وكالات-
«قبل عشرة أيام من تحول الأمير الوليد بن طلال إلى الهدف الأبرز في حملة مكافحة الفساد السعودية، قضيت أمسية معه في الصحراء.. جلسنا في الهواء الطلق متكئين على الوسائد والسجاد الفسيح المفروش على الرمال، وأسهبنا في الحديث عن أسهم التكنولوجيا والسياسة الأمريكية، بينما كنا نحتسي القهوة العربية ونشاهد مباراة لكرة القدم على شاشة تلفاز كبيرة الحجم».. «لو كان الوليد لديه أي خبر عما سيحدث لما كان سيأتي، لم يظهر عليه أي أمارات للتوتر أو الانزعاج؛ بدا سعيدا ومرحا.. وقد هتف من فرط السعادة عندما فاز نادي الهلال في الرياض بالمباراة».
هكذا استهل الصحفي الأمريكي «إيريك شاتزكر» مقاله المطول المنشور على موقع «bloombergquint»، والذي روى فيه تفاصيل حياة الأمير «الوليد بن طلال» وعاداته وتقاليده من واقع معرفته به، وتفاصيل عشائه الأخير معه قبل 10 أيام من اعتقاله.
السبب الوحيد؟
وعن لحظات معرفته باعتقال الوليد وتصوره لما يمكن أن يكون سببا لذلك، قال الصحفي الأمريكي «لقد اكتشفت اعتقال الوليد أثناء إجازتي في جزء ناءٍ من جزر البهاما، وبسبب صعوبة التواصل عبر الإنترنت فقد ظللت أكافح منذ ذلك الحين لفهم القصة أو تصور السبب، والشيء الوحيد الذي يمكنني أن أفكر فيه هو حادثة وقعت في فبراير/شباط 2015، بعد أسابيع قليلة من وصول الملك «سلمان» إلى العرش السعودي، لسنوات، كان الوليد، ابن شقيق الملك الراحل عبدالله، يخطط لقناة تليفزيونية باللغة العربية من شأنها أن تقدم الأخبار من وجهة نظر أكثر انفتاحا من غيرها في المنطقة، وقد أطلق عليها قناة «العرب»، وأقامت تلك القناة شراكة مع بلومبيرغ ل.ب، الشركة الأم للتلفزيون بلومبيرغ، ومقرها في البحرين.
في اليوم الأول من تشغيلها، تم إغلاق العرب بأمر من الحكومة البحرينية ولم يعاد فتحها، وقالت البحرين إن برامج العرب التي تضمنت مقابلة مع سياسي معارض فشلت في «مراعاة الجهود الرامية إلى القضاء على تيار التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم».
وكانت هذه علامة على أن الوليد قد أخطأ في التسامح للمعارضة من قبل البحرين، والأهم من ذلك، في المملكة العربية السعودية، جارتها والراعي الاقتصادي.
وخلافا لرأي الصحفي الأمريكي، قال مصدر سعودي لـ«CNN»، إن الملياردير السعودي المعتقل، الأمير «الوليد بن طلال»، يخضع لتحقيق في قضايا «غسيل أموال وتقديم رشى وابتزاز بعض المسؤولين، في حين أن الأمير متعب بن عبدالله، قيد التحقيق بملفات اختلاس وتوظيف وهمي»، على حد تعبيره.
أما عن تلك الليلة الأخيرة قبيل اعتقال «الوليد»، فقد قال الصحفي الأمريكي: «تمشينا معاً لمدة 50 دقيقة تحت النجوم اللامعة، وفي حوالي الساعة 11 مساء تناولنا العشاء، وقد ملأت طبقي بالضأن والروبيان والأرز والسلطة من بوفيه كبير شمل ما لا يقل عن اثنتي عشر طبقا».
بدا سعيدا
ونفى أن يكون سلوك «الوليد» قد أظهر أي توترات تشي بوجود مشاكل لديه مع السلطات السعودية: «لو كان الوليد لديه أي تنبؤ بما سيحدث لظهر عليه ذلك، فالمستثمر الملياردير، الذي اشتهر بحصصه الكبيرة في مجموعة سيتي جروب، وشركة آبل، وشبكة "تونتي وان سينتوري فوكس"، بدا سعيدا ومستريحًا.. لقد صاح من فرط السعادة وهتف عندما فاز نادي الهلال السعودي بالمباراة».
