ستراتفور - ترجمة شادي خليفة -
هبت رياح التغيير على المملكة العربية السعودية، وقد تصل قريبا إلى قمة النظام الملكي في البلاد، وفي وسط التحولات الاقتصادية والسياسية الكاسحة الجارية في جميع أنحاء البلاد، تجري التوقعات حول مزيد من التعديلات القادمة، ومن أهمها التنازل الوشيك من قبل الملك عن العرش، حيث يشاع أنه يخطط لذلك في المستقبل القريب من أجل تمهيد طريق العرش لولي العهد الجديد «محمد بن سلمان».
وسيأتي رحيل الملك في الوقت الذي تكافح فيه البلاد من أجل وضع خطة طموحة للإصلاح الاقتصادي الملح، لكن هناك العديد من تفاصيل البرنامج غير واضحة أو غير مستقرة، ويجري تنقيح التدابير التي بني عليها بشكل كبير برنامج التحول الوطني، بعد أكثر بقليل من عام من تقديمه.
ولدى السعودية، شأنها في ذلك شأن جيرانها الخليجيين، ميل لصياغة مبادرات اقتصادية مدتها 5 أعوام، وقد فعلت ذلك مرارا منذ عام 1970، ومع ذلك، نادرا ما أعادت النظر في تلك الخطط بعد وقت قصير من تنفيذها.
وفي الوقت الذي تعيد فيه الرياض النظر في نهجها، من المرجح أن تضع أهدافا أكثر قابلية للتحقيق بالنسبة لأرباب العمل في القطاع الخاص، مع تحديد طرق جديدة لتحقيق إيرادات من مصادر أخرى غير النفط الذي تعتمد عليه حاليا.
وحتى المحور الرئيسي من حزمة الإصلاحات متعددة الطبقات في المملكة، المتمثل في الطرح العام الأولي لجزء من شركة النفط السعودية العملاقة المملوكة للدولة «أرامكو»، فقد يتأخر حتى عام 2019، أي بعد عام من الموعد النهائي المحدد.
وجاءت محاولة الرياض لإصلاح الاقتصاد السعودي بالتوازي مع محاولة لتجديد السياسة في البلاد، وبالإضافة إلى تحديث قواعد خلافة العرش، عين الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» ابنه «محمد بن سلمان» وليا للعهد، وبعد الكثير من تخفيف سلطات الوزارات وإعادة توزيع تلك السلطات في لجان جديدة ترجع إلى الأمير الشاب، لم يضيع ولي العهد الجديد أي وقت لينشئ مديرية جديدة مسؤولة عن الأمن، استحوذت على بعض المهام الاستخباراتية، إضافة إلى مهام التحقيق الشرطية.
ومن شأن تنازل الملك المتوقع عن العرش أن يمثل تغييرا سياسيا أكثر وضوحا، حيث يعتلي العرش أصغر ملك سعودي منذ ما يقرب من قرن من الزمان، ليصبح أول ملك أيضا من الجيل الثالث من نسل مؤسس المملكة العربية السعودية «عبدالعزيز آل سعود».
تمهيد الطريق
ولا يعد قرار الملك بالتنحي موضع شك، ولكن السؤال: متى يحدث ذلك؟ غير أن المؤامرة الحقيقية تكمن في التغييرات التي يبشر بها هذا التحول في جوهر البلاد، في العادات الاجتماعية الصارمة والإسلام السياسي الذي يشكل العمود الفقري للمجتمع السعودي، ومن أجل تمهيد الطريق لاقتراب قيادته للمملكة، من المرجح أن يشدد ولي العهد قبضته على التعبير السياسي، حتى فيما يتعلق بالإصلاح الاجتماعي.
وقد تم توضيح هذه الحملة في سلسلة من الاعتقالات الأخيرة التي أثارت تساؤلات حول الدوافع وراءها، وقد احتجزت السلطات حتى الآن هذا الشهر عشرات من النشطاء والعلماء ورجال الدين الشعبيين، وبعضهم مرتبط بالحركة الموالية لـ«الإخوان المسلمون».
وبالطبع، قد يكون هناك تفسير بسيط للاعتقالات، فقد تكون مجرد جزء من النزاع السعودي المستمر مع قطر، وقد دعا الشيوخ قبل اعتقالهم علنا إلى إصلاح العلاقات مع الدوحة، ووجدت الرياض موقف رجال الدين مثيرا للقلق، خاصة أنهم يتمتعون بملايين المتابعين عبر تويتر، الأمر الذي يعطيهم القدرة على تشكيل الرأي العام.
وعلى نفس المنوال، من المنطقي أن نتوقع من ولي العهد محاولة كبح جماح المعارضة الشعبية، ونظرا لشعبية تويتر في المملكة، فلدى الأسرة الحاكمة كل الأسباب لإسكات الأصوات المؤثرة التي دعمت الروايات المتناقضة مع رواية الرياض.
ولا تعد الاحتجاجات مألوفة في المملكة، خاصة فيما يتعلق بقضايا السياسة، وعلى الرغم من أن المظاهرات الجماهيرية ضد الأسرة الحاكمة نادرة، فإن الدعوة إلى المعارضة الشعبية قد عممت على نطاق واسع على قنوات التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة، ويبقى من غير الواضح ما إذا كان الجمهور سيستجيب فعلا لهذه الدعوات على الأرض، لكن حتى وإن كان احتمالا ضعيفا، فلا يمكن للرياض أن تتجاهله في مثل هذا المنعطف الحرج.
تغييرات أكبر
ومع ذلك، قد تنذر الاعتقالات الأخيرة أيضا بتغيير أكبر وأكثر تدرجا يجري حاليا، وعلى غرار دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة، قد تتخذ السعودية موقفا أكثر صرامة ضد الحركات الإسلامية التي تشبه جماعة «الإخوان المسلمون» وأيديولوجيتها المناهضة للمؤسسة.
وينتمي المعتقلون، على كل حال، إلى صفوف رجال الدين المستقلين في المملكة، وليس أولئك الذين يعملون عن كثب مع العائلة المالكة ويعتمدون على الرياض للحصول على الدعم المالي والسياسي.
وسيكون مصير زملاء ورفاق السجناء المستقلين في الأشهر المقبلة مؤشرا مهما على ما إذا كانت بعض طوائف الإسلام السياسي يجري إسقاطها حقا في المملكة، وعما إذا كان هناك مناخ اجتماعي أكثر ليبرالية في طريقه إلى الظهور.
وفي الوقت نفسه، تشير مصادر «ستراتفور» إلى أنه عندما يعتلي ولي العهد العرش، فإنه يخطط للفصل بين مسمى «الملك» و«خادم الحرمين الشريفين» اللذين يترابطان حاليا، (يشير اللقب الأخير إلى سيطرة المملكة على مكة والمدينة المنورة، وهما من أقدس المواقع الإسلامية)، وعلى الرغم من أن الملوك السعوديين استخدموا اللقب الثاني فقط منذ الثمانينات، لكنه يعود لقرون من الزمن ويهدف استخدامه إلى الربط بين شرعية المملكة وقوتها الدينية في العالم الإسلامي.
وإذا تخلى ولي العهد عن ذلك، فمن شأن هذه الخطوة أن تحول الملك إلى زعيم مدني علماني، بدلا من شخصية الأب الروحي للمسلمين حول العالم، وعلى الرغم من كونه تعديلا صغيرا في بعض النواحي، لكنه قد يعبر عن ميل كبير من قبل الحاكم الشاب لصياغة طريق جديد للمملكة، في الوقت الذي يتعامل فيه مع المعارضة طوال الطريق.