صحيفة “هآرتس” العبرية-
تقول مصادر إسرائيلية، اليوم الإثنين، إن حكومة الاحتلال تدير اتصالات من أجل تحويل ميزانيات لحركة “حماس” داخل قطاع غزة، بواسطة قطر، وتتدارس إمكانية زيادة عدد العمال المسموح لهم بالعمل داخل أراضي 48، وتخفيف القيود على البضائع، خوفاً من تصعيد يمس بالمداولات الجارية للتطبيع مع السعودية.
وتوضح صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم، إن الوزيرين المتشدّدين إيتمار بن غفير وباتسلئيل سموتريتش لا يعارضان، حتى الآن، مثل هذه الخطوات الاقتصادية، وأن إسرائيل معنية بتحاشي مواجهات بينها وبين المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة، كي تخفف عن السعودية ولا تحرجها.
وتستذكر الصحيفة العبرية المواجهات الحدودية، في الأسبوعين الأخيرين، وتنقل عن دبلوماسي أجنبي عاد من زيارة غزة، في المدة الأخيرة، قوله إن ضائقة اقتصادية حادة في غزة تقف خلف حالة التوتر والضغط التي تمارسها “حماس”. وتنوه إلى أن الضائقة المالية المتفاقمة داخل القطاع مردّها عدة عوامل، من جملتها تقليص الدعم الدولي المحول لسكان القطاع، والمصاعب التي تواجهها منظمات المساعدة الأممية هناك في جمع التبرعات من المجتمع الدولي.
كما تقتبس “هآرتس” عن مصادر إسرائيلية تعزو التدهور الأمني على طول الحدود مع قطاع غزة للضائقة الاقتصادية الإنسانية في القطاع، منوهة إلى أن “الأحداث” في منطقة الحدود بدأت بعد نحو نصف عام على عدوان “السهم والدرع” ضد “الجهاد الإسلامي”. وقالت أيضاً إن تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول قطاع غزة تفيد بأن “حماس” تبادر لهذه الاحتكاكات والمواجهات على الحدود من أجل انتزاع خطوات فورية من إسرائيل لتحسين الأحوال الاقتصادية، مثل زيادة عدد تراخيص العمل داخل أراضي 48، والموافقة على تحويل مساعدات مالية من قطر.
وتستذكر الصحيفة العبرية تهديدات منظمي المظاهرات (جيل الشباب الثائر) الحدودية، أمس، بتجديدها، قبل تراجعهم عن تهديدهم بعد ساعات، نتيجة وساطة مصرية وقطرية، علماً أن تجديد المظاهرات جاء رداً على اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي الشريف.
إحياء أوسلو
يشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد قال، قبل نحو أسبوعين، في مقابلة لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، إنه يتم التقدم نحو التطبيع مع إسرائيل في كل يوم. وقبل أيام، قال مصدر فلسطيني لـ “القدس العربي” إن السلطة الفلسطينية قدّمت للسعودية، عبر سفيرها السديري، خلال زيارته الأخيرة لرام الله، 14 مطلباً من أجل إحياء اتفاق أوسلو، ليكون تطبيقُها بالتعاون مع واشنطن جزءاً من صفقة تطبيع واتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. ومن هذه المطالب وقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، بما في ذلك الاستيطان، فتح اتفاقات باريس الاقتصادية، توسيع رقعة السيادة الفلسطينية في المنطقة “ج”، وتثبيت رجال أمن فلسطينيين في المعابر مع الأردن، وغيره.
بين العناق وبين الاشمئزاز
في سياق متصل، وتحت عنوان “بايدن ونتنياهو.. آخر السياسيين”، يشير المعلق السياسي الإسرائيلي ناحوم برنيع، في مقال نشرته، اليوم، صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى سيرة خاصة ببايدن، كتبها الصحفي الأمريكي فرنكلين فوآر، بعنوان “السياسي الأخير”، تتمحور حول حكم بايدن في أول عامين من ولايته، ويتساءل عن مدى أهليته بسبب تدني صحته، وتراجع ذاكرته، وأنه يبدو خائر القوى. ويقول المعلق الإسرائيلي إن بايدن، بسبب ذلك، غير مؤهل لإشغال ولاية رئاسية جديدة، وإن هذا ما يراه معظم الأمريكيين، لكنه يفضل مصلحته الشخصية على مصلحة أمريكا، كما يفعل نتنياهو مع إسرائيل.
