نيويورك تايمز- ترجمة أسامة محمد -
أدت اعتقالات منتصف الليل التي أصدرها ولي عهد المملكة العربية السعودية في عطلة نهاية الأسبوع إلى سقوط عشرات من الشخصيات الأكثر تأثيرا بينهم 11 من أبناء عمومته في ما يبدو أنه التحول الأكبر في الحكم في المملكة منذ أكثر من 8 عقود.
واعتبرت هذه الاعتقالات، التي أمر بها ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» دون توجيه اتهامات رسمية أو أية إجراءات قانونية، بمثابة حملة ضد الفساد، وقد تم اعتقال أغنى مستثمر في المملكة، الأمير «الوليد بن طلال»، وأقوى منافس متبق لولي العهد: الأمير «متعب بن عبدالله»، ابن الملك الراحل «عبدالله».
وكان الأمير «متعب» قد عزل من منصبه كرئيس لجهاز أمني رئيسي قبل ساعات من إعلان الاعتقالات، مساء السبت.
كما حظر على جميع افراد العائلة المالكة مغادرة البلاد، وذلك فقا لما ذكره مسؤولون أمريكيون يتابعون التطورات.
السيطرة الكاملة
ومع الاعتقالات الجديدة، يبدو أن ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، المستشار المفضل للملك «سلمان»، سيطر الآن على جميع أجهزة الأمن السعودية الثلاثة: الجيش، والأمن الداخلي، والحرس الوطني، والتي تم توزيعها على مدى عقود، على فروع عشيرة بيت سعود للحفاظ على توازن القوى في المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في الشرق الأوسط والحليف الأمريكي الهام.
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية أمر «بن سلمان» بإلقاء القبض على عدد كبير من المثقفين ورجال الدين بما يكفي لتخويف ما تبقى من المؤسسة الأكاديمية والدينية لإخضاعهم لإرادته أيضا.
وأصبح العلماء الذين كانوا يتكلمون بحرية في المقاهي يشعرون الآن بالخوف، حيث حقق ولي العهد الأمير درجة من الهيمنة التي لم يحققها أي حاكم سابق، وقال «شاس فريمان»، وهو سفير سابق في الولايات المتحدة: «إنه انقلاب على النظام القديم، كل السلطة تتركز الآن في يد محمد بن سلمان».
أما عن سبب إقدام ولي العهد على تحرك ولي العهد الآن سواء للقضاء على المعارضة في المستقبل أو ربما لسحق بعض التهديدات، الآنية فإن هذا لم يكن واضحا على الفور.
في سن 32 عاما، كان لدى «بن سلمان» خبرة قليلة في الحكومة قبل أن يصعد والده الملك «سلمان»، 81 عاما، إلى العرش في عام 2015، وقد أظهر الأمير القليل من الصبر على تغيير المملكة.
وقد قاد بلاده إلى نزاع عسكري مطول في اليمن وعداء مريع مع جارتها الخليجية في قطر. وقد شدد على نخبة رجال الأعمال الذين اعتادوا على الدعم الحكومي والتبذير عن طريق وضع خطط جذرية لإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي، وتقليل اعتماده على النفط والاعتماد بدلا من ذلك على الاستثمار الأجنبي.
وقد أجهز على المحافظين في المؤسسة وقام بتخفيف القوانين الأخلاقية الصارمة، بما في ذلك نهاية الحظر الذي طال أمده على قيادة المرأة.
ولكن استعجال ولي العهد قد يوتر ويقلق مستثمري القطاع الخاص الذين يأمل في جذبهم عن طريق طرح الأسهم المخططة لشركة «أرامكو» نظرا لأن هناك انعدام في الشفافية أو إجراءات التقاضي السليمة المحيطة بحملة مكافحة الفساد، وكان رجال الأعمال السعوديون قلقون بشأن خطط ولي العهد حيث كانت الأصول تتحرك بهدوء خارج البلاد حتى قبل الاعتقالات.
