(أحمد شوقي \ راصد الحليج)
موضوع التهجير الصهيوني لأهالي غزة من المواضيع التي احتلت التقارير الإخبارية وتصريحات المسؤولين الدوليين والعرب، في المدة الأخيرة، وخاصة بعد التهديدات الصهيونية بشنّ عملية برية في رفح التي تكتظ بنحو مليون ونصف فلسطيني. ومجمل التقارير تصبّ في خانة التهجير إلى مصر بسبب كثافة المخططات التي تتحدث عن هذه النوايا الصهيونية، إلا أن هناك تقاريرَ وضعت الخليج وخاصة السعودية في هذا الملف، إما تحت بند أدوار مساعدة في التهجير، أو تحت بند استقبال لاجئين فلسطينيين في أوطانهم البديلة.
وفي أواخر شهر تشرين الأول، وتحت عنوان "أعطوا غزة للسعوديين"، عرض تقرير للقناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي، فكرة للحكومة الإسرائيلية تقضي بأن تدعو السعودية إلى إدارة قطاع غزة بعد رفض مصر لهذا المقترح. وأوضح التقرير أن هناك، بشكل عام، خمسة خيارات: "الضم الإسرائيلي، الضم المصري، عودة منظمة التحرير الفلسطينية، نمو قيادة محلية، والخيار الخامس والأخير إنشاء نوع من "إمارة" تديرها دولة عربية صديقة، ولتكن هذه السعودية".
كما أوضح التقرير أن "إسرائيل" لا تنوي حقًا العودة إلى مرحلة السبعينيات من القرن المنصرم والسّيطرة سيطرة كاملة على القطاع؛ لأنه ليس لديها الآن آرئيل شارون الذي كان يتجوّل في شوارع غزة ويحكمها بفرض نظام عسكري، وليس لدى "تل أبيب" أي نية أو قدرة على نقل أكثر من مليون شخص.
وتابع : "كما سقط احتمال الضم المصري من جدول الأعمال، حيث من المفارقات أن مصر نفسها التي أصرت في تلك السنوات على أن يكون لها تمثيل رمزي على الأقل في غزة، ترحب، اليوم، بالتخلي عن القطاع بشكل كامل. فالرئيس المصري" عبد الفتاح السيسي"، وهو رجل ذكي في المجمل، لا يرى أي قيمة في ضم قطعة أرض صغيرة ليطعم فيها أكثر من مليون فم وعشرات الآلاف من المسلمين معتنقي الفكر الجهادي في بلد يعاني أيضا تشددًا دينيًا ونقصًا في الخبز".
وأكمل: "هنا نصل إلى الخيار الأكثر خطورة، وعلى أي حال، بشكل شبه تلقائي - وهو الخيار الذي من المتوقع أن يدفع اليسار الإسرائيلي من أجله بكل قوته، وهو تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية. وكأننا لم نتعلّم شيئا، وكأننا لم نمرّ بــــ"أوسلو" وفكّ الارتباط، وكأنهم لم يطردوا ممثلي السلطة الفلسطينية من غزة في العام 2006، وكأنّ أبو مازن الضعيف لم يتجنب الانتخابات لحوالي عقدين من الزمن، وهو يعلم أن حركة حماس ستضربه على الفخذ في الضفة الغربية أيضا".
واختتم التقرير حديثه قائلًا: "الخيار الأكثر عملانية، والذي يمكن دمجه في مسار سياسي أوسع، هو الخيار السعودي. وكما نعلم، ليس عند السعوديين مشكلة اقتصادية، كما أنهم يتعاملون بنجاح مع مقاربات أكثر صرامة تجاه الإسلام. فالمشكلتان اللتان تمنعان المصريين من تبني القطاع غير موجودتين عند محمد بن سلمان. وفي هذه الحال، سيعزز السعوديون قبضتهم على العالم الإسلامي، وسيسيطرون على معقل إيراني مهم ويحلّون مشكلة إسرائيلية قديمة. وفوق كل شيء، سيكون هناك سيد جديد في قطاع غزة، يعرف كيفية التعامل حتى مع المسلحين بالأدوات المناسبة كما حدث في اليمن"؛ وهذا وفقًا للتقرير الصهيوني.
ولم يقتصر إدخال اسم الخليج طرفًا في التهجير على هذا التقرير، فقد كانت مؤامرة تهجير أهالي غزة، محور نقاش خلال اجتماعات الحكومة الإسرائيلية بحسب ما نشرته وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية، والتي قالت إن النقاشات دارت حول وثيقة تعمّق المخاوف المصرية والعربية القائمة منذ أمد بعيد بأنّ "إسرائيل" تريد تحويل غزة إلى مشكلة لدول الجوار الفلسطيني، فأحيت ذكريات النكبة عند الفلسطينيين، عندما تمّ اجتثاث مئات الآلاف من جذورهم، سواء فروا أم أجبروا على ترك منازلهم خلال حرب العام 1948.
