عاموس هرئيل- هآرتس- ترجمة القدس العربي-
قبيل ولاية تبدأ بأجواء مشحونة بتحذيرات المعارضة من انقلاب دستوري، وخوف من أزمة أمنية في الساحة الفلسطينية، سيحتاج نتنياهو إلى إنجاز نوعي، على أمل أنه سينجح في التعتيم على كل ذلك، كما أن الصورة الاقتصادية ليست واعدة: الخبراء يحذرون من ركود دولي طويل، وميزانية الدولة تهدد بأن ترزح تحت عبء الوعود لجماعات الضغط المختلفة. بقي المجال السياسي – الأمني.
تبدو طموحات نتنياهو هنا غير خفية، فثمة موضوع قديم، تبنى إزاءه التزاماً ايديولوجياً بعيد المدى: إحباط المشروع النووي الإيراني. وهناك أمل جديد يدفع به قدماً مؤخراً، وهو توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. ولكنها أمور يرتبط بعضها ببعض، وبالعلاقات المعقدة التي قد تتطور بين الحكومة القادمة والإدارة الأمريكية. بدرجة معينة، رغم محاولة نتنياهو ورجاله التقليل من أهميتها، فإنها تتعلق بالقناة الفلسطينية أيضاً.
في فترة الرئيس دونالد ترامب، حدث تقارب واضح بين إسرائيل والسعودية على خلفية العلاقات الوثيقة بين نتنياهو وولي العهد محمد سليمان مع الرئيس السابق، والعداء المشترك لإيران. وقد نشر كثير في وسائل الإعلام الأجنبية عن علاقات أمنية واستخبارية متشعبة بين إسرائيل والسعودية. ذات مرة، في تشرين الثاني 2020، أعطى نتنياهو إشارات بواسطة منشورات لمتحدثيه في الشبكات الاجتماعية عن زيارة سرية للسعودية. السعوديون الذين غضبوا من هذا النشر، عادوا في العلاقات خطوة إلى الوراء. في مقابلات قبل وبعد فوزه في الانتخابات الأخيرة في الشهر الماضي، عبر نتنياهو عن رغبة في التوقيع على اتفاق مع السعودية، استمراراً لاتفاقات التطبيع التي وقعت مع الإمارات والبحرين قبل نحو سنتين.
ما الذي ستطلبه السعودية في المقابل؟ في محادثات مع أشخاص مطلعين على العلاقات الآخذة في التشكل، يبدو أن لولي العهد، الحاكم الفعلي للمملكة، سلسلة طلبات، ولكنها طلبات ستوجه للولايات المتحدة أكثر مما هي لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، اهتمام السعودية بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين محدود. فمع غياب أي مواجهات حول الحرم وما دام الوضع في “المناطق” [الضفة الغربية] تحت السيطرة، فلن تطالب السعودية باختراق في العملية السياسية بين الطرفين كشرط للتقدم في علاقاتها مع إسرائيل.
تنشر وسائل الإعلام الأجنبية عن تنسيق استخباري متشعب بين إسرائيل والسعودية حول المسألة الإيرانية. ومن المرجح أن تنظر الرياض بإيجابية لأي خطوة تخطوها دولة أخرى تثير الرعب في طهران. مع ذلك، تصعب رؤية السعودية تساهم في معركة عسكرية ضد إيران بشكل مباشر. في السنوات الأخيرة، تعرضت السعودية والإمارات لهجمات المسيرات الثقيلة الإيرانية، التي على الأغلب تستخدم المتمردين الحوثيين في اليمن من أجل ذلك، لكنها تخشى من رد عسكري.
في اتصالات غير مباشرة مع الإدارة الأمريكية، عرض بن سلمان الطلبات التي يريد تحقيقها، من بينها ثلاثة رئيسية، وهي: تعزيز علني للعلاقات مع الولايات المتحدة بحيث تكون مدعومة ببيان إيجابي من الكونغرس؛ ومساواة مكانة السعودية في مجال المشتريات الأمنية من الولايات المتحدة بمكانة الدول الأعضاء في حلف الناتو؛ وموافقة أمريكا على البدء في إقامة مشروع نووي سلمي في السعودية، مع استغلال مخزون اليورانيوم الكبير الموجود لديها.
القضيتان الأخيرتان تثيران صعوبات كبيرة؛ فرفع القيود عن المشتريات الأمنية سيمكن السعودية من التزود بالطائرة القتالية “إف35” (إدارة ترامب طلبت إزالة عائق مشابه يقف أمام الإمارات مقابل اتفاقات إبراهيم، لكنه أمر لم تتم تسويته حتى الآن)، في حين أن المشروع النووي السلمي سيغير الوضع الراهن في الشرق الأوسط في قضية حساسة، رغم أنها ليست خطة عسكرية.