وتابع: «كنا في منتصف الليل تقريبًا عندما عقد الأمير مجلسًا، وهو احتفال بدوي تقليدي يأتي فيه رجال القبائل لإظهار احترامهم وطلب أعمال خيرية.. اصطف طابور طويل من الرجال الذين يرتدون الجلابيب البيضاء والعقال العربي الشهير ذو الألوان الحمراء والبيضاء، والذين اصطفوا تحت جنح الظلام، وقد اقتربوا الواحد تلو الآخر، وخلعوا النعال، وانحنوا ليسلموه مظروفا، فيما أنشد بعضهم أشعارًا، وبدوره، فتح الأمير كل ظرف ووضعه على كوم من الظروف».
وتابع الصحفي الأمريكي: «في أحد الجوانب، جلست بعض الإبل على الأرض، فيما تم إحضار صقرين كبيرين ووضعهما بالمكان المخصص لهما، وفيما وراء جهاز التلفاز كانت هناك ساعة رقمية تومض بالوقت ودرجة الحرارة، خلفنا كان هناك عد كبير من المنازل المتنقلة والمقطورات ومربعات سكنية ومنطقة إدارية، وعندما انتهى الحفل، شكرت الأمير على ضيافته، وصعدت إلى سيارة الدفع الرباعي مع أحد سائقيه، لننطلق على الطريق الترابي للحاق برحلتي الجوية في الساعة 4:07 لمغادرة المملكة».
وفي أعقاب عطلة نهاية الأسبوع الماضي، اعتقلت السلطات السعودية الوليد في نفس المخيم الصحراوي، ومكان وجوده غير معروف الآن.
وعلى المستوى العلني على الأقل، فإن مواقف «الوليد» في القضايا الاجتماعية والاقتصادية تتفق مع حملة التجديد الحالية بقيادة ولي العهد «محمد بن سلمان» (32 عاما)، وهذا ربما يدحض مزاعم أن اعتقاله تصفية حسابات.
وأضاف شاتزكر: «لقد تطرق إلى حظر قيادة النساء للسيارات في السعودية»، وفي عام 2013، قال «الوليد» في تغريدة على «تويتر» «إن هذا الأمر ليس له معنى اقتصادي»، كما قال لي الكلام نفسه في أحاديث مغلقة مؤخرا، وكانت الحكومة السعودية قد أعلنت قبل ستة أسابيع أن المرأة سوف يسمح لها بالقيادة بحلول يوليو/تموز المقبل.
دعم «بن سلمان»
وتابع الصحفي الأمريكي: «عندما قابلت الوليد في شقته في الرياض قبل عام، قال إن خطط الأمير محمد للحد من اعتماد المملكة العربية السعودية على عائدات النفط، وخفض عجز الموازنة، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية كانت موضع ترحاب كبير ودعم مني شخصيا».
دائماً ما كان «الوليد» يقول إن ثروته التي تقدر الآن ب 17.8 مليار دولار وفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، جاءت نتيجة مجهود ذاتي، وفي عام 1991 اختطف الأضواء في قطاع المال من خلال إحياء بنك «سيتي بنك»، الذي كان يتخبط في ذلك الوقت وبحاجة لما يقرب من 600 مليون دولار، وشملت الاستثمارات البارزة الأخرى على مر السنين شركة موتورولا وشركة تايم وارنر، ومؤخرا شركة تويتر وشركة «Lyft Inc».
ويستثمر الوليد الكثير من أمواله في شركة المملكة القابضة، وهي الشركة الاستثمارية التي اشتراها في عام 2007 ولازال يسيطر على حصة 95% من أسهمها، هذه الأسهم تراجعت بنسبة 21% تقريبا منذ اعتقاله، مما خفض ثروته بمقدار 1.3 مليار دولار على الأقل، فيما تأتي بقية ثروته على هيئة مجموعة متنوعة من الأصول، مثل المجوهرات وشركات الإعلام والعقارات.
