رونين بيرغمان- يديعوت أحرونوت-
هاكم لغزاً راهناً مع تعليمات خروج: الأولى، إيران تشكل تهديداً على الأمن القومي لدولة إسرائيل؛ والثانية، أحد الأسباب الذي يجعل المشروع النووي الإيراني يهدد الاستقرار في المنطقة هو ما يسببه من خطر سباق تسلح نووي، ترغب فيه دول أخرى في الشرق الأوسط؛ والثالثة التوقيع على معاهدة سلام وتطبيع العلاقات السرية حتى الآن مع السعودية، والتي يرى فيها الدولة العربية الأهم تساعد في التصدي للتحدي الإيراني.
أما التعليمة الرابعة، فلأجل التوقيع على اتفاق سلام مع السعودية، يتعين على إسرائيل الموافقة على أن تفعل الرياض منظومة تخصيب يورانيوم ومفاعلات نووية، وهو السبب الذي لأجله عارضت إسرائيل دوماً وجود مشروع تخصيب في إيران؛ الخامسة أن كل منشآت النووي في السعودية ستكون لأغراض مدنية بل وتحت الرقابة، لكن المسافة بينها وبين التخصيب العسكرية ليست واسعة حقاً. انظروا ما حصل في إيران.
هذا وغيره – حتى بفرض أن النظام الحالي في المملكة سيحرص على الاستخدام المدني فقط، فمن يضمن لإسرائيل أن يظل النظام مستقراً إلى الأبد ولا تسقط المملكة؟ انظروا ما حصل في إيران.
في السطر الأخير، إن التوقيع على اتفاق سلام مع السعودية سيساعد الأمن القومي والصراع ضد إيران، لكنه سيمس بالأمن القومي الإسرائيلي، والصراع ضد التحول النووي لكل الشرق الأوسط.
كيف يحل هذا اللغز وننجح في مساعدة الأمن القومي دون المس به؟ في هذه المسألة بات يتردد في الأسابيع الأخيرة سلسلة مسؤولين أمريكيين وسعوديين وإسرائيليين، يعتقدون أن نافذة فرص خاصة فتحت للتوقيع على اتفاق سلام بين “القدس” والرياض لأسباب عديدة ومتنوعة. بالتوازي، فهم على ما يبدو موظفون كبار إيرانيون وأمريكيون في جولات من المحادثات السرية التي تجريها عُمان بأن الساعة نضجت لسلسلة توافقات بين الدولتين المعاديتين.
في الأيام الأخيرة نشرت “نيويورك تايمز” تقريرين مفصلين (أحدهما للموقع أدناه) حول هاتين الخطوتين، وكلاهما تديرهما الإدارة دون مشاركة إسرائيل، لكن بوعد من واشنطن بأن تتطلع إسرائيل على كل التفاصيل. في التفاصيل التي طرحتها “التايمز” وصف كمي كبير لأعمال الإدارة، وبخاصة وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي. السبب أن الرئيس بايدن أمر الأشخاص بالعمل لتحقيق هذين الاتفاقين.
المسار الثاني هو للتطورات في المنطقة، فمخرج الإمكانية للتوقيع على اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية كان مسدوداً تماماً، فقد أيد محمد بن سلمان سراً انضمام محمد بن زايد والإمارات إلى الاتفاقات، بل وكان حاضراً في بعض من لقاءاتهم السرية مع المندوبين الإسرائيليين. وحاولت مصادر إسرائيلية وأمريكية رفيعة المستوى إقناع بن سلمان أيضاً في الوقوف على المنصة في البيت الأبيض. عرضوا عليه صفقة من الأحلام. سيحصل بن سلمان في واشنطن على الاستقبال الأكثر حرارة الذي تعرف الإدارة كيف تمنحه، بما فيه قذائف مدفعية، ومبيت في بلير هاوس، واستقبال كفيل بالمساعدة في ترميم صورة الدولة وصورته هو نفسه.
لكن بن سلمان رفض وقال إنه مضطر لرفض العرض لأن أباه، الملك سليمان، لن يعترف بإسرائيل أو يقيم معها علاقات دبلوماسية إلى أن يقع تقدم مهم نحو التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وفهم المندوبون الإسرائيليون منه أن الملك ما دام على قيد الحياة فلا احتمال للتقدم إلا بهذه الطريقة.
ترى الولايات المتحدة أن وضع حرب الظلال بين إسرائيل وإيران آخذ في التدهور؛ فالإيرانيون يخصبون كميات أكبر على مستويات أعلى وشبه عسكرية، وإسرائيل تتخذ أعمالاً عدوانية ضد إيران وفروعها، وكل القصة قد تخرج عن السيطرة.
الولايات المتحدة وإيران لن تصفا الاتفاق المتحقق بكلمة “اتفاق” بل بكلمة “تفاهمات”، كي لا تضطر بعرضها على الكونغرس لإقرارها وكي تسمح لنتنياهو بالقول إنه لا يوجد اتفاق نووي جديد على الإطلاق.
ما زالت إسرائيل تحاول فهم ما الذي حرك المسار السعودي إلى الأمام. فقد تلقت إسرائيل بلاغاً بأن مستشار الأمن القومي سوليفان في طريقه إلى الرياض، أول محافل القطار الجوي للمسؤولين الأمريكيين ممن سافروا وعادوا، وفي الطريق توقفوا في إسرائيل أو، في حالة وزير الخارجية بلينكن الأسبوع الماضي، تحدثوا مع نتنياهو من طائرتهم بعد اللقاء مع بن سلمان على مدى 40 دقيقة وفصّلوا مطالبه. نتنياهو، حسب “التايمز” التي كشفت هذه التفاصيل، رد بقائمة مطالب خاصة به.
أقام نتنياهو طاقماً صغيراً وسرياً يعالج الموضوع: ديرمر، ومستشار الأمن القومي المقرب جداً منه تساحي هنغبي ونائب هنغبي، ومسؤول سابق في منظومة النووي الإسرائيلية غيل رايخ.
لا يوجد في قائمة مطالب بن سلمان أي تنازل إسرائيلي ذي مغزى في الموضوع الفلسطيني. إذا ما حصل من الولايات المتحدة على الأمور المهمة التي طلبها، فلا مشكلة في إلقاء الفلسطينيين تحت الشاحنة، والمطلب البارز في قائمة مشروع تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية على الأرض في الرياض.
حتى لو قرر بايدن أخيراً التقلب ليصبح الصديق القريب لولي العهد، يصعب الافتراض بأن كل رفاقه الديمقراطيين سيصوتون معه. إضافة إلى ذلك، من الصعب الافتراض بأن تتجه الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي يتعارض وسياستها دون توافق مع إسرائيل.
من جهة أخرى، كان قد عكس السياسة الإسرائيلية بعيدة السنين، أي الاعتراض على أي تخصيب في أي دولة في الشرق الأوسط. كيف يحل هذا اللغز، ثم ننجح في مساعدة الأمن القومي دون المس به؟ كيف نطبع العلاقات مع المملكة الغنية دون أن تكون هذه “معاهدة سلام مع قنبلة موقوتة”، كما وصف الوضع مصدر استخباري كبير؟