الإندبندنت البريطانية- ترجمة شادي خليفة -
عندما وصل «دونالد ترامب» إلى السعودية في أول زيارةٍ له إلى الخارج كرئيس للولايات المتحدة في مايو/أيار، بذل المسؤولون في الرياض جهدًا مدهشًا لتعزيز فكرة الوحدة في العالم الإسلامي، ودعوْا أكثر من 100 من قادة الدول الإسلامية لحضور المؤتمر الإسلامي العربي الأمريكي مع الرئيس الجديد.
وأشار النقاد إلى أنّ التحالف بقيادة السعودية الذي يساهم في كارثة اليمن يكتسب المزيد من القوة بهذه الفكرة. ولكن حتى في الوطن الأقرب، كانت الحكومة السعودية قد بدأت للتو حربًا على بلدة في شرق البلاد المضطرب، في معركةٍ لا تزال مستعرة على الرغم من تلقيها تغطيةً إعلامية قليلة جدًا داخل المملكة المحافظة وخارجها.
وتحاط العوامية، وهي بلدة عمرها 400 عام في محافظة القطيف الشرقية التي يقطنها نحو 30 ألف شخص، بحواجز للحصار وضعتها أجهزة الأمن منذ بدأ الأحداث في 10 مايو/أيار.
ومنذ ذلك الحين، تدهور الوضع سريعًا. ويقول السكان المحليون أنّ ما لا يقل عن 25 شخصًا لقوا مصرعهم من خلال القصف ونيران القناصة، كما أنّ الصور المزعومة من شوارع المدينة والتي تغطيها الأنقاض والصرف الصحي تبدو وكأنّها مشهد من سوريا أكثر من كونها مدينة خليجية غنية بالنفط.
تحت الحصار والصمت
ومن الصعب التحقق من المعلومات القادمة من العوامية. فلا يُسمح لوسائل الإعلام الأجنبية بالاقتراب من المنطقة دون إذن حكومي، مما يعني أنّ العالم يعتمد على وسائل الإعلام الحكومية السعودية التي تسيطر عليها الدولة بشدة، والمواقع الإخبارية التي تركز على الشيعة ووسائل الإعلام الاجتماعية التي لا يمكن الاعتماد عليها من داخل المدينة، حتى للحصول على أصغر لمحة عما يجري.
ولا يمكن التحقق بشكلٍ مستقل من الصور المأساوية لجرحى نتيجة القناصة والتدمير الذي لحق بالمنازل والمحلات التجارية.
لكنّ الصورة التي رسمها العديد من الباحثين والسعوديين الذين تحدثوا إلى «إندبندنت»، وكذلك أحد المتظاهرين المسلحين داخل المدينة المحاصرة واثنين من الناشطين السلميين المؤيدين للعوامية الذين يعيشون الآن خارج البلاد، تقول أنّها حالة إنسانية لا يمكن التغاضي عنها.
وقال ناشطٌ مسلح مناهض للحكومة في مقابلة نادرة مع وسائل الإعلام الغربية: «كنت متظاهرًا سلميًا، كما كان معظمنا في العوامية، حتى قررت الحكومة إدراجنا كإرهابيين مطلوبين. وكل ما قمنا به هو الاستمرار في الدعوة للإصلاح. ولأننا لم نخش النظام، فقد استهدفوا المدينة بأكملها».
وقال أنّ القوات الحكومية اقتحمت منزله فى بداية الحصار، وضربوا زوجته، وأشهروا الأسلحة في وجه ابنته البالغة من العمر 5 أعوام، ورفعوا طفلة عمرها ثمانية أشهر وروعوها.
ويقول الناشط: «قالوا للطفلة الصغيرة، سنقتل والدك ونلقي برأسه بين قدميك».
وأضاف: «لم يكن لدينا خيار. كان الدفاع عن حياتنا ونسائنا واجب. وقد دُمرت منازلنا بالقذائف، وإطلاق النار الثقيل، وطلقات آر بي جي ... الجميع هنا عبارة عن أهداف».
وكانت العوامية قد أُغلقت بحواجز الطرق قبل ثلاثة أشهر، بعد أن رفض السكان المحليون الامتثال لقوات الأمن التي جلبت الجرافات ومعدات البناء الأخرى لتنفيذ أوامر بهدم المنطقة القديمة وإعادة تطويرها.
اضطرابات متكررة
وشهدت المنطقة نوبات دورية من الاضطرابات منذ الربيع العربي عام 2011 لوضع حد للتمييز ضد المواطنين الشيعة الأقلية.
وتدّعي الرياض من جانبها أنّ المتظاهرين المسلحين في العوامية إرهابيون يعتزمون زعزعة استقرار البلاد ككل، ويجب أن يتوقفوا عن استخدام المباني المهجورة في المدينة واستغلال الشوارع الضيقة كمخابئ.
