ولياً للعهد) وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل السلام مع "إسرائيل".
وجاء في نص المبادرة، وفق ما ورد عبر موقع الجامعة العربية، أن مجلس الجامعة يطلب من "إسرائيل" إعادة النظر فـي سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي.
كما يطالبها بـ"الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري، وحتى خط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان"، ويطالبها أيضاً بـ"التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194".
وتشمل المبادرة مطالبة "إسرائيل" بـ"قبول قيام دولة فلـسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع مـن يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية".
وفي حال جرى التوافق على هذه الشروط يعتبر النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام، مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع "إسرائيل" في إطار هذا السلام الشامل، وضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
في هذا الشأن يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي الخليجي، ياسر عبد العزيز، في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إن مصر متصدرة للمشهد العسكري أو المفاوضات منذ عام 1979 وحصول معاهدة السلام، وظل الملف الفلسطيني الملف الأبرز والأقوى؛ لذلك كانت مصر تجد نفسها في ريادة المنطقة من خلال هذا الملف.
في 2002 حاولت السعودية "سحب هذا البساط من مصر بتقديم الملك عبد الله مبادرة السلام العربية، التي طرحها في قمة بيروت ومن ثم توافق عليها العرب"، يقول عبد العزيز.
وحين الرجوع الى المبادرة العربية نفسها -بحسب عبد العزيز- فهي تتكلم عن مبادرة عربية وهذه كانت آخر المصطلحات التي أطلقت على أزمة وجود الكيان الصهيوني، من قبيل "القضية العربية" أو "النزاع العربي الإسرائيلي".
وأوضح أنه "بعد هذا تحول الأمر إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن معنى هذا أن الصراع تحول من صراع كلي شامل إلى صراع دولة مع الكيان الصهيوني.
ووفق هذا التحول وجب على دول متضررة من الوجود الإسرائيلي أن تبحث عن حلول بنفسها مثل لبنان وسوريا، بحسب ياسر عبد العزيز، وأيضاً "كل دولة تبحث عن حلول خاصة بها".
رفض أمريكي
الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الحليف القوي لـ"إسرائيل" وللسعودية أيضاً، كانت راعية لاتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، ترى أن "صفقة القرن" الحل الأمثل للسلام في المنطقة.
ذلك ما تجدد تأكيده من خلال كيلي كرافت، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، التي تحدثت في جلسة استماع لمجلس الأمن بشأن وضع السلام في الشرق الأوسط في 26 أكتوبر الماضي، معلنة أن "مبادرة السلام العربية لم تعد ضرورية".
وقالت كرافت: "تجربة (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب أدت إلى السلام، ورؤيتنا ممكنة، وقمنا بالكثير من العمل لتقديم خطة السلام وهي مليئة بالتفاصيل".
وأضافت: "لم تعد هناك حاجة للمبادرة العربية لعام 2002. صفقة القرن فتحت آفاقاً جديدة أمام الفلسطينيين".
وكان مسؤولون أمريكيون بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، حثوا السعودية على "تطبيع علاقاتها" مع "إسرائيل"، لكن رغم ضغوط إدارة ترامب عليها طوال أشهر، أكدت المملكة أنها لن تتبع الإمارات والبحرين في خرقهما "الإجماع العربي" الذي يشترط التطبيع مع "إسرائيل" بتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإبدالها بـ"صفقة القرن".
ياسر عبد العزيز يرى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "الاتفاق الذي حصل لضم بعض أراضي غور الأردن والضفة الغربية يؤكد أن إسرائيل لن تذهب إلى المبادرة العربية مرة أخرى، وأمريكا أيضاً لن تتركها تعود مرة أخرى بعد أن كسبت أراضي جديدة".
وعليه يجد عبد العزيز أن السعودية "تناور من خلال المبادرة العربية وتمسكها بها لكي ترضي جماهيرها سواء السعودية أو المسلمين، من خلال تقديم نفسها كقائد سني في المنطقة على أرضه الحرمان الشريفان، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تتخلى عن الحرم الثالث الأقصى".
صفقة القرن
تقترح "صفقة القرن" إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، من ضمنها 30% من أراضي المنطقة "ج"، مع إمكانية مواصلة "إسرائيل" النشاط الاستيطاني داخل المستوطنات القائمة دون توسيعها، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة "شعفاط" شمال شرقي القدس المحتلة، وفق ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، مطلع 2020، نقلاً عن مصادر إسرائيلية لم تسمها.
كما تتضمن الخطة ضم "إسرائيل" ما بين 30% و40% من أراضي المنطقة "ج"، التي تشكّل 61% من مساحة الضفة، كما أنها تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
وحملت دول خليجية القسم الأكبر من المسؤوليات المالية ضمن إطار الصفقة؛ حيث تشير البنود التي أعلنها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال افتتاح مؤتمر المنامة، في 25 يونيو 2019، إلى أنه سيتم رصد مبلغ 50 مليار دولار على مدى 5 سنوات لـ"فلسطين الجديدة".
وستسدد الولايات المتحدة من المبلغ المعلن نحو 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، في حين يقع على عاتق دول الخليج العربي النسبة المتبقية؛ وهي 70%، في حين لا تتكفل فلسطين و"إسرائيل" بأي مبالغ.
وتتحدث الخطة الأمريكية عن تمويل 179 مشروعاً للتنمية الاقتصادية؛ بينها 147 مشروعاً في الضفة الغربية وغزة، و15 في الأردن، و12 في مصر، وخمسة مشاريع في لبنان، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وتشمل بنود الشق الاقتصادي للصفقة التي أعلنها البيت الأبيض بشكل رسمي دعم توسعة موانئ ومناطق تجارية قرب قناة السويس، وتطوير المنشآت السياحية في سيناء، وإقامة ممر بين غزة والضفة بتكلفة 5 مليارات دولار.
كما تشمل تحديث خطوط الكهرباء بين مصر وغزة وإصلاحها؛ لزيادة إمدادات الكهرباء، إضافة إلى توفير أكثر من مليون وظيفة في الضفة وغزة، وخفض معدل الفقر بنسبة 50%.
وتهدف إلى "تحسين التعاون الفلسطيني مع مصر وإسرائيل والأردن للحد من الحواجز التنظيمية أمام حركة السلع والأفراد الفلسطينيين"، وفق ما أعلن كوشنر في وقت سابق.
بحسب ما يقول الباحث في الشأن الخليجي، ياسر عبد العزيز، فإن "التطبيع آت لا محالة على مستوى الحكومات".
ويرى أن تمسك السعودية بمبادرة السلام لن يدوم طويلاً، مفيداً: "نستطيع القول إن السعودية تتعرض لضغوط"، وإن الرياض، وفق قوله، "لا تتحمل المزيد من الضغوط، لا سيما أن المبادرة السعودية بالأساس اعترفت بوجود إسرائيل لكن على أراضي ما قبل 1967".
وزاد: "الآن الأمر أصبح أوسع بكثير من مبادرة السلام، كانت المبادرة تتكلم عن مبادرة ما قبل 1967 ودولة فلسطينية، الآن صفقة القرن هي صفقة التوافق في الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وكل من لن يمارس هذا التطبيع بكل أشكاله فسيكون عدواً، ومن ثم ستكون الفصائل الفلسطينية المقاومة في زاوية وستكون مستهدفة في المرحلة القادمة".