مضاوي الرشيد - كلية لندن للاقتصاد-
يكافح «محمد بن سلمان» حاليا من أجل ترسيخ أقدام المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية كبرى على قدم المساواة مع تركيا وإيران و(إسرائيل). ويثني كل من هذه القوى عضلاته في الوقت الحالي في محاولة للظهور كقوة مهيمنة تشكل نتيجة العديد من الصراعات في العالم العربي. وفي هذا الصراع الإقليمي الساخن، تتشكل تحالفات جديدة وتنهار أخرى قديمة.
إيران والعراق
وقد واصل الأمير السعودي الشاب الخطاب المناهض لإيران، الذي يعود إلى عهد الملك عبد الله (2005-2015). وعلى نحو غير متوقع، أعلن مؤخرا أنه مصمم على جلب المعركة إلى قلب إيران، وهو بيان يرقى إلى إعلان الحرب. وحضر الأمير السعودي والمدير السابق لجهاز الاستخبارات، «تركي الفيصل»، مؤتمرين عقدتهما المعارضة الإيرانية في الخارج، ومن أبرزها مجاهدي خلق، وهي حركة معارضة تجمع بين الإسلام والماركسية. وفي عهد الملك «سلمان»، استمرت الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران دون حل في الأفق. وكانت آخر ساحة قتال بالوكالة بينهما هي اليمن، منذ عام 2015، حيث اتهمت السعودية الإيرانيين بدعم التمرد الحوثي.
وتدهورت العلاقات السعودية مع إيران بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، في الوقت الذي اتهم فيه السعوديون الولايات المتحدة بإخراج «صدام حسين» من السلطة فقط لتسليم البلاد إلى الإيرانيين. وأدى الاحتلال إلى زيادة توسيع النفوذ الإيراني في العالم العربي، وهو تهديد حذر السعوديون منه. واليوم، تحضر إيران بقوة في العراق، من خلال دعم حكومة بغداد والميليشيات المختلفة، وأبرزها قوات الحشد الشعبي، التي قامت بتسليحها ودعمها منذ عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الآونة الأخيرة، لأسباب داخلية بحتة، أثبتت الحكومة العراقية برئاسة «حيدر العبادي» استجابة أكبر للتقارب مع السعودية أكثر مما كان مع رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي». ووعدت ثلاث زيارات رسمية إلى العراق ببدء عهد جديد من العلاقات السعودية العراقية. وزار وزير الخارجية «عادل الجبير» بغداد في 25 فبراير/شباط، تلاها زيارة رئيس الوزراء «العبادي» الذي وصل إلى الرياض في يونيو/حزيران للقاء الملك. وتبع ذلك اجتماع مع وزير النفط العراقي.
ومع ذلك، ذهبت السعودية إلى أبعد من ذلك بدعوة رجل الدين الشيعي المتشدد «مقتدى الصدر» إلى الرياض. ورحبت الحكومة العراقية بالعرض السعودي لحشد الدعم العربي وتقويض أي اتهامات بالسياسة الطائفية الشيعية. وكان ذلك ملحا بشكل خاص بعد تحرير الموصل، حيث يكافح السكان السنة منذ ذلك الحين للعثور على فضاء سياسي في العراق في فترة ما بعد تنظيم الدولة. وفي معركة الموصل، تم ارتكاب العديد من الفظائع على يد القوات والميليشيات العراقية الشيعية الرسمية وشبه العسكرية المنتشرة في أنحاء العالم العربي بحق السنة. وحاول «العبادي» أن يعيد صياغة نفسه كزعيم لجميع العراقيين بدلا من الشيعة فقط، وقد تساعد العلاقات الجيدة مع السعوديين بعض الشيء في تحسين صورته.