ويواجه الصحفيون والنشطاء الحقوقيون على حدٍ سواء صعوبة في تحديد هوية من هم المسلحون، ومن أين تأتي أسلحتهم، وكم عددهم. ورفض مصدرٌ مسلح داخل العوامية التعليق على حجم أو أصول القوة القتالية، متعللًا بالأسباب الأمنية.
وأكد ناشطون آخرون مؤيدون للعوامية على أنّ الدافع وراء هدم الحي هو الرغبة في القضاء على المدينة المتمردة.
وقال «آدم كوغل»، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط لـ هيومن رايتس ووتش: «لقد وثقت الصراع في المملكة العربية السعودية من قبل، ولكن لم يكن هناك شيء من هذا القبيل. لقد رأيت احتجاجات، ولكن لم تكن مسلحة».
وأضاف: «التفاصيل محدودة على الأرض. لكن ما هو واضح أنّ هناك اشتباكات عنيفة بين الدولة ومواطنيها في مدينة سعودية في الوقت الراهن، وهذا أمرٌ غير مسبوق».
ويخشى العديد من سكان العوامية مغادرة منازلهم بسبب القصف والقناصة، على الرغم من أنّه تم فصل خطوط المياه والكهرباء في العديد من المناطق، مما تركهم دون مياه عذبة أو مكيفات الهواء في حرارة الصيف الحارقة.
وقال ناشطٌ أمريكي، تعود أصوله إلى المدينة، أنّ «الناس يخشون من أنّ بعض الجثث تركت في الشوارع لعدة أيام».
وذكرت عدة تقارير أنّ سيارات الإسعاف والصرف الصحي واجهت صعوبة في الوصول إلى البلدة بعد احتجازها عند نقاط التفتيش، مما أسهم في ظروفٍ إنسانية شديدة الصعوبة.
وكانت العوامية أيضًا موطنًا لـ«نمر النمر»، رجل الدين الشيعي المؤثر الذي أُعدم بتهمة الإرهاب العام الماضي. وأدت وفاته إلى مظاهراتٍ في جميع أنحاء العالم.
وقال «علي الدبيسي»، رئيس المنظمة السعودية العربية لحقوق الإنسان، الذي هرب من البلاد عام 2013 بعد احتجازه وتعذيبه من قبل الدولة، أنّ المواجهة الحالية في المدينة لا يمكن أن تُختزل في قضية طائفية.
وقال: «عندما قتلوا الشيخ نمر، أعدموا أيضًا 4 من الشيعة و 43 من السنة، لذلك هناك ما هو أكثر من ذلك في هذا الوضع».
وأضاف: «أعتقد أنّهم سيدمرون بنفس الطريقة أي منطقة للمعارضة. فما يريدونه هو تفريغ البلدة من الناس وإغلاقها بشكلٍ كامل، لإنهاء الاحتجاجات».
وفي يوم الجمعة الماضي، أصدرت السلطات السعودية مرةً أخرى إخطارات بإخلاء العوامية من السكان، وأمرتهم بالمغادرة عبر طريقين محددين، والتلويح بملابس بيضاء.
وترافق هذا الأمر مع اشتداد المعارك التي قُتل فيها 7 أشخاص على الأقل، وفق وسائل الإعلام السعودية. ويتهم الناشطون السلطات بإطلاق النار عشوائيًا على المدنيين ومنازلهم وسياراتهم، فيما نفت الرياض ذلك.
وقال الناشط، الذي يقيم في الولايات المتحدة، أنّ مئات الأشخاص هربوا منذ ذلك الحين، من بينهم عددٌ يصل إلى 90% من السكان المحليين، وهو ما يترك نحو 3 آلاف إلى 5 آلاف شخص فقط داخل المدينة. وفي حين تم توفير بعض المساكن للسكان في المدن المجاورة، فقد تم الحديث حول أنّها ليست كافية بما يكفي لمواجهة الطلب المتوقع.
وفي شهر مايو/أيار، أدانت الأمم المتحدة خطط إعادة التطوير، متهمةً السلطات بمحاولة إجلاء السكان من العوامية قسرًا دون تقديم خيارات كافية لإعادة التوطين، في عملية تهدد «التراث التاريخي والثقافي للمدينة بضررٍ لا يمكن إصلاحه».
غير أنّ العالم الخارجي لا يزال غير مدرك إلى حدٍ كبير للاضطرابات التي يشهدها شرق السعودية.
ويقول «الدبيسي»: «هذه أزمة حقيقية. ولا أحد يعرف عنها بالرغم حتى من وجود وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من وجود الإنترنت». وأضاف: «في السعودية، إذا كنت تريد قمع حقوق الإنسان وتريد القضاء على المعارضة، فذلك ممكن بنسبة 100%، حتى ونحن في القرن الحادي والعشرين».