روبن رايت - ذا نيويوركر- ترجمة شادي خليفة -
بدعم ضمني من الرئيس «ترامب»، أطلق الملك «سلمان» وابنه القوي تطهيرا غير مسبوق في صفوف الأسرة الحاكمة بداية الأسبوع. وتمثلت الأهداف الرئيسية للحملة في أعضاء الأسرة الذين يسيطرون على المال أو وسائل الإعلام أو القوة العسكرية. وكان من بين العشرات من المعتقلين 11 من كبار الأمراء، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين، وأصحاب 3 محطات تلفزيونية رئيسية، ورئيس الفرع العسكري الأكثر أهمية، وواحد من أغنى الرجال في العالم، وهو مساهم رئيسي في سيتي بنك وتوينتي سينشري فوكس وأبل وتويتر وليفت.
وقال مسؤول أمريكي سابق: «يعادل الأمر أن تستيقظ لتجد أن وارن بافيت ورؤساء إيه بي سي وسي بي إس وإن بي سي تم القبض عليهم». وأضاف: «يعد الأمر انقلابا. فالسعودية تتحول بسرعة إلى بلد آخر. ولم تكن المملكة أبدا في مثل هذا الوضع غير المستقر».
وأرسلت عملية التطهير موجات من الخوف عبر المملكة، فضلا عن الشرق الأوسط والأسواق المالية العالمية والمجتمع الدولي. واستمرت عمليات الاعتقال لأيام، دون وجود دلائل على احتمال انتهاء الحملة.
العائلة الجديدة
ويعتقد كل من النقاد والمؤيدين أن العقل المدبر وراء عملية التطهير هو ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الذي كان قد صعد بسرعة صاروخية منذ تعيينه من قبل والده ليكون وزيرا للدفاع، في سن 29 عاما، عام 2015. وكان قد تعهد بتحديث المجتمع القبلي المحافظ للغاية. ولكن، للقيام بذلك، فقد أمسك بزمام جميع المحافظ الاقتصادية والسياسية والأمنية والملكية الكبرى. وفي يونيو/حزيران، كان له دور فعال في الإطاحة بولي العهد السابق، الأمير «محمد بن نايف»، وهو عضو أقدم في العائلة المالكة وأقرب حليف للولايات المتحدة داخل النظام الملكي، ليصبح الأول في ولاية العرش. (ولا يزال نايف قيد الإقامة الجبرية، وفقا لـ هيومن رايتس ووتش). وفي سبتمبر/أيلول، قام ولي العهد «محمد» بتدبير اعتقال عدد من المثقفين ورجال الدين المعروفين.
ويوم السبت، أنشأ الملك «سلمان» لجنة جديدة لمكافحة الفساد، ووضع «محمد بن سلمان» على رأسها. وسرعان ما توالت الاعتقالات في وقت متأخر من الليل.
وقال «جمال خاشقجي»، وهو كاتب عمود سعودي بارز ومحرر سابق، والموجود حاليا في المنفى: «إنه شكل مثير للاهتمام من الديكتاتورية التي يتم إنشاؤها في المملكة. لقد أصبح بن سلمان الآن المرشد الأعلى في البلاد». والبلد الوحيد الذي يستخدم فيه هذا اللقب هو إيران، المنافس الإقليمي للسعودية.
وقال الخبراء إن الاعتقالات تعد محاولة لتوطيد سلطات ولي العهد، ربما قبل رحيل الملك المسن والمريض. وقد خلق الثنائي، الأب والابن، عائلة ملكية جديدة كاملة، تجاوزت المئات (على الأقل) من الأمراء الآخرين. وقال «ديفيد أوتاواي»، الزميل في مركز وودرو ويلسون، في واشنطن: «أصبحت الأسرة الحاكمة في السعودية والعالم أجمع يعرفون الآن أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مستعد للاستعانة بأي وسيلة لتعزيز مساعيه للاستيلاء على العرش، بعد وفاة والده أو بتنازل من والده، البالغ من العمر 81 عاما، عن العرش.ولم يحدث شيء من هذا القبيل من قبل في تاريخ المملكة، الأمر الذي يعطي الإحساس بأن المملكة تدخل في مياه غريبة لا تعرف عواقبها».
