ديفيد بولوك- معهد واشنطن للدراسات-
يسلط استطلاع رأي عام جديد وفريد أجري في المملكة العربية السعودية الضوء بشكل مدهش على المواقف الشعبية في المملكة تجاه اتفاق محتمل يرمي إلى "تطبيع" العلاقات مع إسرائيل.
تبيّن من خلال هذا الاستطلاع المنهجي النادر جدًا أن أقليّة لا يستهان بها من المجتمع السعودي تميل إلى إقامة علاقات تجارية مع إسرائيل حتى بدون إبرام اتفاق رسمي معها إذ يفيد حوالى ثلث المشاركين في الاستطلاع بأنهم في ما يتعلق بـ "بعض الخطوات الأولية التي لا ترقى إلى مستوى العلاقات الرسمية" سيوافقون على هذه الخطوة وهي "التعاون مع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في مسائل مثل تغير المناخ وأمن الفضاء الإلكتروني وإدارة الموارد المائية".
تتجاوز هذه النسبة بين البالغين السعوديين (33%) ما دون 30 عاماً إلى حدّ ما نسبة أولئك الأكبر سناً (28%). وبالإجمال، لم تتراجع النسب إلا بشكل طفيف (ربما بسبب الاتجاه اليميني المتشدد للحكومة الإسرائيلية الحالية) مقارنةً بالأجوبة على أسئلة مشابهة جدًا تم طرحها خلال السنوات الثلاث الفائتة إذ اقتربت نسبة قبول "إقامة علاقات تجارية" مع إسرائيل من 40 في المئة.
المبادرات الأحادية الأخرى تجاه إسرائيل لا تحظى بشعبية
ولكن على النّقيض من ذلك، لا تحظى المبادرات الأخرى تجاه إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق رسمي، حتى تلك التي أصبحت سارية بالفعل، إلا بدعم شعبي متواضع جدًا. فلم تتجاوز نسبة الذين وافقوا على "منح الطائرات المدنية الإسرائيلية الإذن بالتحليق فوق المملكة العربية السعودية إلى وجهات أخرى" سوى 14 في المئة، في حين أن نسبة الذين عبّروا إيجابًا عن "السماح للفرق الرياضية الإسرائيلية بالمشاركة في المباريات في المملكة العربية السعودية" لم تتخطَ 13 في المئة. كما أن نسبة الذين وافقوا على دعوة "رئيس وزراء إسرائيل لحضور مؤتمر دولي في المملكة العربية السعودية" بالكاد بلغت 7 في المئة، وهو ليس بالأمر المستغرب.
الضمانة الإسرائيلية بشأن "حقوق المسلمين" تتصدر شروط الناس لإقامة علاقات رسميّة
عندما سُئل الجمهور السعودي عن العوامل المحتملة "للنظر في ما إذا كان ينبغي للسعودية إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل أم لا ينبغي لها ذلك"، اختاروا أولاً أجندة إسلامية وليس سعودية تحديدًا، فقد قالوا بنسبة 46 في المئة، وهي نسبة أكبر بكثير من أي نسبة حظي بها أي خيار آخر وارد، إنه من "المهم" الحصول على "ضمانات إسرائيلية جديدة لحقوق المسلمين في المسجد الأقصى والحرم الشريف في القدس". ومن الجدير بالملاحظة أن أقلية صغيرة فحسب (4٪) إما رفضت الإجابة أو أشارت إلى موافقتها على الخيار المطروح صراحةً وهو "لا ينبغي للمملكة العربية السعودية إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف".
ينسجم هذا التركيز الشعبي على الدين مع الأجوبة التي حصدتها الأسئلة الأخرى المثيرة للجدل في الاستطلاع. فعلى سبيل المثال، حظيت الإجابة أعتقد "بشدة" على التصريح القائل إن "بلادنا يجب أن تقطع جميع علاقاتها مع أي دولة أخرى يتم فيها الإساءة إلى القرآن" بالنسبة عينها تمامًا.
حقوق الفلسطينيين مسألة ثانوية
في المقابل، تأتي المطامح الفلسطينية في المرتبة الثانية في وجهات النظر الشعبية السعودية بشأن إبرام اتفاق مع إسرائيل. فيقول الجمهور السعودي بنسبة 36 في المئة إنه سيكون "من المهم" الحصول على "خطوات جديدة لتأمين الحقوق السياسية وفرص اقتصادية أفضل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة".
ربما تعكس هذه المكانة الثانوية، على الأقل جزئيًا، الرأي العام السعودي السلبي جدًا تجاه القيادة السياسية الفلسطينية في أي من المنطقتين. فقد أعرب السعوديون بنسبة لا تتجاوز 15 في المئة عن وجهة نظر "إيجابية إلى حد ما" تجاه السلطة الفلسطينية في رام الله، حتى أن نسبة أقل (10%) عبرت عن وجهة نظر إيجابية تجاه "حماس" في غزة.
إسهامات الولايات المتحدة في اتفاق التطبيع منخفضة على نحو غير متوقع
من المستغرب أن الإسهامات الأمريكية المفترضة في إبرام اتفاق بين السعودية وإسرائيل تشكل بعض العوامل الكامنة وراء هذا السلوك الشعبي، مع أن هذه الإسهامات نوقشت كثيرًا على المستوى الرسمي بحسب التقارير في الأشهر الأخيرة. وفي هذا الإطار، لم تتعدَّ نسبة السعوديين الذين اعتبروا أنه سيكون من المهم الحصول على "أسلحة أمريكية جديدة وضمانات أمنية للمملكة العربية السعودية" 15 في المئة. في حين أن أقلية صغيرة متكافئة إحصائيًا (16%) قالت إنه من المهم أيضًا قيام "شراكة جديدة مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالطاقة النووية المدنية السعودية".
