كامران بخاري - جيوبوليتيكال فيوتشرز-
بعد اليمن وسوريا ولبنان، تلك البلدان التي تقاتل فيها المملكة العربية السعودية في حرب بالوكالة ضد إيران، عدوها منذ فترة طويلة، يبدو أن الأسرة المالكة السعودية تدخل الآن في حالة حرب مع نفسها.
وبصرف النظر عن من يفوز، فإن الصراع قد يزعزع استقرار المملكة، التي كانت تعاني بالفعل من الضعف على أي حال.
مؤامرة القصر
يمكن تعريف ما يحدث في البلاد بـ«مؤامرة داخل القصر»، وكان الملك «سلمان بن عبدالعزيز» قد تولى العرش في يناير/كانون الثاني عام 2015، بعد وفاة أخيه الشقيق «عبدالله»، ابن مؤسس البلاد، الذي حكم البلاد لمدة عقدين.
وبعدما تولى الخلافة بشكل مباشر، بدأ في تطويع صراع السلطة وراء الكواليس لتمهيد الطريق أمام ابنه، «محمد بن سلمان»، وبدأ ذلك بتعيينه وليا لولي العهد، ثم وليا للعهد فيما بعد، في يونيو/حزيران الماضي.
ولكن في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أصبح الصراع على السلطة علنيا، وفي ذلك اليوم، اعتقل «سلمان» وابنه أكثر من 10 من الأمراء والمسؤولين رفيعي المستوى، ومن بينهم ملياردير مشهور عالميا، وسبب اعتقالهم بسيط، حيث يحاول «سلمان» إزالة العقبات التي قد تمنع نجاح «محمد بن سلمان» من الوصول إلى العرش بسلاسة.
ويعد الملك «سلمان» أول ملك في تاريخ المملكة الحديثة الذي يتبع هذا التقليد الخاص، وعادة، كان يتم اختيار الخليفة بتوافق الآراء بين أبناء مؤسس المملكة، ولكن الآن، أصبحت غالبية الجيل الثاني من الأمراء في عداد المتوفين، ويوجد الآن الكثير من أمراء الجيل الثالث، وأصبح من الصعب اختيار من الذي سيصبح الملك المقبل.
وقد عزز «سلمان» موقف ابنه من خلال منحه صلاحيات واسعة في الشؤون الأمنية والاقتصادية، و«محمد بن سلمان» هو وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية الاستراتيجي، والمراقب المالي لشركة أرامكو السعودية، وبعد 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أصبح رئيس وكالة مكافحة الفساد.
وقد فعل «سلمان» كل ذلك مع إزاحة أخيه غير الشقيق وابن أخيه من السلطة، وكلاهما من أمراء التاج، كما قام بتهميش الأعضاء الأقوياء في المؤسسات الملكية والقبلية.
وتشير بعض الشائعات إلى أن عمليات التطهير تمت ردا على مؤامرة ضد «محمد بن سلمان»، وليس من الواضح ما إذا كان هذا هو الحال في الواقع، ولكن إذا كانت الشائعات صحيحة أو جاءت الاعتقالات كخطوة استباقية وقائية، فإن النتيجة هي نفسها، فقد أصبحت التهديدات التي تواجه حكم «محمد بن سلمان» أقل الآن.
فعلى سبيل المثال، كان أحد الأمراء المعتقلين، وهو «متعب بن عبدالله»، وزيرا للحرس الوطني، القوة العسكرية الموازية للقوات المسلحة النظامية التابعة لوزارة الدفاع، وقد شارك هو و«محمد بن سلمان» في المسؤولية عن القوات المسلحة السعودية، لكن ذلك كان فقط حتى 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
كما تم اعتقال شقيق «متعب»، «تركي بن عبدالله»، (وكان قد أقيل من منصبه كحاكم للرياض عام 2015، وهو العام الذي تولى فيه الملك سلمان العرش)، ولعل الهدف الأكثر شهرة، في هذه الاعتقالات، هو الأمير «الوليد بن طلال»، وهو رجل أعمال غير مهتم في الغالب بالسياسة، ولكن والده ليبرالي معروف يعارض «سلمان» كملك، ويعارض الآن «محمد بن سلمان» كخليفة له.
مواجهة الحقائق
وباعتقال هذه الشخصيات ينجز الملك أمرين؛ أولا، يضمن استسلامهم لـ«محمد بن سلمان»، ثانيا، يرسخ صورة فرع «سلمان» من العائلة المالكة كملتزمين بمكافحة الفساد.
وبالجمع بين ذلك وبين دعواتهما إلى نسخة أكثر اعتدالا من الإسلام، يتحرك الملك وابنه بعيدا عن مصادر الدعم التقليدية (رجال الدين والمنشآت القبلية)، نحو مصادر دعم جديدة، تتمثل في تعزيز الشعبية بين الشباب في البلاد، الذين يشكلون حوالي ثلثي عدد السكان.
ويشكل الحرس القديم عقبة أمام الإصلاحات اللازمة لنقل المملكة إلى ما بعد المأزق الحالي، المتمثل في الاعتماد فقط على عائدات النفط، ويستخدم القادة الجدد الشعبوية لتطعيم أنفسهم من العواقب المحتملة للاستيلاء على السلطة.
ومع ذلك، فهما، في هذه العملية، يضعان دون قصد الأسس للأزمة المقبلة، ويعني الاعتماد على الدعم الشعبي أنهم سيضطرون إلى إجراء المزيد من الإصلاحات أكثر مما يريدون فعلا، وعادة ما ينتهي المطاف بالمستبدين الذين يحاولون أن يكونوا شعوبيين بالفشل وفقدان السلطة.
ومن السابق لأوانه توقع نتيجة الصراع على السلطة، ولا أحد يستطيع تجاهل حقيقة أن المملكة في تراجع، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار النفط، ولكن أيضا بسبب الفوضى العامة في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، تعد أحداث 4 نوفمبر/تشرين الثاني أكثر من مجرد محاولات صغيرة للاستيلاء على السلطة، فهي محاولات لجعل البلد ملائما بما فيه الكفاية لقبول الإصلاح اللازم، في وقت تتزايد فيه الفوضى الإقليمية.
ولا يمكن للمملكة أن تغير طبيعتها وأن تأمل في مواجهة التحديات الخارجية في نفس الوقت، وعليها أن تعزز الداخل قبل أن تتمكن من العمل بفعالية خارج حدودها، ولكن هذا التسلسل للأولويات ليس ترفا يتمتع به السعوديون.
ويكتسب الإيرانيون، خصوم السعودية، الأرض، ولا يمكنهم ببساطة التركيز فقط على السياسة الداخلية.
وعلى سبيل المثال، كان هناك حدث آخر في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث استقال رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» من الرياض، بعد انتقاده التدخل الإيراني في بلاده.
ومع سحب «الحريري» من الحكومة الائتلافية في لبنان، يأمل السعوديون في إضعاف الوكيل الإيراني، حزب الله، الذي يستفيد من الحكومة الائتلافية في بيروت، ولكنها حركة ضعيفة، وربما تكون غير فعالة، والآن، بعد أن ضعف تنظيم «الدولة الإسلامية»، أصبح لإيران ميزة أكبر في العراق وسوريا.
وإذا لم يكن لدى الرياض القدرة على التعامل مع التهديدات الخارجية، إن وجدت، فسوف تزداد التهديدات المحلية، وعلى الرغم من أن الملك وابنه لهما اليد العليا، فإن عدم القدرة على مواجهة التهديد الإيراني، بشكل فعال، قد يضعف موقفهم في الداخل، وبالتالي يزيد من حدة الاقتتال الداخلي.