تسفي برئيل- صحيفة هآرتس العبرية-
أثار وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، أول أمس، ضجة وفوضى زائدة، وكأنه كشف عن خطة سياسية سرية وخطيرة. جميع الذين تابعوا تطور النقاشات في موضوع النووي السعودي يعرفون جيداً اتفاق التفاهمات الذي وقع بين الرياض وبكين حول تطوير مشترك لمفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء. يدرك البيت الأبيض، مثلما في القدس، أن خيار الصين للبرنامج النووي السعودي غير جديد. قبل عقد تقريباً، نشرت وسائل إعلام أمريكية بأن الصين أقامت منشآت لتخصيب اليورانيوم وتحويل خام اليورانيوم إلى “كعكات صفراء” تستخدم في إنتاج الوقود النووي.
مذكرة تفاهمات جديدة وقعت في كانون الأول الماضي بين الصين والسعودية في أثناء زيارة الرئيس الصيني للرياض. وقد مرت ثلاثة أشهر قبل استكمال الصين لعملية وساطة مثيرة للانطباع بين السعودية وإيران، أدت إلى استئناف العلاقات بين الدولتين. إذا كانت الولايات المتحدة تطمح إلى إبعاد الرياض عن بكين فقد وصلت متأخرة جداً، ولا يمكن لأي تحذير إسرائيلي أن يغير ذلك.
شبكة العلاقات بين الصين والسعودية تشابكت مع استثمارات مشتركة بمليارات الدولارات وتعاون تكنولوجي وتجاري، وكذلك برؤية استراتيجية تستند إلى مصالح اقتصادية مشتركة. هذا الأمر صحيح سواء قررت شراء بنى تحتية صينية لتطوير برنامج نووي مدني أو توصلت إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بهذا الشأن. الشرخ العميق بين الرياض وواشنطن خصوصاً منذ دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، أوضح للسعودية بأن عهد “الدولة العظمى الواحدة” انتهى، وأن عليها الاهتمام بحزام أمان لا يعتمد حصرياً على الإدارة الأمريكية.
إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لإقامة “ناتو شرق أوسطي” فعليها معرفة أن السعودية لن تنضم إليه إلا مع “رزمة أصدقاء” لها. تدرك واشنطن تلك الصعوبة المتوقعة في عرض بديل سياسي على السعودية، الذي في إطاره سيكون عليها أن تقرر من سيكون “صديقها الوحيد”. إذا نجحت الإدارة الأمريكية في جعل القيادة السعودية تفضل التعاون النووي الأمريكي على الصيني، فسيكون هذا إنجازاً دبلوماسياً مهماً للرئيس. ولكن ما الصلة بين هذا والتطبيع مع إسرائيل؟
الوزير ديرمر ورئيس هيئة الأمن القومي، تساحي هنغبي، حاولا مؤخراً تهدئة الجمهور حول مسألة النووي السعودي. حتى إن هنغبي ذهب بعيداً وأوضح بأن البرنامج النووي المدني لا يشكل أي تهديد. في حين أن ديرمر اعتمد على توقيع السعودية على ميثاق منع انتشار السلاح النووي كـ “طبقة عازلة” تخفف التهديد النووي المحتمل من جانبها. ولكن لا حاجة إلى تبني محاولات التهدئة هذه.
السعودية وقعت على الميثاق الدولي، لكنها لم توقع على البروتوكول المرفق، الذي يسمح برقابة أعمق بكثير مما تسمح به الصيغة الأولية للميثاق. بدون المصادقة على البروتوكول الإضافي وبدون تطبيق برنامج مفصل للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، فسيكون للتوقيع على الميثاق أهمية إعلانية كبيرة، لكن فائدته قليلة.
