(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
في يناير/كانون الثاني 2019، وفي تحليل موجز لمعهد واشنطن، قال "نيري زيلبر" الصحفي والمحلل في سياسات وثقافة الشرق الأوسط، أن هناك تقاربًا تاريخيًا في المصالح بين "إسرائيل" ودول الخليج، مع قيام مسؤولين إسرائيليين بارزين بزيارات دورية هناك، وتطوّرا للتعاون الاستخباري بين الجانبين؛ حيث أصبح حدثًا منتظمًا، كما بدأت الروابط الثقافية والاقتصادية بالظهور تدريجيًا إلى العلن.
أضاف "زيلبر" أن المجال الأبرز في هذه العلاقات هو المجال السيبراني. فوفقًا للحسابات العلنية؛ استخدمت الحكومات العربية التكنولوجيا الإسرائيلية للدفاع عن أنظمتها ضد الهجمات الإلكترونية وللقبض على الإرهابيين، ولكن أيضًا لاستهداف المعارضين المحليين، ومن بينهم- كما يحتمل الصحفي- السعودي المقتول جمال خاشقجي.
منذ تلك المرحلة، تواترت التقارير حول هذا الملف. ووفقًا لصحيفة "واشنطن بوست"، أكد العديد من مسؤولي الاستخبارات الغربية أنه بالفعل بيعت برمجيات شركة "إن إس أو" إلى الرياض عبر شركة فرعية اسمها "كيو سايبر تكنولوجيز" [Q Cyber Technologies] ومقرها لوكسمبورغ. وعلى الرغم من أنه لم يتأكد علنيًا وجود رابط مباشر بين هذه الأدوات ومقتل خاشقجي، إلّا أنّ تقريرًا صادرًا عن صحيفة "هآرتس" أكّد أنّ ممثلين عن شركة "إن إس أو" قد التقوا مع اثنين من كبار مسؤولي الاستخبارات السعودية عدة مرات في العام 2017. وكان الهدف من تلك الاجتماعات، والتي انعقدت في العديد من المدن الأوروبية, هو بيع نسخ متقدمة من منظومة "بيجاسوس" يقال إنّ قيمتها وصلت إلى 55 مليون دولار.
تجدر الإشارة، بشكل خاص، إلى أنه في وقت لاحق من ذلك العام، نفّذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عملية قمع واسعة النطاق ضد معارضيه في الداخل. وبعد ذلك؛ ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن مساعدَيْن مقرَّبيْن من ولّي العهد المتورط في مقتل خاشقجي توسطا في صفقة "بيجاسوس"، وكان أحدهما قد سافر إلى "إسرائيل".
وفي مارس/أذار 2022، وقّع الاتحاد السعودي للأمن السيبراني مذكرة تفاهم مع شركة Spire Solutions، وذلك بعد عام من مشاركة Spire في فعالية AtHack التي أقامها الاتحاد السعودي للأمن السيبراني. ومن خلال البحث عن شركاء التكنولوجيا لدى Spire التي تعمل في السعودية والإمارات رسميًا، نجد بأنّ سبع شركات منها لها ارتباطات مع "إسرائيل"، أو هي شركات إسرائيلية بذاتها.
في ما يلي قائمة بأسماء الشركات الإسرائيلية التي تتعامل مع Spire:
1. شركة Mitiga: هي شركة حلول أمنية، تعمل بين "إسرائيل" وبريطانيا وأمريكا. أحد مؤسسي الشركة "أرييل بارنيس" عمل أكثر من 20 عامًا عقيدًا في وحدة الإنترنت 8200 الشهيرة، في جيش الاحتلال الإسرائيلي. وردت اسمها ضمن أكثر 50 شركة ناشئة إسرائيلية واعدة في العام 2024.
2. شركة Cyberbit: هي منصة تطوير مهارات سيبرانية. مؤسسها هو "آدي دار" الذي عمل مع شركة الأسلحة الإسرائيلية Elbit Systems لحوالي 14 سنة، قبل أن يقرر أن يُنشئ شركة Cyberbit، بالأحرف الأخيرة ذاتها من اسم الشركة. وشركة Elbit Systems تُعد المزود الرئيسي للمعدات الأرضية والمركبات الجوية من دون طيار لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ويعرض الموقع الخاص بهذه الشركة منصب عمل "مدير مبيعات في السعودية".
3. شركة Robust Intelligence: منصة إسرائيلية تعمل على حماية المؤسسات من ثغرات الأمن والسلامة الخاصة بالذكاء الاصطناعي. مؤسسها إسرائيلي، وكانت ضمن أكثر 50 شركة ناشئة إسرائيلية واعدة في العام 2024.
