DW- بالعربية-
فيما اعتبر البعض اعتقال أمراء سعوديين بتهم مرتبطة بالفساد أنه سيعزز مناخ الاستثمار في المملكة، يرى مراقبون أن هذه الحملة تعد خطوة متقدمة على طريق تولي الأمير محمد بن سلمان عرش السعودية بعد تنحيه منتقديه ومنافسيه.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مستمر في تثبيت نفوذه وتشديد قبضته في السعودية، فبعد توليه الكثير من المناصب المفصلية في المملكة على مدى الأشهر القليلة الماضية، أمر مساء السبت (الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017) باحتجاز 11 أميراً والعشرات من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، إضافة إلى الكثير من رجال الأعمال المتنفذين.
وقُبيل هذه الخطوة التي وصفها مراقبون بـ"الزلال الذي هز المملكة"، صدرت أوامر ملكية بإعفاء وزير الحرس الوطني ووزير الاقتصاد والتخطيط وإحالة قائد القوات البحرية إلى التقاعد. وجرت حملة الاعتقالات بعد ساعات قليلة على تشكيل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لجنة لمكافحة الفساد أسند رئاستها إلى نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وبحسب الأمر الملكي فإن اللجنة مكلفة "حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام"، وقد باشرت التحقيق في الفيضانات التي شهدتها مدينة جدة الواقعة في غرب المملكة على البحر الأحمر في 2009 وادت إلى مقتل 123 شخصاً وتشريد الآلاف.
ومنح الملك سلمان اللجنة صلاحيات "التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال".
استراتيجية مزدوجة
ويعمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إحكام قبضته في السياسة والاقتصاد، بحسب ما يرى محللون، عبر استراتيجية مزدوجة: التصدي لأي معارضة، واستقطاب الجيل الشاب إلى حلقة طموحاته. واتخذ الأمير الشاب منذ تعيينه في منصبه في حزيران/ يونيو الماضي إجراءات سياسية وأمنية عديدة بهدف تعزيز نفوذه في المملكة قبل أن يُتوج في المستقبل ملكاً خلفاً لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز (81 عاماً).
وتعهد في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر بقيادة مملكة معتدلة ومتحررة من الأفكار المتشددة، في تصريحات جريئة شكلت هجوماً عنيفاً ونادراً من قبل مسؤول سعودي رفيع المستوى على أصحاب الأفكار المتشددة في المملكة المحافظة التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة بوادر انفتاح اجتماعي.
وقال الأمير محمد متحدثاً خلال منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي أقيم في الرياض "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب"، مضيفاً "70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفوراً".
وعلى صعيد الإصلاح الاجتماعي، اتخذت السعودية مؤخراً خطوة تاريخية إذ سمحت للمرأة بقيادة السيارة اعتباراً من حزيران/ يونيو المقبل، وألمحت إلى إمكانية السماح بإعادة فتح دور السينما قريباً، كما أعادت بعض الحفلات الغنائية إلى دور الموسيقى في الرياض وعلى شاشة القناة الرسمية الثقافية. وشهدت السعودية في أيلول/ سبتمبر الماضي حملة توقيفات شملت اكثر من 20 شخصاً بينهم رجال دين بارزون وشخصيات معروفة.
ورأى محللون أن بعض الموقوفين معارضون للسياسة الخارجية المتشددة التي تتبعها السعودية حالياً، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة مع الجارة قطر، بينما ينظر بعضهم الآخر بريبة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي يعتمدها الأمير محمد، وبينها تخصيص قطاعات عامة وتقليل الدعم الحكومي.
بيد أن عبد الرحمن الراشد رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي نفى وجود أي خلافات بين ولي العهد والأمراء والوزراء الموقوفين أو أن يكون نجح بهذا الإجراء في تعزيز سلطاته والإطاحة بخصومه.
ووصف الراشد القرار بالخطوة الصحيحة لزيادة جذب الاستثمارات الخارجية للمملكة على عكس ما يردد البعض، مضيفاً: "في الماضي كان البعض يعيب ويثير قضية غياب الشفافية وأن هناك مجاملات تتم للبعض أو أن البعض لا تتم محاسبته أو أن القانون لا يطبق على الجميع، وهذا كله انتهى لا أحد فوق القانون، لا أمير ولا وزير".
إلا أن تتبع مسار حملة الاعتقالات والمجالات التي يعمل فيها المعتقلون يبين أن الأمير الشاب يريد الانفراد في السيطرة على مراكز القرار المؤثرة عسكرياً واقتصادياً - بل وحتى دينياً - من أجل تمهيد الطريق إلى تنصيبه على عرش المملكة الغنية بالنفط.
السيطرة على مفاصل السلطة
ورغم أن ولي العهد محمد بن سلمان يعد في حسابات السياسة هو الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، لكنه يتبع - حتى توليه مقاليد السلطة فيها كاملة - استراتيجية إزاحة خصومه ومنتقديه من طريقه إلى العرش. وبحسب مراقبين فإن الاعتقالات لم تطل منتقدي نهجه إلى تحديث المملكة، بل وللرافضين لنهجه الصارم على صعيد السياسة الخارجية.
عن ذلك يقول أتش أي هيلير من مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية في واشنطن: "بهذه الاعتقالات الواسعة النطاق تواصل السلطات السعودية نهجاً لمحناه خلال الأشهر الماضية". ويضيف هيلير لوكالة الأنباء الألمانية أن اعتقالات هؤلاء الأمراء والمسؤولين السعوديين تتعلق بترسيخ السلطة والنفوذ، "لكن المفاجئ هنا هو السرعة التي يجري فيها هذا الأمر".
