يحيى دبوق-
هل أنهى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، البرنامج النووي السعودي قبل أن يبدأ؟ الحكم على ظاهر الأمور يشير إلى ذلك، وخاصة أن البيان الصادر عن مكتبه أكّد رفض البرنامج بشكل حاسم، وإن كان لا يرفض، بل يطلب بقوة التطبيع مع المملكة نظراً إلى «فوائده» الاستراتيجية لإسرائيل. وإذا كانت المسألة هنا أكثر تعقيداً من إرادة شخص أو دولة إقليمية، مهما علت مكانة هذا أو هذه، فإن الإعلانات والتسريبات أميركياً أولاً، وتلك الإسرائيلية ثانياً، تُظهر إشارات دالّة على أن المفاوضات على سلة المطالب السعودية، لا تزال متواصلة بين واشنطن والرياض، وتتحرّك في مسار يمكن وصفه بالبنّاء، وهي من شأنها، ضمن حيثيات معقولة، أن تفضي إلى نتائج ملموسة.
وبعيداً من المواقف المسبقة والقوالب التحليلية التي لا تصمد كثيراً أمام المتغيّرات وتسارُعها، تُعَد إسرائيل في المفاوضات الجارية بين السعودية والولايات المتحدة، «جسر عبور» و«عامل ضغط»، بين الأخيرتين. بتعبير آخر، لم تَعد تل أبيب - على أهمية مكانتها أميركياً - الآن كما كانت عليه نسبياً في الماضي، أي الجهة التي لديها حق النقض ضدّ توجّهات أميركية في المنطقة، وخاصة أن التوجّهات الراهنة مبنيّة على مصالح جرى تشخيصها في واشنطن على أنها أكثر من استراتيجية، وأن عدم السعي إليها يضرّ بالمصالح الأميركية، حتى خارج منطقة الشرق الأوسط. أما الرياض، فالأكيد أنها لم تصبح في مكان مغاير لذلك الذي تموضعت فيه تاريخياً، أي إلى جانب الولايات المتحدة، وهي لا تقوى على ولا ترغب في تموضع آخر، لكنها تقرأ المتغيّرات الدولية جيداً، وتعمل على تحقيق أقصى ما يمكنها وفقاً لها. وفي مقدّمة تلك المتغيرات، تراجع المكانة الأميركية دولياً، وإمكانية عودة النظام المتعدّد الأقطاب بصورة أوسع ممّا كان عليه في القرن الماضي.
في خضمّ هذه التحوّلات، يرى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن بلاده لا تقلّ في مكانتها وإمكاناتها وتطلّعاتها عن أي دولة إقليمية ذات علاقة خاصة جداً مع الولايات المتحدة، وتحظى برعايتها الأمنية والعسكرية والسياسية. وانطلاقاً من ذلك، وأخذاً في الاعتبار أن التهديدات المحدقة بالمملكة من شأنها أن تشكّل تحدياً لنظامها، خصوصاً في حال تصاعدها إلى مستويات استراتيجية، في ظلّ انكفاء الولايات المتحدة عن معالجة مصادر التهديد تلك، ومساعيها إلى التعايش معها، وعلى رأسها التهديد الإيراني، يسعى ابن سلمان إلى التأثير في الموقف الأميركي، وهو ما يبدو أنه نجح فيه، من دون أن يتضح مستوى النجاح إلى الآن. وتَوزّع هذا الضغط في أكثر من اتجاه: الأول، تخفيف حدة الصراع مع الجانب الإيراني، من دون تغيير الموقف الفعلي المعادي تجاه إيران؛ والثاني، التمهّل في التطبيع مع إسرائيل؛ والثالث، التقارب من روسيا والصين، بما لا تُحمد عقباه أميركياً في حالة تماديه. وفي إطار تلك المحدّدات، أتت «المهادَنة» مع إيران، والزيارات واللفتات الشكلية إلى سوريا، وتسكين الملف اليمني الذي تحوّل بشكل كلّي تقريباً إلى الجانب الأميركي. أمّا في الداخل السعودي، فباتت قبضة ابن سلمان كاملة ومُطلقة، في ظل تحييد مصادر التهديد الداخلي سواء من داخل العائلة الحاكمة أو من خارجها، بالإضافة إلى تهميش المؤسسة الدينية وإضعاف دورها وتأثيرها، وهو ما من شأنه أن يدفع واشنطن إلى التفكير المسبق بالعواقب، في حال قرّرت «اللعب في وجه» ابن سلمان داخلياً، لفقدانها الخيارات البديلة الناجعة.
ويبدو جلياً أن ضغط المملكة على الولايات المتحدة يتّجه إلى إعطاء ثماره، إلا أن نوعية هذه الثمار تشكّل موضع الخلاف الحالي، ومن ضمنها التطبيع مع إسرائيل، والذي سيكون نتيجة، وليس سبباً، للمفاوضات القائمة، وهو خلافاً للطريقة الإماراتية أو البحرينية، سيندرج ضمن «سلّة واجبات وحقوق» ذات مغزى. إذ حتى تمضي السعودية فيه، فهي تطالب الولايات المتحدة بضمان أمن نظامها أمام أي تحدٍّ أو تهديد، مع تعظيم شأنها تسليحياً وصناعياً، بما يمكّنها من الثبات أمام التهديدات الإيرانية ومقارعتها. وفي حال اتّجهت طهران نحو إنتاج السلاح النووي، يتطلّب ذلك من واشنطن السماح للرياض ببرنامج نووي مدني، مع اشتراط أن يكون تخصيب اليورانيوم في الأراضي السعودية، بما يمكّنها لاحقاً من التحوّل سريعاً إلى السلاح النووي لموازنة التهديد الإيراني، وهو ما جاهر به ولي العهد، أكثر من مرة، من بينها في عام 2018، عندما قال: «لا نسعى للحصول على أسلحة نووية. ولكن من دون أدنى شك، إذا طوّرت إيران مثل هذه القنبلة، فإن المملكة العربية السعودية ستفعل ذلك في أسرع وقت ممكن». وفي الاتجاه نفسه، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، لاحقاً: «إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فكل شيء سيكون ممكناً». وفي سياق مطالباتها تلك، تلوّح السعودية بعدم المشاركة الفاعلة في أي استراتيجية احتواء أو تعايش أو مقارعة ضد إيران، كما بإمكانية الاستعانة بروسيا أو الصين للوصول إلى التسليح، الأمر الذي جرى الاتفاق والتوقيع عليه بالفعل مع الجانب الصيني.