ترجمة منال حميد - الخليج أونلاين-
واصلت الصحف الغربية، الصادرة الأربعاء، اهتمامها بالتطوّرات الأخيرة التي حدثت في المملكة العربية السعودية، مؤخراً، بعد الاعتقالات الأخيرة بتهم الفساد، وأجمعت على أنها تعزّز من سلطات ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، الذي قالت إنه "مندفع وعديم الخبرة".
ففي سابقة لم يشهدها تاريخ المملكة، ألقت السلطات في السعودية، مساء السبت الماضي، القبض على 11 أميراً و4 وزراء حاليين، وعشرات سابقين، ورجال أعمال؛ بتهم فساد.
وعلى الرغم من هدف الحملة المعلَن، فإن توقيتها وكونها شملت إعفاء الأمير متعب بن عبد الله من منصبه كوزير للحرس الوطني، جعلا فريقاً من المتابعين للشأن السعودي يستبعد أن يكون سببها محاربة الفساد فقط.
- الغارديان: بن سلمان ينفّذ انقلاباً بطيئاً
صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، قالت إن ما يقوم به ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يشكّل "انقلاباً بطيئاً"، حيث زجّ بعشرات الأمراء من أبناء عمومته، وغيرهم من الوزراء الحاليين والسابقين، خلف "القضبان المذهّبة"، في فندق من فئة 5 نجوم في العاصمة الرياض. كما فتح أيضاً جبهة جديدة على إيران، من خلال التعجيل باستقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري.
وتضيف: "بحسب النظام الملكي في السعودية، تنحصر جميع السلطات في يد الملك، وهذا ربما كان السبب في دفع الأمير الشاب، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، إلى تحضير نفسه لتبوّؤ العرش، فيكسر عندها قبضة كبار السن من آل سعود، الذين حازوا السلطة خلال عقود".
وتصف "الغارديان" ولي العهد بأنه "شاب عديم الخبرة، يخوض حروباً عدة في وقت واحد، وتشير سياساته الخارجية المضطربة بخصوص اليمن وسوريا وقطر إلى ميله لاتخاذ قرارات متسرّعة وفجّة، كما أنه يسعى الآن إلى العبث بالتوازن الدقيق للقوى في لبنان".
وأوضحت أن أعداء محمد بن سلمان، كما هو الحال مع الحاكم الفعلي في أبوظبي، محمد بن زايد، هم الإخوان المسلمون وإيران. ويبدو أن أفضل صديق له على الصعيد الدولي هو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أنفق وقتاً طويلاً خلال جولته في آسيا ليعلن عن موافقته على تصرّفات بن سلمان، ذلك ربما من أجل ضمان إدراج أسهم شركات النفط في السعودية في البورصات بالولايات المتحدة.
وبحسب الصحيفة أيضاً، "أثبت بن سلمان أنه لا يرحم، إذ يسعى إلى إسكات أولئك الذين يختلفون معه من رجال الدين. وفي شظايا الفضاء الممنوح للمجتمع المدني السعودي، في نفس الوقت الذي حرم فيه السعوديين من الحقوق المدنية، أعطى محمد بن سلمان للنساء الحق في القيادة، إنه يعطي قليلاً ويأخذ الكثير".
وتقول الصحيفة إن الدائرة الداخلية للعائلة المالكة "تُتّهم باختلاس مبالغ ضخمة من الأموال العامة، حيث يعيش فرع سلمان من آل سعود في رفاهية غير متوازنة مع تخفيضات الميزانية الكبيرة، ذلك أن الملك أنفق مائة مليون دولار في عطلة مؤخراً في المغرب، وابنه اشترى يختاً بـ 500 مليون دولار".
ورأت "الغارديان" أن "ما يقوم به وليّ العهد السعودي هو استخدام للوسائل الاستبدادية، فقراراته لم تأتِ بشكلٍ جماعي، كما جرت العادة في العائلة السعودية المالكة. سيكون من الأفضل أن تكون لدى السعودية سياسة أكثر تجاوباً، واقتصاد ديناميكي متحرّر من اعتماده على النفط، لكن وليّ العهد لا يبدو أنه جادّ في تحقيق هذه الأهداف، فهو يسعى للوصول إلى العرش فقط".
- "ناتشينال إنتريست": محمد بن سلمان سيسرّع من انهيار السعودية
من جهتها، قالت صحيفة "ناتشينال إنتريست" الأمريكية، إن السعودية تعيش وضعاً سياسياً هشّاً منذ زمن، لكن ولي العهد، الذي وصفته بـ "الطموح وعديم الخبرة" في نفس الوقت، سيسرّع من عملية انهيار المملكة.
وتشير الصحيفة إلى أن "الاعتقالات الأخيرة التي قام بها بن سلمان أذهلت الجميع، وستضرب الاتفاقيات الرئيسية التي عُقدت بين العائلة المالكة السعودية ومختلف دول العالم".
وأوضحت أن "نظام الحكم في المملكة حتى الآن ينطوي على توزيع السلطة بين مختلف فروع العائلة المالكة، لكن مع الاعتقالات الأخيرة فإن وليّ العهد يضرب بهذا النظام عرض الحائط".
وبغضّ النظر عن مدى سلاسة حملة الاعتقالات، فإنّه "من الضروري أن يكون هناك استياء كبير ومعارضة داخل العائلة المالكة على انتزاع السلطة من قبل محمد بن سلمان، ويمكن أن يسعى أفراد العائلة المالكة الساخطين إلى إيجاد تعاون مشترك مع مصادر من الساخطين خارج العائلة المالكة، وهذا هو السبب لعدم الاستقرار الداخلي الأكبر في المملكة"، بحسب الصحيفة.