هناك صعوبة أخرى تتعلق بالعلاقات بين ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي. أثيرت أزمة بين بن سلمان والحزب الديمقراطي حول مقتل الصحافي السعودي ومعارض النظام جمال خاشقجي. ورغم غضبه من السعودية، أراد بايدن في الصيف الماضي تحسين العلاقات بين الدولتين على خلفية ارتفاع أسعار النفط في العالم، عقب الحرب الروسية – الأوكرانية. وقد سافر إلى الرياض وطلب زيادة إنتاج النفط السعودي، ولكنه ووجه بالتملص. بقيت العلاقات المتبادلة متوترة. ويتوقع أن يواجه عدد من الطلبات السعودية بمعارضة الكونغرس، وربما حتى في أوساط جهات في الإدارة الأمريكية.
تطبيع زاحف
في تشرين الأول الماضي، زار السعودية وفد خبراء من معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط. وقال مدير المعهد، روبرت ساتلوف، في نقاش أجري في تشرين الثاني، بعد عودة الوفد، بأن شخصيات رفيعة في السعودية اعترفت بأن قتل الخاشقجي كان “خطأ كبيراً”، لكن هذه الشخصيات احتجت على ما وصفته بمعاملة قاسية جداً من جانب أمريكا عقب القضية. تأثر ساتلوف من طموحات السعودية بخصوص أهداف النمو الاقتصادي التي وضعت للمملكة، وما اعتبره صعوداً للوطنية السعودية القوية الواثقة من نفسها، التي لا يعد الإسلام فيها إلا أحد مكوناتها الكثيرة”. في المقابل، وصف السعودية بأنها منغلقة إزاء انتقاد الغرب لنظرتها لحقوق الإنسان في الدولة.
حسب قوله، تقبع العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تحت أزمة خطيرة، لكنه يؤمن بأن الدولتين ستنجحان في التغلب على الخلافات في مسألة كمية إنتاج النفط. يتوقع ساتلوف على المدى البعيد ضعف العلاقات بين الطرفين، بسبب معارضة اليمين المتطرف واليسار التقدمي في الولايات المتحدة لمواقف الرياض. حول العلاقات مع إسرائيل، قال بأن أعضاء الوفد وجدوا إشارات على “تطبيع زاحف” في كل مكان زاروه في السعودية. مع ذلك، أوضح بأنه من الخطأ التقدير بوجود تطبيع كامل في متناول اليد. وقال إن أهمية العلاقات مع إسرائيل بالنسبة للسعودية أقل مما هي للدول التي وقعت على اتفاقات إبراهيم.
للنظام السعودي في هذه الأثناء سلم أولويات مختلف، يقف على رأسه المشروع الطموح لبناء مدينة المستقبل نيوم في شمال غرب السعودية قرب مضائق تيران. مع ذلك، قد تمهد اتفاقات التطبيع مع إسرائيل الطريق لتعاون تجاري وتكنولوجي بحجم كبير مع شركات إسرائيلية، التي ستندمج في المشاريع الدولية التي تخطط لها الرياض. خلال ذلك قد يسمح ولي العهد بعدة تسهيلات بالتدريج في نمط الحياة الديني الصارم في الدولة، ويتم من بين ذلك فحص إمكانية السماح بشرب الكحول من قبل الأجانب في مناطق معينة مثل الفنادق، وإلغاء حظر إقامة الصلوات غير الإسلامية.
زار السعودية في السنتين الأخيرتين عدد أكبر من الإسرائيليين مما كان في السابق، معظمهم من خلال استخدام جوازات سفر أجنبية. في نهاية تشرين الأول، شارك رئيس مجلس إدارة بنك ليئومي، سامر الحاج يحيى، في لجنة اقتصادية في الرياض. شارك في هذا المؤتمر عدد من رجال الأعمال الإسرائيليين مع عدم تغطية ذلك إعلامياً، وبدون أن يتم نشر أسمائهم. وقام رياضيون إسرائيليون بزيارة السعودية.
على الرغم من أن أهمية القضية الفلسطينية تضاءلت بالنسبة للدول العربية المعتدلة، التي لها علاقات سلام أو على الأقل علاقات سرية مع إسرائيل، فإن استمرار أي مواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين بقوة عالية قد تغير مواقفها، لا سيما إذا كان لذلك خلفية دينية. هذا الأمر قد يؤثر على العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين ويزيد معارضة الشعوب في هذه الدول للتطبيع مع إسرائيل.
هناك صعوبة أخرى من ناحية الجيش الإسرائيلي؛ فقد وجه معظم الاهتمام في السنوات الأخيرة ببناء القوة والنشاطات العملياتية للمواجهة مع إيران والمنطقة الشمالية. التصعيد في الضفة، الذي بدأ في آذار الماضي، يقود الجيش بالتدريج إلى استثمار قوات وموارد كثيرة في “المناطق”. مع مرور الوقت، قد تقتضي المواجهة اهتماماً أكبر وأموالاً أخرى. يخطط الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء عشرات الوحدات في الاحتياط للخدمة في الضفة الغربية في السنة القادمة. في الوقت الذي يتوقع أن يسعى فيه نتنياهو إلى استثمار مليارات الشواقل لبناء الرد العسكري على إيران، ستتطلب “المناطق” اهتماماً وموارد خاصة بها. قد تجد القيادة العليا نفسها ممزقة بين هاتين المهمتين.