وحسب برنيع، يكشف هذا الكتاب عمّا حصل خلال اجتماع بين بايدن ونتنياهو خلال مواجهات “هبة الكرامة”، في مايو/أيار عام 2021، عندما أَمَرَ الرئيس الأمريكي مساعديه بغمر نتنياهو بالحب، وقال لهم إنه ذاهب لمعانقته بكل قوته. ويتابع برنياع: “يبدو أن ما حصل، وقتها، قد أنبأ بدقة بما سيحصل لاحقاً في اللقاء بين بايدن ونتنياهو، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، قبل نحو أسبوعين.
خلال الحرب على غزة، في مايو/أيار 2021، تحدث بايدن ونتنياهو عبر الهاتف ست مرات، وبلغت الاتصالات الذروة بقصف إسرائيلي لعمارة استقرت فيها طواقم الصحفيين في غزة. وقتها أثارت صور انهيار البرج في غزة ردود فعل واسعة ألحقت ضرراً فادحاً بإسرائيل في العالم، لكن الهدف الحقيقي لتدميره هو تزويد الإسرائيليين بصورة انتصار.
في كتاب السيرة المذكور، اعترف نتنياهو بعدم وجود قيمة إستراتيجية في استهداف البرج في غزة، وبايدن لم يوبخه على ذلك، فقد تمالكَ نفسه وصمت، وكان نتنياهو ينوي مواصلة القصف، لكن بايدن قال له: كفى، انتهى.. وامتثل نتنياهو لطلبه”.
وطبقاً لبرنيع، فإن هذا الوصف يموضع بايدن في ذات المكان الذي وقف فيه رئيسان سابقان له؛ كلينتون وأوباما. ففي أحاديث خاصة يعبّرون عن قرفهم من نتنياهو، ويقسمون بأنهم سـ “يسددون الحساب معه”، ولاحقاً، وفي العلن، يعانقونه.
وضمن تفسيره لهذا التناقض، يضيف برنياع: “ربما هو شعورهم بالمسؤولية تجاه إسرائيل، وربما هذه هي وعود نتنياهو المتكررة بالتغيير وبالتغيّر، وربما هذا سحر ظهوره. ما حسم الأمر هو مصلحة أمريكا كما رأوها في تلك اللحظة. أسهل عليهم إنقاذ نتنياهو من إنقاذهم إسرائيل. قبل ثلاث سنوات، دعا بايدن لنبذ السعودية بعد اغتيال الصحفي جمال الخاشقجي، وما لبث لاحقاً أن صار يبحث عن محمد بن سلمان، رغم اتهامه بالقتل”.
ويقول برنيع إن الرئيس الأمريكي بايدن يعرب داخل الغرف الموصدة عن اشمئزازه من نتنياهو، ويقسم بأنه عازم على “إنهاء الحساب معه” لكنه يعانقه في العلن.
وعن ذلك يوضح برنيع أن “بايدن يعتقد أن نتنياهو، بعد معانقته، سيوصل الليل بالنهار من أجل ضمان 20 عضو كونغرس جمهوري، وأكثر، يدعمون فكرة التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية، ودعم تخصيب اليورانيوم والفرن الذري لأغراض مدنية على الأراضي السعودية”. ويتابع: “ربما. ما ينبغي أن يثير القلق هو أنه فور العناق بين بايدن ونتنياهو همست مصادر في البيت الأبيض للصحفيين هناك بأن ما نشر هو ليس ما حصل بين الرئيسين المذكورين، وقالت إن بايدن بحكمته عانق نتنياهو من جهة، ومن جهة أخرى انتزع منه التزامات مفرطة في الشأن الفلسطيني، وفي موضوع الإصلاحات القضائية داخل إسرائيل”.
وبلغة ساخرة يرى برنيع أن هذه الهمسات لا تستوي مع الهدية الإضافية التي حاز عليها نتنياهو، بعد أيام، على شاكلة “إعفاء الإسرائيليين الراغبين بزيارة أمريكا من تأشيرات الدخول. عندما يعانق بايدن فإنه يعانق بيدين اثنتين”.
اتصالات بين الصهيونية والسعودية قبل قرن
في سياق متصل، يوضح المؤرخ الإسرائيلي آدم راز أن الاتصالات بين السعودية والحركة الصهيونية قد بدأت قبل نحو القرن، وينوّه بأن المملكة حافظت على بعد أيديولوجي عن الصراع العربي- الإسرائيلي، ولم تشارك في حروبه، وفي 1981 اقترحت الاعتراف بإسرائيل، لكن رئيس حكومتها مناحم بيغن “رفض التعاون مع دولة غارقة في ظلمة العصور الوسطى. وهذا ما يؤكده أيضاً زميله المؤرخ الإسرائيلي بروفيسور إيلي بوديه، الذي قال في كتابه الأخير: “من عشيقة لرفيقة علنية- علاقات إسرائيل السرية مع دول وأقليات في الشرق الأوسط 1948-2020”.