من جهة أخرى، تشير الصحيفة إلى أن عدم الاستقرار السعودي الداخلي لا يهمّ السعودية وحسب، وإنما يهمّ المنطقة برمّتها، ومن ضمن ذلك الولايات المتحدة، فيما يتعلّق بالحاجة إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه عندما يختارون ويدعمون حاكماً مثل محمد بن سلمان.
وتابعت الصحيفة: "مما لا شكّ فيه أن هناك آثاراً خارجية إضافة إلى الآثار الداخلية لتولّي بن سلمان للحكم، الأمر الذي سيقود حتماً إلى تصدير عدم الاستقرار من المملكة إلى بقيّة المنطقة، وهذه كلها نتائج لتركيز السلطة في يد شابّ متهوّر وعديم الخبرة".
وترى الصحيفة أن الأمر يتعلّق بكيفية "استخدام الحكّام منذ وقتٍ طويلٍ للصراعات الخارجية لتعزيز صلابة السلطة الداخلية؛ من خلال توفير نوعٍ من الإلهاء لأفراد الشعب عن المشاكل الداخلية، والاستفادة من المشاعر القومية".
كما ترى "ناتشينال إنتريست" أن السعودية كانت بالفعل حتى قبل ظهور محمد بن سلمان، "مصدراً لعدم الاستقرار في أماكن أخرى في المنطقة؛ من خلال تحركاتها التي شملت استخدام القوة المسلّحة لقمع الشيعة في البحرين، إضافة إلى حربها في اليمن، وحصار قطر، وآخرها كان زعزعة الاستقرار السياسي في لبنان".
- "نيويوركر" تتساءل: هل ساعد ترامب الملك سلمان وابنه في حملة التطهير؟
من جهتها تساءلت مجلّة "نيويوركر" الأمريكية عن دور الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في دعمه عمليات الاعتقال التي جرت مؤخراً في السعودية.
فقد كتبت الصحفية روبن رايت، مقالاً في المجلة تقول فيه إن ترامب قدّم دعماً تكتيكياً للملك سلمان وابنه ولي العهد في حملة تطهير داخل عائلتهما، نهاية الأسبوع، مشيرة إلى أن الهدف من العملية "هم أبناء إخوة يملكون المال ويسيطرون على الإعلام والجيش".
وتنقل المجلّة عن مسؤول أمريكي سابق قوله: "إنها مثل أن تصحو لتجد وارن بافيت ومدير شبكة (إي بي سي)، و(إن بي سي) و(سي بي سي) قد اعتقلوا"، وأضاف قائلاً: "تبدو وكأنها عملية انقلاب، وتحوّلت السعودية إلى بلد آخر، ولم تكن من قبل في حالة غير مستقرة كهذه".
وتبيّن رايت أن حملة التطهير "أدت إلى إرسال هزات من الخوف داخل السعودية والعالم المالي، وكذلك الشرق الأوسط والمجتمع الدولي"، لافتة إلى أن "النقّاد والمؤيدين يتّفقون على أن هذه الحملة قام بتدبيرها ولي العهد، الذي صعد بشكل سريع للسلطة، بعدما عيّنه والده عام 2015 ولياً لولي العهد، وتعهّد بتغيير الملك، لكنه قام بجمع خيوط السلطة كلها في يديه".
وتقول رايت إن عمليات الاعتقالات تهدف إلى توطيد سلطة ولي العهد، في حين يراه عدد من المراقبين تحضيراً لتنحّي الملك عن السلطة، وتعلّق قائلة: "إن الثنائي الأب والابن خلقا عائلة مالكة، وتجاوزا عدداً من الأمراء ممن يحقّ لهم ولاية العرش".
وتنقل المجلة عن الزميل الباحث في مركز "ويلسون"، ديفيد أوتاوي، قوله: "تعرف عائلة آل سعود والعالم كله أن وليّ العهد، محمد بن سلمان، مستعدّ للّجوء إلى أي وسيلة لتقوية موقعه، بعد وفاة أو تنحّي والده البالغ من العمر 81 عاماً".
وأضاف: "لم يحدث أمرٌ كهذا من قبل في تاريخ السعودية، خاصة أن البلد يدخل مرحلة غامضة ذات تداعيات غير معروفة".
وتعلّق رايت قائلة: "إن بن سلمان لم يكن ليحقق ما قام به دون دعم أمريكي، ففي طريقه إلى آسيا تحدّث ترامب من طائرته الرئاسية مع الملك، وأثنى على جهوده، وعلى وليّ العهد، وتصريحاتهما عن الحاجة لبناء منطقة حديثة وآمنة ومتسامحة".
وترى الكاتبة أن "تتابع الأحداث يعكس مخاوف ولي العهد، وكذلك السلطة المتزايدة له، وهي متعلّقة بالخطط لتحويل المملكة من دولة محافظة، بالإضافة إلى الوجود الكبير للسعودية في المنطقة،" مشيرة إلى أن "خطته في رؤية 2030 تهدف إلى فطم المملكة عن النفط، لكن ليس الجميع في العائلة يقفون وراء ولي العهد البالغ من العمر 32 عاماً، في نظام معروف بالقادة كبار السنّ".
وتختم رايت مقالها بالإشارة إلى ما قالته سارة لي ويتسون، من "هيومان رايتس ووتش": إنها "لعبة عروش متهوّرة، لو كنت من النخبة السعودية لما جلست مرتاحة، فالكثيرون كانوا يعتقدون أن بينهم وبين الفوضى شعرة واحدة، وهذه الاعتقالات إشارة إلى ذلك".