مي خلف - الخليج أونلاين-
في ظل المفاوضات المستمرة بين أنقرة وتل أبيب لإغلاق ملف اعتداء جيش الاحتلال على سفينة "مرمرة" التركية عام 2010، تبقى غزة رهينة مثلث العلاقات بين الاحتلال وتركيا ومصر، وتحقيق الشرط التركي الثالث برفع الحصار عنها منوطاً بعلاقة أنقرة المتوترة مع القاهرة، والتي لن يتمكّن من تحسينها سوى تدخل سعودي ثقيل، مما سيمكن الاحتلال من التنسيق مع مصر فيما يخص رفع الحصار من الطرفين.
فبحسب ما ذكر المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، تسبي بارئيل، فإن الاحتلال الإسرائيلي اتفق مع تركيا على شرطين من أصل ثلاثة وضعتهم تركيا، وبقي الشرط الثالث وهو رفع الحصار عن غزة، الذي لم يتحقق بسبب تأكيد الاحتلال لمصر أنه "لن يتم رفع الحصار من طرف واحد" وأن "إسرائيل لن تقبل بإلحاق الضرر بمكانة مصر ومصالحها"، مما يعني أن الشرط الثالث لن يتحقق طالما العلاقات التركية-المصرية متدهورة.
وفي هذا السياق يذكر الكاتب أن العلاقات المصرية التركية تدهورت منذ عام 2013 على خلفية الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي ووقوف الحكومة التركية ضده دعماً لحركة الإخوان المسلمين في مصر. وتدهورت العلاقات أكثر عندما شجع السيسي الشعب المصري على مقاطعة تركيا وأوقف العمل باتفاقية اقتصادية تم توقيعها أثناء فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
وعلى عكس السياسة التي كانت متبعة فترة حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، يرى بارئيل أن عهد الملك سلمان مختلف ويتعامل بحسب سياسة خارجية أكثر فعالية وصرامة وحكمة. فبينما كانت السعودية في السابق تدعم مادياً المبادرات المصرية الإقليمية، أصبحت المملكة هي التي تخلق المبادرات وتدفع المنطقة للتفاعل معها والالتفاف حولها، وظهر ذلك عند تشكيل التحالف الإسلامي السني "لمحاربة الإرهاب"، أي لوقف التمدد الإيراني بالمنطقة، وكذلك في الحرب الدائرة باليمن.
وعليه أصبحت المملكة قادرة على "ثني أيدي" مصر والضغط على جاراتها في المنطقة. وفي هذا السياق يذكر الكاتب أن السعودية لم تتأثر من العلاقات السيئة بين مصر وتركيا، ولم تستعجل بتبني سياسة السيسي الهجومية ضد الإخوان المسلمين على الرغم من أن تنظيم "الإخوان المسلمين" ما زال على قائمة الإرهاب السعودية. وبدلاً من ذلك قرر الملك سلمان أن الوقوف بوجه إيران أكثر أهمية من الخلافات الداخلية، ومن أجل تشكيل تحالف سني يجب التعاون مع الإخوان المسلمين ومع حماس ومع تركيا أيضاً.
ولتحقيق الهدف المرجو من التحالف يرى بارئيل أن المملكة السعودية معنية بأن تكون هناك علاقات جيدة أو حتى علاقات صداقة بين أعضاء التحالف المختلفة بما في ذلك تركيا ومصر. وعلى الرغم من أن محاولات المملكة لإجراء مصالحة تامة بين مصر وقطر لم تؤد لنتائج مثالية، إلا أن المملكة لن تتنازل عن تحقيق المصالحة وتحسين العلاقات بين مصر وتركيا.
وعلى ضوء ذلك بادرت المملكة بحل الأزمة بين مصر وتركيا مستغلة أساليب ضغط على كل من البلدين لتحقيق النتيجة المرجوة. فمصر التي منحتها السعودية أكثر من 15 مليار دولار، وتنتظر استثمارات بقيمة تفوق الـ 30 مليار دولار، لن تستطيع رفض طلب السعودية التي تنقذها من الغرق. وتركيا، العالقة في أزمة سياسية مع إيران على خلفية سياستها تجاه نظام الأسد في سوريا، والتي لم تكن علاقاتها قوية مع الدول العربية وجدت نفسها وحيدة إلى حد كبير.
وعليه، فإن فتح السعودية الباب لتركيا جعلها شبّاك فرص ذهبي سيسعى الرئيس التركي أردوغان الاستفادة منه. فبحسب تقارير صدرت من تركيا ومصر، وافقت تركيا على الاعتراف بنظام السيسي مقابل أن يلغي أحكام الإعدام التي أصدرت ضد قادة ونشطاء في حركة الإخوان المسلمين. على الرغم من ذلك، ينكر الجانب المصري علناً وجود مبادرة سعودية للمصالحة مع تركيا، وفي تركيا ينكرون الإنكار المصري وأعلنوا أن السفير التركي المرشح له دور فعال بالعمل على المصالحة.
وبحسب رأي الكاتب فإنه من غير الواضح ما إذا كان النظام المصري ينوي حقاً تنفيذ أحكام الإعدام، خاصة بعد الضجة التي حصلت على إعدام السعودية لنمر النمر، لكن أحكام الإعدام تحمل رمزية ومعان سياسية ودبلوماسية. وعليه، يجب على السيسي إيجاد صيغة "تحفظ ماء وجهه" حين يقرر إلغاءها بطريقة يظهر فيها منتصراً من جهة، ومحققاً للطلب التركي من ناحية أخرى.
ويضيف بارئيل وجود مؤشرات أخرى تزيد من احتمال تحسن العلاقات التركية المصرية، مثل تجاوب مصر مع دعوة تركيا لمؤتمر الدول الإسلامية الذي سيجري في أبريل/ نيسان المقبل. إلى جانب تصريح وزير الخارجية المصري بداية الشهر الحالي حول "ضرورة تصحيح العلاقات التركية المصرية لأن المنطقة تحتاج لهذه العلاقات".
وبالطبع، مستقبل الحصار على غزة متعلق بشبكة العلاقات المتصدعة هذه، وهنا يقول بارئيل إنه على الرغم من تصريح مصر بأنها "غير مضطرة لفتح معبر رفح حتى وإن تحسنت علاقات تركيا مع إسرائيل"، إلا أنه بحسب مسؤول تركي "مصر لا تريد أن تبقى هي الدولة الوحيدة التي تفرض حصاراً على غزة، وأن تحتفل إسرائيل وتركيا على حسابها". وعلى ضوء ذلك، تحولت غزة إلى رهينة مثلث العلاقات بين تركيا ومصر والاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يفك عقده الكثيرة إلا تدخل على مستوى ثقيل من السعودية لتصحيح علاقات مصر بتركيا، ومن ثم اتفاق مصري إسرائيلي على طبيعة رفع الحصار وآليته.