وقال «جيمس دورسي» الخبير في شؤون الشرق الأوسط: «إن بعض هؤلاء رجال أعمال يتمتعون بمركز دولي، وإذا تم القبض عليهم في هذه الشبكة، فإن ذلك قد يحدث لأي شخص، فكيف سيكون ذلك مصدر إلهام للثقة وجذب الاستثمارات الأجنبية؟»، غير أن وسائل الإعلام السعودية احتفلت بالاعتقالات على أنها عملية تطهير طال انتظارها.
وقد سمع الجميع تقريبا في العاصمة والرياض وغيرها من المدن الكبرى مثل جدة قصصا عن الأمراء الهاربين بمبالغ هائلة خصصت لمشروعات عامة.
إثارة المخاوف
وقال «برنارد هيكل»، وهو أستاذ بجامعة برينستون إن الاعتقالات «إجهاز جزئي على بعض أفراد العائلة المالكة والذين قاموا بالافلات من العقاب في الماضي، ولكن ذلك أمر يثير مخاوف المستثمرين الأجانب».
ويبدو أن الرئيس «ترامب» أعطى تأييدا ضمنيا للاعتقالات في مكالمة هاتفية مع الملك «سلمان»، قبل أن يغرد بتأييدها على «تويتر».
وقال محللون إن قائمة المعتقلين تبدو وكأنها تشمل أفرادا يتمتعون بسمعة طيبة وهم يمثلون مراكز القوة المتنافسة داخل المملكة، كما شملت الاعتقالات آخرين كانوا يعملون في عهد الملك «عبدالله».
وكان الأمير «منصور بن مقرن» نائب حاكم ولاية عسير المتاخمة لليمن قد تحطمت مروحيته، يوم الأحد، مما أدى إلى مقتل الأمير مع عدد من المسؤولين الآخرين فيما بدا أنه حادث غير ذي صلة، ولم تحدد قناة «العربية» السبب في الحادث.
وقد تخلل تاريخ بيت سعود في بعض الأحيان عنف عصبي في العقود السابقة على تأسيس الأسرة الحديثة في عام 1932، ومنذ ذلك الحين حافظت الأسرة على وحدتها جزئيا من خلال توزيع أدوارها العليا في الحكومة وثرواتها النفطية الهائلة بين فروع مختلفة من العشيرة المترامية الاطراف، والأهم من ذلك هو تقسيم الأجهزة الأمنية الرئيسية الثلاث، التي تشكل القوة الصلبة على الأرض.
لكن الملك «سلمان» سرعان ما عين ابنه المفضل «محمد»، وزيرا للدفاع، ورئيسا للديوان الملكية، ومستشارا اقتصاديا كبيرا ووليا لولي العهد، ثم، في يونيو/حزيران، أزال الملك ابن أخيه «محمد بن نايف»، من منصبه كولي للعهد، ومن دوره القوي كوزير الداخلية المسؤول عن قوات الأمن الداخلي وعمليات مكافحة الإرهاب.
لم يكن واضحا لماذا استهدفت الحملة الأمير «الوليد بن طلال»، الذي اشتهر باستثماراته الماضية والحالية في الشركات الغربية التي تحمل علامات تجارية معروفة، بما في ذلك «تويتر»، «نيوز كوربوريشن»، «آبل» و«فورسيزونز».
وكان الأمير «الوليد» مؤيدا صريحا لخطط ولي العهد لجذب مستثمرين خارجيين إلى المملكة العربية السعودية، ولكن عندما وافقت لجنة مكونة من 34 من كبار أفراد الأسرة المعروفين بمجلس البيعة على صعود الأمير «محمد» إلى ولي العهد، كان أحد المعارضين الثلاثة هو ممثل أسرة «طلال» في المجلس، وفقا لأشخاص مطلعين على التصويت.
وأشار «مايكل ستيفنس»، من المعهد الملكي في لندن، إلى عمليات التطهير الدموية التي قام بها قادة آخرون في المنطقة أحيانا للقضاء على منافسيهم، وقال «ستيفنس»: «ما يفعله ولي العهد هو طريقة للتأكد من عدم وجود تحديات لحكمه»، ويضيف « ستيفنس»: «هل سنقول إن الاعتقالات تشير إلى الانزلاق إلى الاستبداد أوما شابه، أم سنقول إن محمد بن سلمان هو الرجل الذي تمكن من عرقلة الجدار الذي كان يبنى لمقاومة حكمه».