الشركات ذات الارتباطات الإسرائيلية التي تتعامل مع Spire:
1. شركة AlgoSec: هي شركة برمجيات لأمن الشبكات، لها مركز بحث وتطوير في "إسرائيل". رئيسها "يوفال بارون" أمريكي يهودي تخرّج من "جامعة بار-إيلان" في الأراضي المحتلة.
2. شركة Snowflake: منصة بيانات سحابية حديثة. افتتحت فرعًا لها في "إسرائيل" في العام 2021.
3. شركة SolarWinds: شركة أمريكية مطورة برامج. لديها فرع في "إسرائيل"، وكانت الشركة قد تعاونت مع شركة Prologic الإسرائيلية على مدار أكثر من 15 سنة، حيث تعدّ ممثلها الحصري في "إسرائيل".
4. شركة Alteryx: منصة للذكاء الاصطناعي لتحليلات المؤسسات. وتعمل في "إسرائيل" من خلال شركة One BI التي تقدم خدمات أكثر من 250 شركة إلى داخل "إسرائيل".
هناك شخصية محورية في هذا الملف، وهو "إيريل مارغاليت". وهو رجل أعمال ومستثمر وسياسي إسرائيلي، أسس شركة Jerusalem Venture Partners (JVP) في العام 1993، والتي أصبحت شركة رائدة في مجال رأس المال الاستثماري في "إسرائيل". وقد ظهر "مارغاليت" بصفة مسوق لشركات التكنولوجيا الإسرائيلية منذ اتفاقيات "أبراهام"، سعيًا نحو توسيع وصول هذه الشركات إلى السوق الخليجية. ويعلن مارغاليت أن قطاع التكنولوجيا هو المفتاح لإنشاء المرحلة التالية من اتفاقيات التطبيع.. ومن خلال هذه البوابة، كان طموح "مارغاليت" بالدخول إلى السوق السعودية. ومارغاليت رئيس صندوق JVP ترأس وفدًا من 14 مديرًا تنفيذيًا وغيرهم من رجال الأعمال البارزين إلى الإمارات للشروع في التعاون بين قطاعات الأعمال في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
لم يخفِ "مارغاليت" تطلّعه نحو السوق السعودية منذ أولى خطواته في السوق الخليجية. وقد صرّح لمجلة "المجلة" أن السعودية بحاجة إلى استراتيجيات تكنولوجيا زراعية وغذائية جديدة، حيث يعتقد أن بمقدوره تغطية هذه الحاجة للمملكة. كما أصرّ بأن الوقت قد حان للتعاون مع السعودية، وأن قطاع التكنولوجيا والاقتصاد بإمكانه أن يكون الجسر نحو تعاون الشركات الإسرائيلية مع السعودية.
نشرت صحيفة "إيلاف" السعودية، والتي تتخذ من لندن مقرًا لها، مقابلة مع إيريل مارغاليت في أواخر العام 2023، حين شارك تطلّعاته لتأسيس مركز للابتكار في الشرق الأوسط، واضعًا السعودية في مقدمة خياراته. وكشف موقع NoCamels الإسرائيلي، لأول مرة، بأنّ "مارغاليت" كان قد التقى بعدد لا بأس به من السعوديين الذين بادروا إلى أخذ خطوة نحو العمل معًا، وأضاف بأنه رأى اهتمامًا كبيرًا منهم.
من اللافت أن شركة CyberArk، وهي شركة تقنية إسرائيلية تقدم حلول أمن تكنولوجيا المعلومات، لها تعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. وأصدرت بيانًا، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت فيه وقوفها مع "إسرائيل"، وأكّدت أن بعض موظفيها انضموا إلى الخدمة الاحتياطية العسكرية مع جيش الاحتلال، وتبرّع آخرون للانضمام كذلك. وعند البحث في موقع الشركة، نجد بأنها تقدم خدماتها في السعودية عبر موزّع وسيط يدعى بـ Spire Solutions، وهي شركة حلول أمن سيبراني مقرها الإمارات.
إن لم تخشَ السعودية ولا البحرين ولا الإمارات على الأمن القومي العربي المخترق بواسطة هذه الشركات، والتي يمكنها الاطلاع على بواطن الأمور والاتصالات بين دول الخليج والدول الأخرى، فعلى الأقل لا بدّ وأن تخشى على أمنها القومي الذاتي وأمن مواطنيها.