(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
يبدو أنّ كشف فضائح برنامج التّجسّس الإسرائيلي "بيغاسوس" ستتّخذ أبعادًا جديدة، فهي لا تلبث أن تكشف أسرارًا تفسّر الكثير من الحوادث من جهة، كما تكشف التطبيع الخفي غير المعلن من جهة أخرى!
وفي سياق الجديد من الأسرار، أفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية مؤخّرًا أنّ السعودية والإمارات استخدمتا برنامج "بيغاسوس" الجاسوسي المطوّر من قبل شركة NSO الإسرائيلية لتعقّب كبار السّاسة اللبنانيين.
وأشار بنجامين بارت، كاتب المقالة التي نشرته الصحيفة تحت عنوان "في لبنان تراقب ممالك الخليجي أصدقاء وأعداء لها على حدّ سواء"، إلى أنّ قائمة الشّخصيات اللّبنانية المستهدفة من قبل برنامج التّجسس الإسرائيلي لصالح السلطات السعودية والإمارات خلال العامين 2018 و2019، تشمل طيفًا واسعًا من الأسماء - بدءًا من رئيس الدولة ميشال عون ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري وانتهاء بعدد كبير من الوزراء والصحفيين والسفراء مرورِا بمدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، ورئيس البنك المركزي رياض سلامة، ومسؤولين تنفيذيين من "حزب الله" اللبناني.
إلّا أنّ هناك فقرة لافتة في تقرير الصحيفة، وهي وبحسب المقالة، فقد طلب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان من شركة "بيغاسوس" الإسرائيلية استهداف الطبقة السياسية في لبنان نيابة عن المملكة.
هنا نحن أمام تطبيع صريح من ولي العهد، ناهيك عن التّجسس على سياسيي بلد مستهدف بالمؤامرات، تشير الحوادث به إلى تورّط سعودي في الأحداث.
وقد تواترت التقارير في الصحف العالمية حول التورّط السعودي الإماراتي في التّجسس، وحول التطبيع الصريح، فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها، أنّ (إسرائيل) سمحت سرًا لمجموعة من شركات المراقبة الإلكترونية بالعمل لصالح حكومة المملكة العربية السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذه الخطوة جاءت رغم المخاوف الدّولية المتعلّقة بقيام السعودية باستخدام برامج التّجسس الإسرائيلية "لسحق" المعارضة في الداخل والخارج، خاصّة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وأضافت الصحيفة أنّ مجموعة "NSO" الإسرائيلية ألغت عقودها مع السعودية بعد مقتل خاشقجي في 2018، لكن الحكومة الإسرائيلية شجعتها مع شركتين أخريين على مواصلة العمل مع المملكة، كما منحت الحكومة الإسرائيلية ترخيصًا جديدًا لشركة رابعة من أجل العمل مع السعودية، متجاوزة المخاوف المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وفقًا لمسؤول إسرائيلي كبير وثلاثة أشخاص مرتبطين بتلك الشركات.
وبحسب الصحيفة، تعتبر شركة "NSO" إحدى أشهر الشركات الإسرائيلية، وهي المسؤولة عن تطوير برنامج "بيغاسوس" للتّجسس الذي استخدمته العديد من الحكومات للتّجسس على نشطاء حقوق الإنسان واعتقالهم، مضيفة أنّ الشركة باعت برنامج "بغاسوس" إلى السعودية عام 2017، وقامت المملكة بدورها باستخدامه في "حملة قاسية لسحق المعارضين في الداخل، ومطاردة أولئك الذين يعيشون خارج البلاد".
وقالت الصحيفة، إنّ وزارة الأمن الإسرائيلية سمحت لشركة أخرى تدعى "كانديرو" للعمل مع السعودية، وكانت شركة "مايكروسوف" قد اتّهمت "كانديرو" بتطوير برنامج معلوماتي استخدمته عدّة حكومات للتّجسس على أكثر من 100 صحفي وسياسي ومعارض ومدافع عن حقوق الإنسان حول العالم.
كما منحت (إسرائيل) تراخيص لشركتين أخريين على الأقل، Verint، التي تمّ ترخيصها قبل مقتل خاشقجي، وشركة Quadream، التي وقّعت عقدًا مع المملكة العربية السعودية بعد ذلك.
وكشفت الصحف الإسرائيلية كذلك معلومات حول هذه القضية، وبحسب صحيفة هآرتس، قامت شركة خامسة، وهي شركة Cellebrite، التي تصنع أنظمة قرصنة مادية للهواتف المحمولة، ببيع خدماتها للحكومة السعودية، ولكن دون موافقة الوزارة.
وقد علّقت "نيويورك تايمز" على هذا التّعاون بالقول، أنّ "حقيقة حكومة (إسرائيل) شجّعت شركاتها الخاصة على القيام بأعمال أمنية للمملكة -رغم أنّها لا تزال لا تعترف رسميا بإسرائيل – هو دليل آخر على إعادة ترتيب التّحالفات التقليدية في المنطقة والإستراتيجية من قبل (إسرائيل) والعديد من دول الخليج العربي لتوحيد الجهود لعزل إيران".
ولفتت الصحيفة بأنّ "هذه العلاقات التجارية جاءت بينما كانت (إسرائيل) تبني بهدوء علاقات مباشرة مع الحكومة السعودية، فقد التقى بنيامين نتنياهو، آنذاك، عدّة مرات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فيما يلتقي القادة العسكريون والإستخباراتيون في البلدين بشكلٍ متكرر".
هنا تحوّلت قضية كشف فضيحة التّجسس إلى قضية ذات وجهين، ووجهها الثاني هو كشف فضائح التّطبيع غير المُعلن!