وعلى الجانب السعودي، كان هناك فهم متأخر بأن سياستهم السابقة المتمثلة في نبذ العراق، في حقبة ما بعد عام 2003، قد عجلت بالانجراف المستمر نحو المدار الإيراني. ولكن بدون موافقة إيران، ستجد السعودية صعوبة في التصالح مع العراق، وخاصة بعد عدة عقود من الحروب الإعلامية وتبادل اتهامات الإرهاب والطائفية والعداء العام. وتهدد الميليشيات الإيرانية التي تعمل على الأراضي العراقية أي مصالحة حقيقية بين البلدين. وعلاوة على ذلك، تمثل سياسة الرياض غير المنتظمة التي يتبعها «محمد بن سلمان» عقبة أخرى أمام أي انفراج إقليمي بين الجارتين. ومن غير المحتمل أن تعود العلاقات السعودية العراقية إلى التطبيع قبل الانتخابات العراقية المقبلة في عام 2018. وحتى لو كانت الرياض تسعى إلى التعاون الحقيقي مع بغداد، فإن موافقة إيران ستظل حاسمة لمزيد من التطبيع، ناهيك عن التعاون.
تركيا و(إسرائيل)
وقد انحازت تركيا، التي كانت تعتبر شريكا وثيقا للسعودية خلال الحرب الأهلية السورية، إلى جانب قطر في آخر الأزمات السعودية القطرية في مايو/أيار، عندما وقعت دولة الخليج الصغيرة تحت العقوبات من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وتعكف تركيا حاليا على تعزيز وجودها العسكري في قطر، حيث تمركز عدة آلاف من الجنود هناك استعدادا لأي تهديد للإمارة الصغيرة. وفي خطوة لم يسبق لها مثيل، ساهمت السعودية في تفاقم الصراع مع قطر، عندما حاولت الترويج لأحد أبناء أسرة آل ثاني المالكة في قطر كأمير بديل، مما أدى إلى تعميق الصدع الذي لا يزال مستعصيا. وقد أثبتت هذه الحلقة الأخيرة في العلاقات بين دول الخليج تقويضا خطيرا للتعاون والوحدة. والأهم من ذلك، كما هو الحال مع الصراعات الإقليمية الأخرى في العالم العربي، اغتنمت القوى الإقليمية تركيا وإيران و(إسرائيل) الفرصة للتدخل وملئ الفراغ. وأيدت (إسرائيل) المملكة وحلفاءها عندما أعلنت نيتها إغلاق مكتب الجزيرة في القدس في يوليو/تموز.
وقد يكون «محمد بن سلمان» قد حقق نجاحا مع (إسرائيل)، التي يطلق عليها الآن سخرية لقب الدولة السنية الأحدث، في محاولة منه لتشكيل تحالف إسلامي ودولي ضد إيران وقطر. وواصل التعاون السري مع (إسرائيل) في المسائل الأمنية والاقتصادية. وفي يوليو/تموز عام 2016، زار وفد سعودي من الأكاديميين ورجال الأعمال (إسرائيل) بهدف إقامة علاقات سرية، وكان الغرض منها تعزيز القدرات العسكرية السعودية وإشراك (إسرائيل) في أي مواجهة مسلحة مع إيران. كما أصبح لدى السعودية صلة جغرافية واستراتيجية جديدة مع (إسرائيل)، بعد أن تخلت مصر عن جزيرتي صنافير وتيران في البحر الأحمر إلى المملكة. وتطل الجزيرتين على مضيق تيران، الذي يعد خط وصول (إسرائيل) الوحيد إلى البحر الأحمر، وقد تكون في المستقبل بمثابة منصة لإطلاق تعزيز التعاون العسكري والأمني بين (إسرائيل) والمملكة.
ويجري حاليا تهيئة الجمهور السعودي من أجل تعاون أكبر مع (إسرائيل)، وخاصة من خلال وسائل الإعلام التي ترعاها السعودية، وهي الآن أكثر انفتاحا على المقالات التي لا تنتقد بشكل علني الاحتلال الإسرائيلي ومعاملته للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. كما انتقدت السعودية قطر لدعمها حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، التي تعتبرها الآن منظمة إرهابية. ومن المؤكد أن «محمد بن سلمان» قد أدخل السرور على الإسرائيليين بذلك، وأكد لهم استعداده لبذل المزيد من أجل تعزيز التعاون. ومع ذلك، لا ينبغي أن نتوقع رفع العلم الإسرائيلي في الرياض قريبا. وسوف يستغرق هذا بعض التحضير والتنسيق ودراسة المخاطر في هذه الخطوة المثيرة للجدل بالنسبة للأمير الشاب الطموح.