جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة الخليج الجديد-
تمثل جهود السعودية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عنصرًا جديدًا في حملة المملكة المستمرة لإدارة عدم الاستقرار الإقليمي.
وفي مقابل تطبيع العلاقات، يأمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في انتزاع تنازلات للفلسطينيين في الضفة الغربية، حتى يتمكنوا من الحد من الاضطرابات التي يتوقع الكثيرون اندلاعها قريبا داخل السلطة الفلسطينية.
وآخر شيء يريده السعوديون هو أن تستغل جماعة حماس الفلسطينية المسلحة هذا الوضع وتوسع سيطرتها خارج قطاع غزة، الأمر الذي من شأنه أن يعمل لصالح الخصم الرئيسي للرياض، وهو إيران.
ولكن التحدي يكمن في أن التيار السياسي الفلسطيني، الذي يركز على حركة فتح، منافسة حماس، يقترب من نقطة انعطاف، الأمر الذي يجعل من الصعب للغاية تحقيق تقدم ملموس على هذه الجبهة.
في السطور الماضية، يخلص تحليل لمجلة "جيوبوليتيكال فيوتشرز" الفرنسية، وترجمه "الخليج الجديد"، حول تطورات مباحثات التطبيع السعودية مع إسرائيل، والتي من شأنها أن تمثل منعطفا تاريخيا في الشرق الأوسط.
وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، أدلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأول تعليقات علنية له على المحادثات مع إسرائيل، قائلاً إن المفاوضين يقتربون من التوصل إلى اتفاق، والذي وصفه بأنه "أكبر اتفاق تاريخي منذ الحرب الباردة".
في المقابل، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه التصريحات، مضيفا أن البلدين على أعتاب "سلام تاريخي".
جاء تعليق محمد بن سلمان الأكثر دلالة في المقابلة عندما طُلب منه تسليط الضوء على ما يعنيه تطبيع العلاقات بالنسبة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقال الملك المستقبلي، الذي أصبح أيضاً رئيساً للوزراء قبل عام، بعد أن تخلى والده عن السلطة التنفيذية، إن السعوديين والإسرائيليين بحاجة إلى حل خلافاتهم بشأن القضية الفلسطينية.
وعندما سئل للحصول على مزيد من التفاصيل، أضاف فقط أنه يعمل على "التوصل إلى حل.. مكان سيسهل حياة الفلسطينيين".
وكان قبل ذلك بأيام، عينت السعودية أول سفير لها لدى السلطة الفلسطينية.
وهذا بعيد كل البعد عن الموقف الرسمي للرياض منذ قمة الجامعة العربية عام 2002، التي عرض فيها الملك السابق عبدالله بن عبدالعزيز، على إسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع جميع أعضاء الجامعة العربية الـ 22 مقابل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة، وانسحاب إسرائيل من المنطقتين اللتين احتلتهما في حرب عام 1967.
ووفق تحليل "لومند"، فإن التحول في الموقف السعودي أمر مفهوم في ظل التغيرات الهائلة التي طرأت في العقدين الماضيين منذ ذلك الحين.
وقبل القمة، كان الكثيرون، بما في ذلك في الرياض، يأملون في إمكانية التوصل إلى اتفاق، على الرغم من فشل محادثات كامب ديفيد عام 2000 بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، فضلا عن اندلاع الحرب، كما جاءت الانتفاضة الثانية في نفس العام.
لكن المشهدين السياسيين الإسرائيلي والفلسطيني كانا في حالة تغير مستمر، الأمر الذي قوض أي جهود تهدف إلى التوصل إلى تسوية تفاوضية للصراع المستمر منذ عقود.
فقد وصل حزب الليكود الذي ينتمي إلى يمين الوسط، بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون، إلى السلطة، وعلى الجانب الفلسطيني كانت حركة حماس الإسلامية تشن حملة من الهجمات في إسرائيل.
ويضيف التحليل: "لقد أصبح صعود حماس ممكناً بفضل تراجع فتح، الذي تسارع بوفاة عرفات في عام 2004".
وفي العام نفسه، نفذت المخابرات الإسرائيلية، التي اخترقت حماس، سلسلة من الهجمات المستهدفة مما أدى إلى القضاء على العديد من قادتها وقدرتها على شن هجمات إرهابية في الداخل.