من بين العوامل المساهمة المحتملة الكامنة وراء هذه النتائج غير المتوقّعة إلى حدّ كبير الشعور السائد بأن الالتزامات الأمريكية أصبحت غير جديرة بالثقة في الآونة الأخيرة، ولذلك لا ينبغي أخذها على محمل الجد. وفي هذا الصدد، توافق أغلبية المواطنين السعوديين (61%) المشاركين في هذا الاستطلاع، كما في الاستطلاعات السابقة التي جرت مدار العامين الفائتين، "إلى حدٍ ما" على الأقل على هذا الاقتراح الاستفزازي المتعمد "لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة هذه الأيام، لذا علينا أن نتطلع أكثر إلى دول أخرى مثل روسيا أو الصين كشريكتين".
دعم الإسلام "الحديث" يرتفع إلى مستوى قياسي، لكن التسامح بين الأديان متخلّف كثيراً
في ظل توفّر خيار واضح في هذا الاستطلاع بين "النظرة التقليدية للإسلام" و"أولئك الذين يحاولون تفسير الإسلام في اتجاه أكثر حداثة"، تفضل نسبة 48 في المئة الخيار الأخير. وتشكل هذه أعلى نسبة تم تسجيلها على الإطلاق بشأن أسئلة مشابهة جدًا، وذلك في ارتفاع بطيء ولكن ثابت خلال السنوات الأخيرة؛ مع الإشارة إلى أن النسبة المقابلة بلغت 27 في المئة فقط في العام 2017.
إلا أن هذا الاتجاه المعتدل لا يطال المسائل المتعلقة بالعلاقات بين الأديان. لا تفيد سوى أقلية ضيئلة (3٪) بأنهم "سيسمحون للسياح المسيحيين أو اليهود بعقد اجتماعات صلاة في أماكن مخصصة". بينما تقول فئة متكافئة إحصائياً (5%) إن "علينا أن نظهر المزيد من الاحترام ليهود العالم وأن نحسّن علاقاتنا معهم".
إيران لا تزال غير مرغوب فيها، على الرغم من استعادة العلاقات الرسمية
وكجزء آخر من اتفاق التطبيع، لا تعلّق سوى أقلية صغيرة (21%) أهميّة على "الضمانات الأمريكية والإسرائيلية الجديدة بأنهم لن يشنوا حربًا ضد إيران". وفي هذا الصدد، تقول أقلية صغيرة مماثلة (19٪) إنه من المهم أن تقيم المملكة العربية السعودية علاقات جيدة مع إيران. ومع ذلك، فإن أقلية أكبر بكثير (36%) تعبر عن وجهة نظر إيجابية بشأن "استعادة العلاقات الدبلوماسية وغيرها من العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران". ومن الجدير بالذكر أن هذه النسبة ترتفع بشكل متواضع بين الطائفة الشيعية السعودية المتمركزة في المنطقة الشرقية لتصل إلى 47 في المئة.
الآثار المترتبة على السياسات
في حين أن المملكة العربية السعودية لا تزال نظاماً ملكياً استبدادياً، فإن الحكومة السعودية اليوم تأخذ الرأي العام في الاعتبار إلى حد ما عند اتخاذ قرارات صعبة، مثل ما يظهر من استطلاعات الرأي الخاصة والأبحاث المكثفة حول اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي و"الحوارات بين المواطنين" المتنوعة التي تقوم بها. ولذلك، بناءً على هذا التحليل لنتائج الاستطلاع الجديد، سيكون من المستحسن أن تقوم الحكومات الثلاث المشاركة في اتفاق ثلاثي أمريكي-سعودي-إسرائيلي محتمل بإيلاء اهتمام على الأقل لبعدها الديني بقدر ما توليه من اهتمام لأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية.
ومن المؤكد أن هذا سيشكل تحديًا للائتلاف الحاكم اليميني المتشدد الحالي في إسرائيل، وعلى الأرجح للحكومتين السعودية والأمريكية أيضًا. ولكن من البيّن الآن أن إدراج هذه الزاوية المختلفة تماماً في حساباتهم السياسية هو الطريقة الفضلى لكسب القبول الشعبي السعودي من أي اتفاق سعودي-أمريكي-إسرائيلي جديد، وبالتالي تحقيق القيمة الدائمة.
ملاحظة منهجية
يستند هذا التحليل إلى نتائج استطلاع أجري في شهر آب/أغسطس 2023 بتكليف من معهد واشنطن وتنفيذ شركة استطلاعات تجارية إقليمية مستقلة عالية الكفاءة والخبرة. وقد تألف الاستطلاع من مقابلات شخصية مع عيّنة وطنية تمثيلية من المواطنين السعوديين، تم اختيارهم وفقاً لإجراءات الاحتمالية الجغرافية المعيارية. قدم المقاول ضوابط جودة صارمة وضمانات سرية طوال العمل الميداني والترميز ومعالجة البيانات.
ويبلغ هامش الخطأ النظري لعينة بهذا الحجم وهذه الطبيعة حوالى ثلاث نقاط مئوية بالزيادة أو النقصان. إن التفاصيل المنهجية الإضافية، بما في ذلك الاستبيان الكامل والنتائج الهامشية والفواصل الديموغرافية متاحة بسهولة عند الطلب.