وأوضحت الوكالة أن تاريخ الوثيقة يعود إلى 13 تشرين الأول، أى بعد ستة أيام من عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، ونشرها لأول مرة موقع إسرائيلي محلي. وفي هذا التقرير، طرحت وزارة الاستخبارات، وهي وزارة تجري أبحاثا لكنها لا تضع سياسات، ثلاثة بدائل من أجل تغيير الواقع المدني في قطاع غزة، ووصف واضعوا التقرير هذا البديل بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء بأنّه الأكثر تفضيلا لأمن إسرائيل.
كما اقترحت الوثيقة نقل المدنيين في غزة إلى خيام في شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة لهم وممر إنساني غير محدد. كما سيتم، بموجب المقترح، إنشاء منطقة أمنية داخل "إسرائيل" لمنع الفلسطينيين النازحين من الدخول إليها. ولم يحدّد التقرير ماذا سيحدث لغزة بعد إخلائها من سكانها. ومن ناحية أخرى، أشارت الوثيقة إلى أن مصر لن تكون بالضرورة المحطة الأخيرة للاجئين الفلسطينيين؛ بل تحدثت عن مقترح "دعم مصر وتركيا وقطر والسعودية والإمارات للخطة، إما ماليًا أو باستقبال سكان غزة المهجرين كلاجئين ومواطنين على المدى البعيد".
وقد أصابت الوثيقة المسربة المسؤولين الإسرائيليين بحالٍ من الارتباك، فقد ذكر مسؤول إسرائيلي مطّلع على الوثيقة لـ"أسوشيتدبرس" أنها ليست ملزمة، ولم تكن هناك مناقشة موضوعية لها مع المسؤولين الأمنيين؛ بينما وصفها مكتب نتنياهو بأنها "ورقة مفاهيم"، ويتم إعداد أمثالها على جميع مستويات الحكومة وأجهزتها الأمنية.
وفي أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وخلال جلسة برلمانية مغلقة لنواب حزب الليكود الحاكم، قال نتنياهو إنه يسعى إلى وضع خطط لتنفيذ "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى، بحسب ما نقلت صحيفة "إسرائيل هايوم". كما رأى أن: "المشكلة الوحيدة التي تعترض تلك الخطة تكمن في الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين"، مؤكدًا في الوقت عينه أنه: "يعمل على حلها".
بدوره، قال النائب داني دانون من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو إن: "العالم يناقش هذا الأمر بالفعل، فوزير الهجرة الكندي مارك ميلر تحدث عن هذه الأمور علنًا، وكذلك فعلت نيكي هيلي، وهي المرشحة الجمهورية المحتملة للرئاسة الأميركية"، بحسب الصحيفة ذاتها. وأضاف: "يجب علينا تشكيل فريق في "إسرائيل" يعتني بتلك القضية، ويتأكد من أن كل من يريد مغادرة غزة إلى دولة ثالثة، يمكنه القيام بذلك"؛ وبحسب الصحيفة، نتنياهو ردّ على دانون قائلا: "نحن نعمل على ذلك".
الإمارات
أما بخصوص الإمارات، كان موقع “أكسيوس” الأمريكي قد كشف أن الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي وافقت حتى الآن على الخطة الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر. وذكر الموقع أنّ "أبو ظبي" أبلغت واشنطن و"تل أبيب" دعمها للخطة التي يصفها الفلسطينيون بأنّها تصفية علنية للقضية الفلسطينية ونكبة جديدة بعد نكبة العام 1948. وبحسب الموقع؛ فإنّ الرئيس الإماراتي محمد بن زايد أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن، في اتصال هاتفي بينهما، استعداد أبوظبي دعم مصر بالأموال للقبول بخطة التهجير.
كما كشف الموقع عن ضغوط يمارسها مشرّعون أمريكيون، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، على مصر للتجاوب مع رغبة "إسرائيل" بتهجير سكان غزة. وقال الموقع إن رسالة موجّهة من نواب أمريكيين إلى السفير المصري في واشنطن معتز زهران، دعت القاهرة إلى :"لعمل بشكل عاجل"؛ مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" ودول أخرى من أجل "إنشاء مناطق آمنة في جنوب غزة".
واليوم، ومع الضعف العربي الرسمي أمام العدوان الصهيوني وردعه عن ارتكاب عملية رفح المزمعة، ومع تسريبات صور الأقمار الصناعية بإنشاءات لخيام ومناطق عازلة داخل الحدود المصرية المقابلة لقطاع غزة، فإنّ هذه التسريبات، سواء بدعم الإمارات أو الدور السعودي الذي تتحدث عنه التقارير، تكتسب وجاهة ونرجو أن تُنفى عمليًا بإجراءات رادعة لإسرائيل وقبلها أمريكا التي توفر الغطاء والحماية للعدوان الصهيوني.