أمير تيفون- هآرتس-
رئيس الحكومة نتنياهو، بدا في وضع معقد مؤخراً؛ ففي الوقت الذي هو بحاجة فيه إلى تعاون الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في موضوع السعودية، وبحاجة للدعوة إلى البيت الأبيض، فضل نتنياهو تجنب المواجهة المباشرة في موضوع إيران.
في الأسبوع الماضي، قال مصدر إسرائيلي رفيع في محادثة مع الصحيفة بأن الخط العام في هذه الأثناء هو عدم مهاجمة المحادثات بشكل مباشر. إضافة إلى ذلك، رفض هذا المصدر بشدة الادعاءات التي بدأت تطرح في الولايات المتحدة مؤخراً وكأن إسرائيل تسرب المعلومات بهدف تخريب المحادثات. هذه النقطة مهمة بشكل خاص لأن الإدارة الأمريكية -حسب رأي هذا المصدر الرفيع- تقوم بـ “حتلنة” إسرائيل بشكل مستمر عن المحادثات. وحتى الآن لم تكن هناك أي مفاجآت بين الطرفين.
لم يتطرق نتنياهو علناً إلى المحادثات مع إيران، وفي الحالات التي أصدر فيها تصريحات، كرر الصيغ حول قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها. وهو لم يعبر عن انتقاد مباشر للإدارة الأمريكية، أو حتى في المؤتمر المغلق في لجنة الخارجية والأمن، الذي أكد فيه ما نشر في هذه الصحيفة بأن الولايات المتحدة تسعى لتوصل إلى تفاهمات “غير رسمية” مع إيران، وليس إلى اتفاق رسمي يحتاج إلى مصادقة الكونغرس.
لنتنياهو ثلاثة اعتبارات رئيسية خلف هذه المقاربة الحذرة؛ الاعتبار الأول هو أن نتنياهو يأمل حتى الآن بتلقي دعوة لزيارة البيت الأبيض في الوقت القريب. وحقيقة أنه بعد نصف سنة تقريباً من أداء الرئيس لليمين، الذي سماه نتنياهو “صديقي القديم جو”، لم يجد لديه الوقت للالتقاء معه، تبث الضعف وتخلق الحرج. إضافة إلى ذلك، فإن المبادرة إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية، الذي يعتقد نتنياهو أن بإمكانه ترميم مكانته في أوساط الجمهور، ترتبط بصورة مطلقة بالرئيس الأمريكي بايدن، الذي يجب عليه المصادقة على عدة تنازلات أمريكية للسعودية من أجل إقناع ولي العهد محمد بن سلمان للتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل. إضافة إلى ذلك تعترف إسرائيل أن قدرة التأثير على الكونغرس في قضية إيران محدودة.
الإدارة الأمريكية تلتزم حتى الآن بالتطبيع مع السعودية من خلال الإدراك بأن هذا الاتفاق سيخدم مصالح بايدن السياسية قبل الانتخابات للرئاسة في 2024. في الفترة القريبة القادمة، ستنشغل شخصيات رفيعة في الإدارة بالموضوع الإسرائيلي – السعودي، وسيلتقي كبير المستشارين للرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، بيرت ماكغورك، مع ولي العهد السعودي، ويتوقع أن تقوم الدبلوماسية الرفيعة لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، بزيارة إسرائيل.
في مقال مطول حول هذا الموضوع، نشرت “نيويورك تايمز”، قدر مصدر في الإدارة الأمريكية بأن احتمالية التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية أقل من 50 في المئة. ولكن الإدارة ترى مكاسب كبيرة إذا تحقق هذا الأمر.
أي هجوم مباشر لنتنياهو في هذه الأثناء على الإدارة الأمريكية في موضوع إيران سيبعده عن البيت الأبيض، وسيقلل أيضاً احتمالية تقديم مساعدة أمريكية في الموضوع السعودي. ويمكن النظر إلى هجوم شديد على المحادثات مع إيران بإشكالية من قبل دول الخليج التي هي نفسها في عملية مصالحة مع إيران. ففي نهاية الأسبوع، زار وزير الخارجية السعودي طهران بشكل رسمي للمرة الأولى بعد عقد تقريباً.
من المهم الإشارة إلى أن خط نتنياهو لا يؤثر حتى الآن على سلوك بعض الوزراء في حكومته، الذين يبادرون إلى القيام بمواجهات مع الإدارة الأمريكية، أحياناً من خلال دوافع شخصية. مثال بارز على ذلك قدمه في الأسبوع الماضي وزير الشتات عميحاي شكلي، الذي اختار مهاجمة المبعوثة الخاصة للإدارة الأمريكية في شؤون مكافحة اللاسامية، البروفيسورة دبورة لفشتدات، في نهاية زيارتها لإسرائيل. لفشتدات متعاطفة واضحة مع إسرائيل وتعرضت للانتقاد الشديد من قبل منظمات اليسار في أمريكا، التي تقول بأنها تساوي بغير حق بين مناهضة الصهيونية واللاسامية. كل ذلك لم يمنع شكلي من الاستخفاف بها والقول في مقابلة مع القناة “ب” بأنها “موظفة، وسيدة مسؤولة عن مكافحة اللاسامية”.
هذه التصريحات تضر بمصلحة نتنياهو، ولكن الإدارة الأمريكية يعرفون أنه في ضائقة سياسية أمام ائتلافه، وأنه غير قادر على منع “شكلي” وأعضاء الائتلاف الآخرين الذين يضرون بالعلاقات. وما دام نتنياهو نفسه يتمسك بخط حذر ومعتدل أكثر فإن الإدارة الأمريكية لا ترفع تصريحات وزراء في حكومته إلى مستوى الأزمة.
إلى جانب الرغبة في التحسين، أو على الأقل عدم تدهور العلاقات مع واشنطن، فإن خط إسرائيل بالنسبة للمحادثات مع إيران يعكس أيضاً اعترافاً بالواقع: لإسرائيل قدرة محدودة جداً على التأثير في المحادثات، وحتى لو حاولت القيام بخطوات في الكونغرس ضد إدارة بايدن، تبقى احتمالية النجاح في ذلك ضئيلة ما دام مجلس الشيوخ تحت سيطرة الحزب الديمقراطي.
نتنياهو نفسه ما زال يعتبر في نظر كثيرين في واشنطن بأنه هو الذي يتحمل المسؤولية الكبيرة عن قرب إيران من القنبلة أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب الضغوط التي استخدمها على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي في 2018. سياسيون كبار في الحزب الديمقراطي، الذين عارضوا في حينه الاتفاق الذي وقعه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع إيران، غضبوا بسبب خطوة ترامب ونتنياهو، التي قضت على الاتفاق وسمحت لإيران بالإسراع نحو القنبلة. أي محاولة لرئيس الحكومة لتجنيدهم الآن من أجل الوقوف أمام بايدن ستنتهي بالفشل وفضيحة مدوية.