وفي أول زيارة لي بالمملكة العربية السعودية في عام 2010، «اصطحبني الوليد في جولة مدتها خمسة أيام بمصالحه التجارية وممتلكاته، وعرفني على أسلوب حياته، ولقد مشينا عبر سوبر ماركت هايبر باندا بوسط الرياض، وتوقفنا لدى منفذ هارفي للوجبات السريعة، وهي النسخة السعودية من بيغ ماك، وسمح لي الأمير باستكشاف قصره، الذي يضم 400 غرفة، كما زرنا شقته الكائنة في طابق مرتفع من برج المملكة، إضافة إلى مخيمه الصحراوي القديم».
تناولنا وجبات معاً، ولعبت مع أحفاده، وركبنا الدراجات وسبحنا في بركة السباحة المرفقة بغرفته، بل وكنا عالقين معاً في عاصفة ترابية.
وتابع: «كان الأمير يعتمد على الموظفين، والذين بلغ عددهم المئات بدءا من الطهاة ومرورًا بالعاملين في حدائقه، ومنسقي الرحلات، والأمن الشخصي، والطيارين، وغيرهم كثيرين، ولم تكن لديه طائرة خاصة واحدة، وإنما كان لديه أسطول من الطائرات، بما في ذلك بوينغ 747 فاخرة»، مشيراً إلى أن الوليد فاق السعوديين في تعزيز الحماية والحراسة.
كل شيء عن «الوليد»
وأضاف: «استغرقت وقتاً طويلاً لدراسة استثمارات الأمير، وفهم وضعه غير العادي في التسلسل الهرمي السعودي، وقد أشبع فضولي بمنحي إمكانية الوصول لكل شيء، ولقد رافقت الوليد في رحلتين إلى إنجلترا في عام 2010 لإعداد ملف شخصي حوله، وسافرت لمقابلته في الرياض عام 2012، ومنحني ما لا يقل عن خمس مقابلات حصرية، كما التقينا عدة مرات في نيويورك في مكاتب بلومبيرغ وفي فندق بلازا، الذي يملك حصة قليلة فيه أيضا».
واستطرد شاتزكر: «طوال هذا الوقت وفر لي نافذة على تفضيلات الأمير الملياردير وعاداته. وأعرف، على سبيل المثال، أنه نباتي ويفضل الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية، وأعرف أيضاً أنه يقدم لضيوفه أطباق عشاء من أربعة أصناف من المأكولات السعودية واللبنانية والغربية، وتحديداً الفرنسية والإيطالية، وكذلك يوفر أطعمة لمن يتبعون برامج الحمية».
وتابع: «كما أعرف أنه يتابع الأخبار المالية والدولية باستمرار حتى في السيارة، ويحرص على متابعة شبكة بلومبرغ، وCNBC، وفوكس للأعمال وسي إن إن على شاشات متعددة في نفس الوقت، وأعرف أيضاً أنه يحب وضع صور لنفسه في كل الأماكن، وأن هناك واحدة حتى داخل الثلاجة وفي المطبخ الصغير قبالة غرفة نومه، ولقد رأيت تلك الصورة بأم عيني».
مثل العديد من الاتصالات المهنية والشخصية، أبقى على اتصال مع الأمير عن طريق التواصل النصي وخاصة برنامج «واتس اب»، لكنه في الأيام القليلة الماضية، فشلت جهودي للوصول إليه على حد سواء».
وإذا ما احتجز هو وآخرون في فندق ريتز كارلتون في الرياض، كما تشير التقارير، فإنه لا يسمح لأحد بالتواصل الخارجي، وكان الشيء الوحيد الذي وردني من جانب الوليد عبارة عن بيان من المملكة القابضة قائلة إن الشركة تواصل عملياتها التجارية المعتادة وتأمين الدعم من الحكومة.
واختتم الصحفي مقاله قائلا: عندما رأيت الوليد آخر مرة في الصحراء، أظهر لي كتابا كان يقرأه بعنوان «لماذا ننام»، لعالم الأعصاب «ماثيو ووكر»، حينها قلت له إنه كتاب أخطط أنا أيضا لقراءته، واتفقنا على تبادل الملاحظات بعد الانتهاء منه في اللقاء التالي، لكنه الآن، يبدو وكأنه لن يكون هناك لقاء تالٍ بيننا أبدا.