كريستيان أولريخسن - بوليتيكو- ترجمة شادي خليفة -
حتى في ظل الوتيرة الطائشة للتغيير التي أصبح السعوديون معتادون عليها تحت قيادة ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، إلا أن التطورات التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية كانت مسعورة ومحفوفة بالمخاطر. وقد أدى إبعاد الأمير «متعب بن عبد الله» عن قيادة الحرس الوطني السعودي إلى القضاء على آخر مصادر السلطة المستقلة المتبقية في المملكة، بالإضافة إلى اعتقال ما لا يقل عن 11 من أفراد الأسرة الحاكمة، وعشرات آخرين من بينهم ووزراء في الحكومة ووزراء سابقين وشخصيات رئيسية في مجتمع الأعمال. وقد شكلت هذه الاعتقالات، التي تشكل جزءا من حملة واسعة النطاق ضد الفساد، بعد صدور مرسوم ملكي بتكليف لجنة عليا برئاسة «محمد بن سلمان» لمعالجة هذه القضية، آخر سلسلة من التحركات الجريئة التي قام بها ولي العهد الشاب، وهي خطوات لم يسبق لها مثيل في التاريخ السعودي الحديث، لكن ولي العهد يخاطر بإضعاف الضوابط والتوازنات التي ميزت عقود من حكم العائلة المالكة في المملكة.
وشملت الاعتقالات اثنين من أبناء الملك الراحل «عبد الله» (الأمير متعب والأمير تركي)، والأمير «الوليد بن طلال»، المستثمر الملياردير في تويتر وأبل وسيتي جروب، وعشرات من العلامات التجارية العالمية الأخرى، و«صالح كامل»، الملياردير الآخر الذي ترأس واحدة من أكبر تكتلات الأعمال في الشرق الأوسط، و«عادل فقيه»، الذي كان وزيرا للاقتصاد والتخطيط، والمشارك الوثيق في الأعمال التحضيرية لخطة التحول الاقتصادي الطموحة «رؤية 2030» في السعودية، و«إبراهيم العساف»، الذي خدم 20 عاما كوزير لمالية المملكة حتى عام 2016، و«عمرو الدباغ»، الذي كان رئيسا للهيئة العامة للاستثمار في المملكة بين عامي 2004 و2012، والذي نجح في زيادة الاستثمار الأجنبي في البلاد، و«خالد التويجري»، حاجب الملك المؤثر بشكل كبير على الديوان الملكي في عهد الملك «عبد الله»، و«وليد الإبراهيم»، رئيس إمبراطورية إم بي سي الإعلامية، وشقيق زوجة الملك الراحل «فهد»، و«بكر بن لادن»، رئيس مجموعة بن لادن السعودية، الأخ الأكبر غير الشقيق لزعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن».
ومن غير المحتمل أن تكون الاعتقالات مرتبطة بأي صراع من أجل السلطة داخل الأسرة المالكة، حيث عزز «محمد بن سلمان» سلطته بالفعل بتعيينه وليا للعهد بدلا من ابن عمه الأكبر سنا والأكثر خبرة، «محمد بن نايف»، في يونيو/حزيران. وكانت إحدى مهام «محمد بن سلمان» الأولى كوريث للعرش نقل جميع مهام الأمن الداخلي بعيدا عن وزارة الداخلية إلى رئاسة مستحدثة لأمن الدولة تخضع له. وقد أطاح بذلك، من المشهد الأمني، بأحد الكيانين اللذين كانا يوازنان السلطة مع وزارة الدفاع (التي يرأسها محمد بن سلمان منذ يناير/كانون الثاني عام 2015). وكان الكيان الآخر هو الحرس الوطني، الذي كان يسيطر عليه الأمير (الملك في وقت لاحق) عبد الله منذ عام 1962، ومن بعده ابنه «متعب» منذ عام 2011. وكان هذا الكيان يعتبر قوة النخبة التي من شأنها تهدئة أي اضطرابات داخلية في المملكة. والآن، لدى «محمد بن سلمان» الفرصة، لأول مرة، لتوحيد الهياكل العسكرية والأمنية المتباينة في المملكة تحت سيطرته، وتعزيز قبضته على السلطة.
