علاء جمعة -dw-بالعربية-
الخطوة السعودية غير المسبوقة والتي شملت اعتقال أمراء ووزراء، أثارت حالة من الترقب في الداخل السعودي، ما هي الخطوات المقبلة لابن سلمان؟ وما هو تأثير هذه الاعتقالات على سياسة المملكة على الصعيدين الداخلي والخارجي؟.
في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة في التاريخ السعودي قامت سلطات الرياض بحملة اعتقال واسعة طالت العديد من الأمراء والوزراء السعوديين. حملة التوقيفات شملت 11 أميرا و4 وزراء حاليين وعشرات الوزراء والمسؤولين السابقين ورجال المال والأعمال بتهم فساد.
الاعتقالات تمت بأوامر من لجنة شكّلها الملك سلمان برئاسة وليّ العهد محمد بن سلمان، وأعلنت أن مهمتها "حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام". ويرى بعض المراقبين أن توقيت الحملة جاء في أعقاب إصدار العاهل السعودي أمرا ملكيا، بإعفاء الأمير متعب بن عبدالله من منصبه كوزير للحرس الوطني وتعيين الأمير خالد بن عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن بدلا منه. بمعنى أن هذه الخطوة تأتي في إطار تمهيد الطريق أمام ولي العهد، لتولي مقاليد الحكم في المملكة، عبر إعفاء الأمراء الذين يتوقع أن يعارضوه من مراكز القوة، وعلى راسهم متعب، وهو ما قد يعتبر دليلا لبعض المراقبين على السرعة المكوكية التي يتوجه بها ابن سلمان نحو عرش المملكة.
"الهدف ليس الفساد"
هذه التكهنات أشار إليها كذلك الكاتب والصحافي الألماني راينر هيرمان عبر مقال نشره موقع صحيفة فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ يوم الأحد (الخامس من نوفمبر/ تشرين الأول)، حيث أكد أن "الفساد فقط لا يمكن أن يكون الذريعة لاعتقال تلك الشخصيات في السعودية". ويقول هيرمان "لا يمكن أن تستند جميع عمليات الاعتقال التي حدثت إلى شبهات الفساد. ومع ذلك، فإن ولي العهد محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاما، الذي حل محل ولي العهد ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف في يونيو/ حزيران، اغتنم هذه الفرصة أيضا من أجل تثبيت نفوذه أمام الأمراء الذين قد يرفضون مساره الإصلاحي، أو يشكلون خطرا عليه".
وفي حوار مع DW عربية أكد الخبير في الشأن الخليجي سامح راشد، أن توقيت تلك الإجراءات يعد مفهوما ومنطقيا، حيث تتوالى التسريبات عن اقتراب تنصيب ابن سلمان ملكاً على السعودية بشكل رسمي. ويتابع الخبير المصري "تلك الإجراءات تأتي في سياق حزمة خطوات تحضيرية متكاملة تمهد لتوليه العرش رسمياً، حيث يمكن فهمها في إطار تحجيم وتحييد كل الأطراف الفاعلة في السعودية" وبصفة خاصة إسكات الأصوات التي قد تعترض على توليه الحكم. ويوضح أنه "من المثير أن يكون بين الموقوفين، أكبر ثلاثة أباطرة في مجال الإعلام في الشرق الأوسط وليس فقط في السعودية وهم صالح كامل ووليد الابراهيم والوليد بن طلال!".
وكان النائب العام في السعودية الشيخ سعود المعجب قد أصدر بيانا اليوم الاثنين (السادس من نوفمبر/ تشرين ثاني) أكد فيه أن المحتجزين تم التحقيق معهم على خلفية مكافحة الفساد، حيث خضعوا لاستجوابات مفصلة وإن السلطات جمعت بالفعل الكثير من الأدلة.
وأفاد بيان النائب العام بأن الاعتقالات التي جرت يوم الأحد لا تمثل "البداية" بل جاءت استكمالا للمرحلة الأولى من مسعى لمكافحة الفساد. وأشار إلى أن التحقيقات جرت في سرية، حرصا على سلامة الإجراءات القانونية ولضمان عدم الإفلات من العدالة.
الاعتقالات والسياسة السعودية
من جهته يرى سيباستيان زونس، الباحث في الشأن السعودي بالجمعية الألمانية للسياسة الخارجية في حوار مع DW عربية أن هذه الاعتقالات لها تأثير كبير في السياسة السعودية الداخلية ويوضح "هذه الاعتقالات تأتي لتؤكد أن محمد بن سلمان يرغب في التغيير، إلا أن التغيير الذي ترسمه (الاعتقالات) تدلل على أن التغيير المنشود ذو شقين فقط اقتصادي واجتماعي، إلا أنه ليس ذو مسار منفتح يسعى إلى الديمقراطية الحقيقية".
ويرى الخبير الألماني أن اتهامات الفساد التي أطلقها الأمير يجب أن تترافق مع "إجراءات قضائية ومحاكم علنية وعادلة" من أجل إثبات هذه التهم. ويقول "في حالة عدم تنفيذ خطوات قضائية فإن هذا سيشكك في مصداقية ابن سلمان، وخاصة على الصعيد الداخلي".
ويرى زونس أن ولي العهد سيبقي حاليا على توقيف الأمراء في فنادق فخمة وليس في سجون بالمعنى الحقيقي، لأن هذا قد يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات على سياسته الداخلية، كما أنه سيعتبر أيضا إهانة لعائلات هؤلاء الموقوفين، وهو ما لا يريده ابن سلمان حاليا".
ويرى الخبير في الشأن الخليجي سامح راشد أنه ليس من الواضح بعد كيف سيستقبل بقية أمراء العائلة المالكة ما يقوم به ابن سلمان بحق أبناء عمومته. و يوضح "هناك أمران يجب أخذهما في الاعتبار، الأول وهو الأقوى، أنه بتلك الإجراءات يكمل ولي العهد إزاحة أقوى رجال العائلة، وسيكون القادم بالنسبة له أمرا أكثر سهولة".
أما الأمر الثاني بحسب راشد أنه بذلك استعدى أبناء كل فروع العائلة الآخرين دون استثناء، ما قد يدفعهم إلى "التوحد والتوافق معاً ضده. وإن كانت الأدوات المتاحة لديهم صارت أضعف كثيراً بفعل الإجراءات الأخيرة. لكن أظن أن تعقيدات الداخل السعودي لا تزال حبلى بالتطورات".
خارجيا يرى الخبير الألماني زونس أن الإمارات العربية المتحدة تدعم بلا شك الإجراءات السعودية، إلا أن قطر تراقبها بقلق، فهي تخشى أن تكون هذه الأحداث مقدمة لإجراءات أشد بحقها. ويقول الخبير الألماني "قطر تعتبر ولي العهد أميرا متهورا، وتعزيز سلطته يعني لقطر إطالة أمد الصراع والتقليل من فرص تسوية مقبلة". ويعتقد زونس أن ابن سلمان أكد في سياسته على العداء لإيران، وهو ما قد يشهد مزيدا من صراع المصالح في لبنان كما حدث مؤخرا من استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري".
خطوات بن سلمان المقبلة؟
من جانبه يؤكد راشد أن ما يقوم به ابن سلمان يمكن أن يطلق عليه سياسة "تعبيد الطريق" إلى العرش ونزع الألغام منه. ويتوقع أن يستمر في هذا التوجه، حتى يطمئن إلى استتباب الأمور له تماماً، وعندها سيتم الإعلان رسمياً عن تنصيبه ملكاً، وليس قبل ذلك.
ومن بين ملامح تلك المرحلة، التصعيد في اليمن وربما رفع وتيرة العمليات العسكرية هناك في إطار الشحن ضد طهران ورفع درجة الشعور لدى السعوديين بالتهديد وضرورة التوحد في مواجهة الخطر الخارجي. وفي الداخل سيكون هناك تحفزا شديدا لاستخدام "القبضة الأمنية الحديدية مع أية بوادر معارضة"، خصوصاً إذا كان لها بعد طائفي، كما في المنطقة الشرقية. مدعوماً في ذلك من المؤسسة الدينية التقليدية التي سيحافظ على حد أدنى من العلاقة معها مرحلياً، ولحين تولي العرش.
ويرى راشد أن ابن سلمان سينتقل مستقبلا إلى مرحلة تعديل السياسات والأوضاع الداخلية الحساسة التي استقرت لعقود، و"سيكون من أوائل ضحايا ذلك التحول، التحالف التقليدي بين القصر ورجال الدين". إذ لن يحتفظ رجال الدين بتلك المكانة المتميزة في دولة ستتجه سريعاً إلى اكتساب صبغة الدولة الوطنية المدنية الحديثة.