وتخول السلطة الجديدة لولي العهد أيضا مصادرة الأصول والحظر من السفر. وذكرت صحيفة التايمز أن جميع أعضاء العائلة المالكة السعودية مترامية الأطراف قد منعوا أيضا من مغادرة البلاد. وكان لدى «ابن سعود»، الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية الحديثة، أكثر من 40 من الأبناء وأكثر منهم بنات. ويقدر نسلهم الآن بين 6 آلاف إلى 15 ألفا، مع تقدير فوربس، عام 2010، أن العدد قد يكون ضعف هذا العدد الكبير.
وبعد وفاة «ابن سعود»، عام 1953، توالى الجيل الأول من الأبناء على الملك، بموافقة الإخوة الآخرين. وحكموا بتوافق الآراء. لكن لم يعد هذا هو الحال، فالأمير الشاب من بين الأحفاد قد نحى الآن كل الآخرين جانبا.
وقال «روبرت مالي»، نائب رئيس السياسة في مجموعة الأزمات الدولية، والموظف السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة «أوباما»: «ما يلفت النظر هو كيف كانت هذه العملية ممنهجة. لقد اتخذ الخطوات، شيئا فشيئا، لضمان إسكات المعارضة المحتملة أو تنحيتها جانبا أو إبعادها. ولم يتمكن أحد من إيقافه. إنه مزعج لخصومه».
دعم أمريكي
وتدعم إدارة «ترامب» التغييرات الكاسحة التي أعادت تعريف المملكة، والأسرة المالكة، على مدى العامين الماضيين. وفى طريقه إلى آسيا، قبل ساعات فقط من عملية التطهير، تحدث الرئيس مع الملك للثناء عليه وولي عهده، لإدلاء ولي العهد بتصريحات حول «الحاجة إلى بناء منطقة معتدلة وسلمية ومتسامحة. وهو أمر ضروري لضمان مستقبل آمن للشعب السعودي، من خلال الحد من تمويل الإرهابيين، وهزيمة الأيديولوجية الراديكالية، مرة واحدة وإلى الأبد»، وفقا لما ذكره البيت الأبيض في بيان مفصل غير عادي.
كما قال «ترامب» إنه يحاول شخصيا إقناع المملكة بإدراج أول طرح للأسهم في شركة أرامكو، إحدى أهم شركات النفط في العالم، في بورصة نيويورك أو بورصة ناسداك. وقال «ترامب» للصحافيين الذين كانوا معه على متن الطائرة الرئاسية: «في الوقت الراهن، لا يفضلونها (بورصتنا)، بسبب مخاطر التقاضي وغيرها من المخاطر، وهو أمر محزن للغاية».
ولم يذكر «ترامب» المخاطر التي ينطوي عليها إدراج أسهم في الولايات المتحدة، ولكنها تتضمن احتمال احتجاز أي أصول سعودية في الولايات المتحدة نتيجة لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، الذي أقره الكونغرس عام 2016 ، مما يسمح لأسر ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمتابعة دعاوى مدنية ضد المملكة، بدعوى تورطها في هذه المؤامرة. وإذا كان هناك حكم ضد المملكة، فإن القانون سيسمح أيضا للقاضي بتجميد أموال المملكة في الولايات المتحدة، لدفع أي عقوبات تقرها المحكمة.
وقال «بروس ريدل»، وهو موظف سابق في وزارة الدفاع: «يعني هذا أن السعودية ستكون معرضة للخطر للغاية إذا أدرجت أسهمها في بورصة نيويورك. إنهم يعرفون ذلك».