نهاية التوازن
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتخذ فيها ولي العهد خطوات جريئة، حيث أصبحت مثل تلك التحركات المفاجئة المثيرة للدهشة السمة المميزة لصعوده السريع. ومع ذلك، قد يعني تركيز السلطة في يد فرد واحد انتهاء عقود من التوازن الدقيق من توافق الآراء والتوازن بين المصالح المتنافسة داخل الأسرة المالكة والمجتمع السعودي ككل. ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة عام 1932، وخاصة بعد صعود ولي العهد (الملك لاحقا) فيصل في الستينات، سعت العائلة المالكة إلى نهج عملي وتدريجي للتغيير الاجتماعي والسياسي. وقد ساعد ذلك في تخفيف أثر التحديث الاقتصادي وتوجيه المملكة خلال فترات من التوتر الداخلي الكبير، مثل استيلاء تنظيم متطرف على المسجد الحرام، والحملة ضد الإرهاب ما بعد عام 2003. كان ذلك يمثل إدراكا براغماتيا لمراكز الجاذبية القوى داخل الأسرة المالكة، التي كانت بمثابة حاجز ضد الممارسة غير المقيدة للسلطة من قبل أي فرد.
وفي قلب هذا التوازن الدقيق، كان حاكم الرياض الذي خدم منذ فترة طويلة، الملك الحالي «سلمان»، الذي كان حارس السجلات الداخلية للأسرة الذي يفرض الانضباط على أداء الواجبات. وكان سلمان أيضا آخر الملوك من جيل «بناة الدولة»، الذين سيطروا على الحياة العامة في المملكة منذ الخمسينات. ومع دور «سلمان» داخل النظام الملكي، اكتسب الاحترام والهيبة بين أقرانه في الأسرة. وقد يسعى «محمد بن سلمان» إلى اكتساب هذه الصفات لنفسه، لضمان أن يحل محل والده كمدير بلا منازع لشؤون الأسرة، ويتجنب أي فراغ قد يفتح بمجرد أن يرحل الرجل الذي كان يدير النظام لعقود.
وفي الـ 32 من عمره، قد يحكم «محمد بن سلمان» المملكة لعقود، وربما يدوم حكمه 51 عاما مثل جده، «عبد العزيز»، الذي وحد المملكة بين عامي 1902 و1932، وظل ملكا حتى وفاته عام 1953. وقد تنقلت السلطة منذ وفاة «عبد العزيز» بين العديد من أبناءه، مما أدى إلى خلافة ملوك زاد عمرهم بشكل مطرد. وعلى عكس أسلافه، سيكون «محمد بن سلمان» في السلطة في وقت لا تستطيع فيه عائدات النفط وحدها الحفاظ على أنماط توزيع الثروة التي دعمت الاستقرار السياسي لعقود. ولذلك، فهو يدرك تماما أن المملكة بحاجة إلى تنويع اقتصادها، وقد طرح برنامجه «رؤية 2030»، التي تهدف إلى الاستفادة من عائدات النفط كعامل حفز لبرنامج بعيد المدى، وإن لم يكن محددا، للإصلاح الاقتصادي. وكان الهدف من مبادرة الاستثمارات المستقبلية العظيمة التي عقدت في الرياض، في 24 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول، أن تمثل رمزا للتحول الذي بدأ في المملكة أمام الآلاف من قادة الأعمال والسياسيين من جميع أنحاء العالم، الذين حضروا للاستماع إلى خطط «مدينة روبوتات» متكاملة، مع سابقة تتمثل في منح الجنسية السعودية لروبوت.
وبعد أقل من أسبوعين، يجد بعض الشخصيات البارزة في فئة رجال الأعمال السعوديين، الذين حضروا مبادرة الاستثمار في المستقبل، أنفسهم محتجزين بشكل مثير للسخرية، في نفس الفندق الفاخر، فندق ريتز كارلتون، حيث عقدت العديد من الجلسات العامة. ومن المرجح أن يؤدي التطهير المفاجئ الذي استهدف العديد من رجال الأعمال المعترف بهم دوليا، والذين يتمتعون بإقامة شراكات عالمية، إلى زيادة المخاطر السياسية المرتبطة بممارسة الأعمال التجارية في المملكة، الأمر الذي يهز ثقة المستثمرين الدوليين أكثر من أي وقت مضى، في الفترة التي تسبق الاكتتاب العام الجزئي لشركة أرامكو السعودية.
وبالنسبة للرئيس «دونالد ترامب» ودائرته الداخلية، الذين أقاموا علاقات وثيقة مع «محمد بن سلمان» منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني، من المرجح أن يضاعف الجهود لإقناع السعوديين بطرح 5% من أرامكو في بورصة نيويورك. ومع ذلك، فإن النتيجة الأكثر ترجيحا في المشهد الحالي أن يستخدم «محمد بن سلمان» سلطته لتصعيد الحرب في اليمن، في انتظار رده على صاروخ أطلقه المتمردون الحوثيون تم اعتراضه فوق الرياض، وهو تحرك يقرب بشكل خطير المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران.