(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
رغم الأحجام عن استخدام استطلاعات الرأي العام لتسويغ جريمة التطبيع الخليجي الصهيوني، لأسباب متفاوتة بين الخليج والعدو الإسرائيلي، إلّا أنّ جهات متنوعة قامت بهذه المهمة لتخرج أيضاً بنتائج متنوعة، بعضها يعكس الرفض الشعبي، والآخر يحاول الإيحاء بترحيب شعبي مفتعل مرفق بصور لمواطنين خليجيين برفقة الصهاينة، ناهيك عن بعض المواقع والحسابات الشخصية على مواقع التّواصل التي تفتعل التّرحيب والمودّة بين الإماراتيين والبحرينيين والإسرائيليين.
وربما الإحجام الخليجي عن إجراء استطلاعات هو خوفاً من نتيجة معاكسة لقرار تطبيع العار، وهو ما يعني سير الحكومات على غير رغبة الشعوب وهو اعتراف رسمي بالقمع والفاشية والسلطة المطلقة.
وربما لا يجري العدو هكذا استطلاعات، لأنّه يريد الإيحاء بإجماع الرأي على أنّ إسرائيل دولة سلام تمدّ أذرعها للتطبيع والصداقة، ولم لا وهو اعتراف وتطبيع مجاني دون أدنى تنازل ـ بلّ ومع تمرير المزيد من الاغتصاب وتصفية القضية!
إلّا أنّ اللّافت، والذي يشكّل مفارقة مخزية، هو صدور تصريحات من داخل دولة العدو تعلن تحفّظها على هذا التطبيع وتداعياته، مثلما صدر عن مسؤولة في وزارة الصحة الإسرائيلية من تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني العبري "واللا".
حيث ذكر الموقع أنّ مسؤولين إماراتيين أبدوا إحتجاجاً رسمياً على تصريحات مسؤولة في وزارة الصحة الإسرائيلية، قالت فيها إنّ التّطبيع بين (إسرائيل) والإمارات رفع من عدد المصابين بفيروس كورونا في بلادها.
وأوضح الموقع الصهيوني أنّ مسؤولين إماراتيين توجهوا الأسبوع الماضي إلى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وطالبوا بتوضيح بشأن تصريحات رئيسة دائرة الصحة العامّة الإسرائيلية، "شارون الراي برايس"، التي قالت فيها بلهجة ساخرة إنّ "عدد من قتلوا في غضون أسبوعين من السلام مع دبي، أكثر بكثير ممن قتلوا خلال 70 عاماً من الحرب معهم".
وأكّد الموقع أنّ هذه التصريحات أدّت إلى أزمة دبلوماسية مع الإمارات، لكن مستشاري نتنياهو اعتذروا للسلطات الإماراتية، وشدّدوا على أنّ هذه التصريحات لا تعبّر عن الموقف الرسمي بتل أبيب، وبأنّ ارتفاع عدد المصابين بكورونا في (إسرائيل) ليس له علاقة بالرّحلات بين دبي وتل أبيب.
ويعكس هكذا تصريح نظرة دونية صهيونية تجاه من قاموا بتطبيع مجاني وافتعال وتسرع لجعله حميماً دون أسانيد موضوعية لهذه الحميمية!
على جانب آخر، لا يبدو المستوى الأمني الصهيوني خائفاً من الخليج أو تسليحه، وكأنّه واثق من تحالفه معه، حيث بدا تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إرجاء بيع صفقة بيع طائرات "إف 35" للإمارات العربية المتحدة، معبّراً، حيث قال نتنياهو في تصريحات نقلتها قناة "i24news" الإسرائيلية: "لن يؤثر ذلك، نحن بالفعل في نقطة اللا-عودة".
وهو تجديد لإقرار نتنياهو للصفقة وعدم خوفه أو تحسبه هو وأجهزة استخباراته وجيشه لأي مخاطر على الكيان الإسرائيلي مصدرها الإمارات!
بتأمّل ممارسات نتنياهو تجاه المقاومة ورعبه من أي تطور نوعي في سلاحها، وحديث قادة العدو حول المقاومة والذي يعكس احتراما وهيبة رغم عدائية التصريحات، ومقارنته بخطاب يستخف بالخليج ومطبعيه رغم كلّ ما بذله قادة التطبيع لخدمة العدو، فنحن أمام مؤشرات لمستقبل هذا التطبيع البائس.
وهذا المؤشر، مفاده أنّ هناك أزمات سياسية منتظرة على خلفية ممارسات خليجية غير مقبولة مصدرها شخصيات تابعة ومقربة للسلطات الخليجية، ربّما قبلتها بعض البلاد العربية المرتهنة للخليج مقابل الأموال الخليجية، بينما لن يقبلها إسرائيليون يرون خيانة تستتبع نظرة دونية لأصحابها، وهو ما سيفضي إلى أزمة تلو أخرى يصعب إصلاحها سياسياً.
يضاف إلى ذلك اتساع الفجوة بين الشعوب والسلطات، إلى جانب اتساع دوائر التّصعيد مع محور المقاومة.
إن فتنة التّطبيع تتخطّى كونها عاراً، لتصل بالأوضاع إلى حافة الهاوية بالمنطقة والإقليم وأيضاً بالداخل الخليجي.