ومن المفارقات أن «ترامب» قد أيد مشروع قانون جاستا، وأدان الرئيس «أوباما» لمحاولته استخدام حق النقض. وقال «ترامب» خلال الحملة الانتخابية: «إن استخدام حق الفيتو من قبل أوباما ضد قانون جاستا أمر مخجل، وسوف يكون أحد النقاط المظلمة في رئاسته». والآن، ينتقد «ترامب» مشروع القانون.
وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، في يونيو/حزيران الماضي، إن السعودية أنفقت أكثر من ربع مليون دولار في فندق «ترامب» الجديد في واشنطن، في إطار جهودها المبذولة ضد مشروع القانون. وشمل الضغط ضم المحاربين العسكريين القدامى للتحدث في الكابيتول هيل ضد المشروع.
وقد غازلت إدارة «ترامب» آل سعود بشدة. حيث كانت رحلة ترامب الأولى كرئيس إلى السعودية. وقام «جاريد كوشنر»، صهر «ترامب»، برحلة غير معلنة إلى المملكة الصحراوية في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، وهي الثالثة له هذا العام. ورسميا، كان التركيز على عملية السلام في الشرق الأوسط، لكنه أقام علاقة وثيقة مع ولي العهد السعودي. وقد جعلت العلاقات الوثيقة بين العائلة المالكة وإدارة «ترامب» الملك وابنه يشعران بالراحة إزاء اتخاذ إجراءات صارمة ضد شعبهما.
السياسة الخارجية
ويعكس تسلسل عمليات التطهير نقاط الضعف التي يواجهها ولي العهد، فضلا عن سلطاته المتنامية، ويرجع ذلك جزئيا إلى تعرض خططه الدرامية لتحويل المملكة المتحفظة للغاية وزيادة الوجود السعودي عبر المنطقة إلى المشاكل والعقبات. وتهدف خططه الطموحة للمملكة، المتمثلة في «رؤية 2030»، إلى تغيير صورة البلد الصحراوي كدولة تعتمد على النفط. ولكن لا يقف الجميع في العائلة المالكة خلف ولي العهد، الذي يبلغ الآن 32 عاما فقط، في نظام يشتهر بشيخوخة قادته.
وقال «ريدل»: «تتجه رؤية السعودية لعام 2030 بشكل متزايد إلى الفشل من الناحية الاقتصادية. وهذه المدينة الجديدة، نيوم، في خليج العقبة، التي من المفترض أن تجتذب 500 مليار دولار من الاستثمار، ولن تطبق فيها القواعد العادية للمجتمع السعودي، ما يعني السماح للمرأة فيها بفعل أي شيء، سيكون غالبية سكانها من الروبوتات بدلا من الناس. وهذا الأمر ليس جديا. إنه هذا النوع من الأمور التي تستخدم لتحويل الناس عن القضايا الحقيقية».
كما تراجعت استراتيجية ولي العهد الإقليمية أيضا أو ارتدت عليه بعواقب جديدة. وقال «ريدل»، الذي يعمل الآن في معهد بروكينغز: «أدت سياسته في حرب اليمن إلى استهداف الرياض. والحصار الذي تفرضه المملكة على قطر قد فشل».
ويبدو أن السعودية قد ضغطت لاستقالة رئيس الوزراء اللبناني، «سعد الحريري»، في بداية الأسبوع، كجزء من مسرحية إقليمية. (أعلن الحريري عن استقالته من الرياض في محطة فضائية سعودية). وأشار إلى أن حياته مهددة، وأرجع استقالته إلى تدخل إيران وحزب الله في السياسة اللبنانية. وكان والده، الذي كان أيضا رئيسا للوزراء، أحد الموالين للمملكة. وقد اغتيل عام 2005.
وقال «مالي»، من مجموعة الأزمات الدولية: «استدعته السعودية وضغطت عليه للاستقالة. لقد كان قرارا سعوديا يهدف به إلى إحراج إيران وحزب الله». وأضاف: «لقد كان الأمر شفافا جدا. ما فعله بن سلمان في الداخل وفي المنطقة، يهدف به تعزيز صورته في الداخل، بإظهار أن الملك وابنه أكثر حزما في قيادة المملكة كجهة إقليمية فاعلة، ما يجعله دون منازع على الساحة المحلية».