عملة ثمينة
لا يمكن اتهام ديرمر أنه يجهل أن السعودية لم توقع على البروتوكول الإضافي. فهو يعرف الشروط المشددة التي تضعها الولايات المتحدة أمام أي تعاون نووي مع دول ثالثة، وهكذا لا يهم ما هو موقف إسرائيل، اتفاق تعاون أمريكي – سعودي غير مرتبط بتطبيع معها، وليس بخطابات تهدئة لشخصيات إسرائيلية رفيعة. والأهم من ذلك، أنه إذا ما حدث التطبيع، فلا يشكل ضمانة ألا يتحول البرنامج النووي السعودي إلى برنامج هدفه عسكري.
من هنا، فالتساؤل الكبير الذي يجب أن تثيره تصريحات هنغبي، أنه غير قلق من برنامج نووي مدني. في 2009 عارضت إسرائيل طلب الأردن إقامة مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء “لأسباب أمنية”. حتى إنها حذرت لسنين من الخطر الذي تتعرض له من برامج مصر لإقامة مفاعلات مدنية. لكن السعودية لم تخف نيتها لتطوير “دورة نووية كاملة”، أي تخصيب اليورانيوم وتطوير وقود نووي وتصدير المنتجات النووية إلى الخارج.
في 2018 أوضح ولي العهد محمد بن سلمان، بأن المملكة “لا تريد الحصول على السلاح النووي، لكن بدون شك، إذا طورت إيران قنبلة كهذه فستفعل السعودية ذلك، وبأسرع وقت”. في مؤتمر عقد في دبي في كانون الأول الماضي، حذر وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان: “إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فكل شيء سيكون مفتوحاً”. إسرائيل غير موقعة على ميثاق منع انتشار السلاح النووي، مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية. عليها، على الأقل أن تتعلم كيف تخفي أنفها عندما تعلن بأنها غير قلقة من برنامج نووي لأغراض مدنية، الذي ستقوم بتطويره أغنى الدول العربية، التي هي أيضاً حليفة للصين.
في الحقيقة، تفضل الرياض تكنولوجيا أمريكية على تكنولوجيا مصدرها بكين أو موسكو أو سيول. لكن، أهي مستعدة لتبني وتنفيذ طلبات الرقابة الأمريكية؟ إسرائيل، كما يبدو، سارعت إلى إعطاء السعودية “شيكاً مفتوحاً”، رغم أنها عملت طوال سنين على انتقاد نجاعة قدرة رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية في كل ما يتعلق بالمنشآت النووية في إيران. ما الذي حدث إذ أصبحت فجأة مستعدة للتعامل مع برنامج نووي مدني في دولة عربية وكأنه برنامج بريء، وحتى تأييده، رغم أنها ليست عرابته في عملية المصادقة الأمريكية؟
يكمن هذا التفسير في الخدعة نفسها التي تطمح لخلق معادلة، والتي يساوي التطبيع بحسبها برنامجاً نووياً سعودياً، وأنه بدون المصادقة عليه ستضيع فرصة تاريخية للتوقيع على سلام مع الرياض. هل سبق أن وافقت إسرائيل على تنفيذ طلبات السعودية وأمريكا فيما يتعلق بمكانة الفلسطينيين؟ هل ستكون مستعدة لتجميد البناء من أجل التطبيع؟ هل تعرف الحكومة الإسرائيلية الشروط التي تضعها الرياض في القضية الفلسطينية للمصادقة على التطبيع؟ الطريقة التي تطرح فيها إسرائيل تأييدها للبرنامج النووي السعودي أو “عدم معارضته”، تستهدف الإقناع بأنها هي القضية الوحيدة التي بقيت لاستكمال عملية التطبيع.
من المثير للاهتمام معرفة ردة فعل إسرائيل إذا أعلن بن سلمان بأن برنامجه النووي ليس له علاقة بالتطبيع، وأن هذه مفاوضات ثنائية بين دولته وبين الولايات المتحدة – وليس لإسرائيل أي مكانة أو تأثير عليها – وأنها إذا كانت تريد التطبيع فالأفضل أن تدفع بالعملة الفلسطينية الثمينة.