وفي العام التالي، انسحبت إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة، مما ساعد جهود حماس في الظهور كمنافس رئيسي لفتح.
كما أدى فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006 إلى تمهيد الطريق لانقسام أصبح غير قابل للتسوية بين الفلسطينيين، حيث تسيطر حماس على غزة، وتحكم فتح في الضفة الغربية تحت رعاية السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً.
وفي ظل هذه الظروف، فإن أي جهود تهدف إلى التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض بشكل افتراضي سوف تتمحور حول الضفة الغربية.
ولكن حتى الضفة الغربية، وفق التحليل، لم تتمكن من تشكيل نواة الدولة الفلسطينية المستقبلية بسبب عاملين رئيسيين، الأول: نمو المستوطنات اليهودية، حيث يقيم نحو 700 ألف إسرائيلي.
أما السبب الثاني، فهو انحدار السلطة الفلسطينية بسبب الفساد المستشري والانقسامات بين النخبة في فتح.
ويجلس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 87 عاماً، والذي يقود أيضاً فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، على قمة السلطة منذ وفاة عرفات، قبل 18 عاماً.
ويشير التحليل إلى أن حقيقة أن الكيانات الفلسطينية الثلاثة الكبرى سوف تبحث قريباً عن خليفة يمكن أن يغرق الضفة الغربية في أزمة، ويخلق فراغاً تنظر إليه حماس، باعتباره فرصة تاريخية للسيطرة على المشهد السياسي الفلسطيني.
وإدراكًا لهذا الوضع، قال بن سلمان بصراحة إنه يسعى للحصول على بعض التنازلات من الإسرائيليين التي من شأنها تحسين ظروف الفلسطينيين.
ويعكس تعليقه، وفق التحليل، حقيقة أن الخلاف بين حماس وفتح لم يعد في قلب الانقسامات الفلسطينية الداخلية، التي تدهورت إلى درجة أصبح فيها مستقبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية غارقًا في حالة من عدم اليقين.
وهكذا عاد السعوديون إلى إدارة القضية الفلسطينية بعد انقطاع دام 16 عاماً، والذي بدأ في أعقاب جهودهم الفاشلة للتوسط بين حماس وفتح في فبراير/شباط 2007.
ومنذ ذلك الحين، لم تشهد المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية تقدماً يُذكَر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى صراع على السلطة بين المجموعتين الفلسطينيتين، وفق التحليل ذاته.
وفي الوقت نفسه، كانت الرياض منشغلة بقضايا حاسمة أخرى، مثل عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن الانتفاضات العربية عام 2011، والتهديد الجهادي (خاصة من تنظيم الدولة الإسلامية)، وصعود جماعة الإخوان المسلمين (خاصة في مصر)، والتوسع الإيراني والجهود التركية.
ولم تعد العديد من هذه القضايا ملحة كما كانت من قبل، على الرغم من أن التهديد الذي تشكله إيران، والتي وافق السعوديون أيضًا على تطبيع العلاقات معها، لا يزال يشكل مصدر قلق رئيسي.
ويقول التحليل إن التهديد الإيراني هو أحد الدوافع الرئيسية وراء صفقة سعودية إسرائيلية محتملة".
ويشير إلى أن "اتفاقيات إبراهام" لعام 2020، والتي دفعت العديد من حلفاء السعودية العرب إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لم يكن من الممكن أن تتم دون موافقة المملكة.
ويضيف: "كان يُنظر إلى هذه الاتفاقيات في الواقع على أنها مقدمة لصفقة سعودية إسرائيلية في نهاية المطاف".
ويتابع: "لكن، على عكس هذه الدول العربية الأخرى، لا يستطيع السعوديون إقامة علاقات مع إسرائيل دون معالجة القضية الفلسطينية بطريقة أو بأخرى".
ويختتم التحليل: "لكن السعوديين يدركون أن محاولة الحصول على حكم ذاتي محدود للفلسطينيين سيكون أمراً صعباً للغاية، ولذلك فإنهم يحاولون التوصل إلى ترتيب يقلل من قدرة حماس على الاستفادة من الفوضى الناشئة في الضفة الغربية، والتي من المؤكد أن إيران ستستغلها".