فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
تتجنب الدول الكبرى الانخراط في جبهتين، وخاصة على المستوى العسكري، فمن أهم أسباب هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية هو فتحه لمواجهة أمام الاتحاد السوفيتي في الشرق، فيما كان مطلوبًا منه أن ينهي جبهة مفتوحة بالفعل مع بريطانيا في الغرب.
هذا ما يخص القوى الكبرى، وقد كانت ألمانيا النازية في زمنها قوة كبرى، تمكنت من إخضاع كل أوروبا –عدا روسيا وبريطانيا- لحكمها، وبقيت لندن أسيرة للقصف الألماني، وتمكن الفيرماخت من احتلال 1/3 مساحة روسيا الهائلة، في ظرف شهور.
ما وقعت فيها ألمانيا العظمى تختبره المملكة في جبهة اليمن جنوبيًا، بعد فتحها لجبهة سورية في الشمال، وبينما يتأكد انتصار بشار الأسد وحلفائه، ننتظر واقعة قادمة لا محالة، فالسوريون لن ينسوا مهما طال المدى ومهما تطلب الأمر للم شتات دولتهم من جديد، ثأرهم مع الأسرة المالكة، لديهم ثأرهم الخاص مع المملكة، أفغانستان حاضرة لدى الروس، والتدخل في الشأن اللبناني سيغذي حزب الله الخارج لدور يتعدى حدود الشام، أما إيران، فما أدراك ما غضب إيران.
إذًا ما الذي يمنع سلمان وابنه المغتر من لملمة أوراقهم للاستعداد للتحدي القادم، وهو أصعب وأقسى من مواجهات الحوثيين وصالح، والأهم أنه يملك القدرة على توجيه ضربات قاتلة، ليس في ساحات المعارك فقط، ولكنها ضربات لمستقبل الدولة السعودية ذاتها، تجعل من المشكوك فيه استمرارها دون تفكك، وهو كابوس ممكن، وليس من نسج خيال.
بداية، لا ينبع التدخل العسكري الفاشل، المستمر منذ 2015، من حق وطني ولا من حقيقة إستراتيجية، فالتدخل خاصم العقل فقهرته الفضيحة، مجموعات من المقاتلين بعزم لا يلين تمكنوا من تجاوز تفوق السلاح، وإثبات القاعدة التاريخية المتجددة، أن الإيمان هو أول أسباب النصر، وأن الحق الذي تسنده القوة لا يهزم.
تدخل سلمان، ومن ورائه العائلة المالكة لمنع ميلاد أسطورة جديدة في اليمن، كحزب الله اللبناني، فتحوّل الحوثيون إلى كيان جديد يقض مضاجع الملك السعودي وابنه الطامع في قيادة إقليمية، وقد سقطت مفاتيح السيطرة على أركان دولته بفعل الصواريخ اليمنية.
الطغيان العسكري من شاب لم يفكر أبعد من موضع كرسيه المهتز فقد شروط النصر الأولية، والأهم أن تحول من تدخل إلى تورط، فلن يستطيع سلمان أو ابنه الانسحاب إلا وقد أقرا بالهزيمة، وهو ما يؤدي فورا لتضعضع الدولة السعودية القائمة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
اندفعت المملكة وراء الأطماع المتزايدة لرهان على الوجود، في حين لم يكن مطلوبًا منها ذلك، فتحول الرهان إلى رهان على الصفر أو أقل، فالحرب مع طول أمدها، تقهر الواقع اليومي للمواطن، والاقتصاد يعاني بشكل غير مسبوق، والآلة الإعلامية للمملكة تدافع عن تصرفات أقل ما توصف به "الحمق والصبيانية"، وتعبير "ملك الحزم" الذي أطلقه سلمان على نفسه يتحول لـ"نكتة" سخيفة تبكي القلوب القلقة على الغد.
معيشة المواطن العادي تأثرت، والخدمات في كل دول الخليج لا تقارن على الإطلاق بالخدمات في المملكة، ومستويات المعيشة ارتفعت بشكل مذهل من حولنا، ومتوسطات الدخل في قطر والإمارات أضعاف مثيلها عندنا، فيما تراجعت المخصصات والمرتبات والمزايا للمواطن السعودي، تبعًا لتراجع الإنفاق العام، مقابل إطلاق غير محدود للإنفاق العسكري، سعيًا وراء سراب حسم لن يحدث إلا في خيالات بن سلمان.