وبناء على ذلك لم يكن من المفاجئ أن تطال الاعتقالات الأمير متعب بن عبد الله، الذي أُقيل من وزارة الحرس الوطني، وهو نجل الملك الراحل عبد الله، بتهمة الفساد في صفقات سلاح، وأخيه الأمير تركي بن عبد الله أمير الرياض السابق وذلك بتهمة الفساد في مشروع "قطار الرياض". وكان يُنظر إلى ابن الملك الراحل عبد الله، على أنه وريث محتمل للعرش، وكان آخر فرد من فرع عبد الله في الأسرة المالكة يحتل منصباً رفيعاً في الحكومة السعودية.
وقبل أشهرمن ذلك، وتحديداً في تموز/ يوليو الماضي، تحدث المغرد السعودي "مجتهد"، الذي ينشر بين الفينة والأخرى تسريبات من داخل العائلة المالكة، أثبت فيما بعد صحة غالبيتها، أن ابن سلمان حاول إقناع الأمير متعب بن عبدالله (65 عاماً) بالتخلي عن منصبه، وهو ما رفضه الأمير متعب، محذراً بن سلمان من التهور بقرار مثل هذا.
وبعد حملة الاعتقالات عاد "مجتهد" الأحد (الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017) إلى كشف ما وصفه بخطة ولي العهد محمد بن سلمان لتحييد "جيوب من العائلة (المالكة في السعودية) لا تزال لديها رغبة جامحة في الانتقام والتغيير:
وقال مجتهد في تغريدة أخرى إن ابن سلمان يريد تحقيق عدة أهداف من هذا التزامن في تنحية بعض الأمراء من مسؤولياتهم ومن ثم اعتقالهم:
أما الكاتب السعودي جمال خاشقجي فقد قال في سلسلة تغريدات له على تويتر إن "محاربة الفساد والهدر المالي، لا تقل أهمية عن اكتشاف حقل نفطي آخر بحجم الغوار ويؤخر فرض ضرائب على الشعب عقداً آخر".
محاربة الفساد والهدر المالي ، لا يقل أهمية عن اكتشاف حقل نفطي اخر بحجم الغوار ويؤخر فرض ضرائب ع الشعب عقدا اخر.
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) November 5, 2017
#الملك_يحارب_الفساد
واعتبر أن ما حصل يوم أمس يعد "أمراً عظيماً حقاً":
المحاسبة الانتقائية ، عدالة ناقصة .
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) November 4, 2017
ولكن ايمانا بمذهب الواقعية السياسية والتدرج ، فما حصل البارحة عظيم جدا
صدمة في عالم الأعمال
أفادت بعض المواقع الالكترونية السعودية أن من بين الموقوفين الأمير الملياردير الوليد بن طلال، غير أنه لم يتم التأكيد رسمياً على ذلك. في هذا الإطار يقول كريستيان أولريكسن الخبير في شؤون الخليج في معهد بيكر بجامعة رايس الأميركية: "يبدو أن نطاق ومدى هذه الاعتقالات لم يسبق لهما مثيل في التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية". وأضاف "اذا تأكّد اعتقال الأمير الوليد بن طلال، فسيشكل ذلك موجة صدمة على الصعيد الداخلي وفي عالم الأعمال الدولية".
من جانبها قالت شركة المملكة القابضة السعودية الأحد إنها على اطلاع بالأخبار التي يتم تداولها بشأن رئيس مجلس إدارتها الأمير الوليد بن طلال وإنها "مستمرة في نشاطها التجاري كالمعتاد". وقالت الشركة في بيان للبورصة السعودية: "تلقى الرئيس التنفيذي تأكيد دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين لشركة المملكة القابضة وكلنا فخر بهذه الثقة والتي نحن بإذن الله أهل لها". وأضاف البيان أن المملكة القابضة تؤكد "التزامها التام بأعمال الشركة واستمرارها في خدمة مصالح مساهميها وكل من له مصلحة بها".
وقال مصدر في المطار لوكالة فرانس برس إن قوات الأمن منعت طائرات خاصة في جدة من الإقلاع وذلك منعا لمغادرة شخصيات الأراضي السعودية.
كما اشتهر الوليد بن طلال بجرأته في إبداء آرائه في السياسة واحتل تصريح له عناوين الصحف عام 2015 عندما وصف دونالد ترامب بأنه "عار" عبر تويتر خلال الحملة الانتخابية الأمريكية. وربما تصبح استثمارات الأمير الوليد الحالية والمستقبلية موضع شك بعد اعتقاله في تحقيق تجريه هيئة سعودية جديدة لمكافحة الفساد.
في نظر كثيرين من شركاء السعودية الغربين يمثل الأمير الوليد، الذي قدرت مجلة فوربس ثروته بمبلغ 17 مليار دولار، وجه قطاع الأعمال السعودي، إذ يظهر كثيراً على شاشات التلفزيون العالمية وفي تقارير عن استثماراته وأسلوب حياته، وهو ما يمكن أن يسرق الأضواء عن أمير شاب طموح يريد أن يعتلي عرش مملكة عصرية تتنافى مع صورتها القديمة التي دائماً ما تُربط بالجمود والتطرف والتشدد والإرهاب.