كان مبرر حملة التطهير التي طالت العائلة المالكة هو مكافحة الفساد، وهو ما ينكره النقاد. وقال «خاشقجي»: «الفساد يقتل السعودية منذ 40 أو 50 عاما». والخط الجديد الذي يتبعه آل سلمان «هو إنشاء نفس النوع من الشركات التي يدعون أنها فاسدة عندما يديرها آخرون في العائلة المالكة. وكأن ولي العهد يقول: «ما تفعلونه فاسد، ولكن ما أفعله أنا ليس فاسدا».
وكان من بين المعتقلين المستثمر الملياردير الأمير «الوليد بن طلال»، الذي يشارك عمالقة الأعمال مثل مايكل بلومبرغ وروبرت مردوخ وبيل غيتس في مشاريعه التجارية. ويمتلك بن طلال مجموعة من العقارات الرئيسية على الصعيد الدولي، وأجزاء من الفنادق الرائدة في العالم، بما في ذلك سافوي في لندن، وجورج الخامس في باريس. وهو متبرع سخي، وقدم 20 مليون دولار لجامعة جورج تاون، عام 2005، لتمويل مركز التفاهم المسيحي الإسلامي. وتعهد بتقديم معظم ثروته للجمعيات الخيرية.
ولم يكن لدى «بن طلال» موقفا من الحكومة، ولم يعتبر سياسيا. لكنه كتب في صحيفة وول ستريت جورنال عام 2012: «إذا كان هناك درس يمكن تعلمه من الربيع العربي، فهو أن رياح التغيير التي تهب الآن في الشرق الأوسط ستصل في نهاية المطاف إلى كل دولة عربية. والآن، الوقت مناسب، وخاصة بالنسبة للأنظمة الملكية العربية التي لا تزال تتمتع بقدر كبير من النوايا الحسنة والشرعية العامة، لتبدأ في اتخاذ تدابير من شأنها أن تزيد مشاركة المواطنين في الحياة السياسية لبلدانهم».
وكان قد تعاطف مع الشاب التونسي بائع الفواكه، الذي أضرم النار في نفسه احتجاجا على الشرطة التي سلبته مصدر دخله، مما أدى إلى إشعال الربيع العربي. وقال: «كان الأمر مأساويا. إن ما قام به محمد البوعزيزي يجسد الكثير من الشعور الجماعي باليأس والإحباط لدى العرب». وأضاف: «وقد كانت نداءاتهم إلى قادتهم دقيقة وموجزة، بكلمات (كفاية وارحل)».
وكان من أقوى الشخصيات التي تم القبض عليها، السبت، «متعب بن عبد الله»، رئيس الحرس الوطني، وابن الملك الراحل «عبد الله»، الذي توفي عام 2015. وهو أكبر بكثير من ولي العهد الحالي، وكان من المنتظر أن يكون ملكا مستقبليا للبلاد. وكان يقود أقوى قوة عسكرية في البلاد، والتي تشمل مهامها حماية الأسرة المالكة.
وقال «أوتاواي»، من مركز ويلسون: «يرسل اعتقال الأمير متعب إشارة قوية إلى أن المملكة تنتظر ديكتاتورية ملكية جديدة من قبل أمير مغرور يبلغ من العمر 32 عاما بقدرات غير مثبتة حتى الآن، إلى جانب التوترات والاستياءات الهائلة داخل العائلة المالكة، التي قد تهدد بشكل كبير استقرار آل سعود لأعوام قادمة».
ويتوقع العديد من الخبراء حدوث اعتقالات إضافية. وتقول «سارة ليا واتسون»، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: «إنها لعبة عروش متهورة. لو كنت واحدة من النخبة السعودية اليوم، لن أجلس هادئة أبدا. كان الكثيرون يعتقدون لفترة طويلة أنهم بعيدين جدا عن آثار الفوضى. لكن هذه الاعتقالات ترسل إشارة أخرى».