أرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولوسكي - ناشيونال إنترست
يصف النقاد الأحداث الأخيرة في المملكة العربية السعودية كنسخة سعودية من «لعبة العروش»، مع وصف حملة التطهير غير الدموية التي نفذها الملك سلمان بترتيب من ابنه «محمد بن سلمان» كنوع من مؤامرات القصر التي حبكها شكسبير في هاملت والملك لير وماكبث، ولكن دون دماء.
لكن عمليات التطهير التي جرت على النمط السعودي، واستخدام فندق ريتز كارلتون في الرياض كمكان احتجاز للمعتقلين، يجب ألا تخفي الجدية الشديدة في تلك التحركات. ويبدو هنا أن الشاب، الذي تجاوز الـ 30 عاما بقليل، وصاحب الخبرة المحدودة في مجال الحكم، يبذل محاولة غير مسبوقة للسيطرة. وإذا نجح، وهو أمر يستحيل معرفته في هذه المرحلة، فإن التأثير قد يغير تماما شكل المملكة ودورها الإقليمي لأعوام قادمة. ومع ذلك، سيكون من الحكمة بالنسبة للولايات المتحدة ألا تلقي بكامل ثقلها وراء «بن سلمان» دون شروط، لئلا تنهار سياستها في الشرق الأوسط.
العمل النادر
ولفهم أهمية ما يحاول الملك «سلمان» وابنه القيام به، فمن الضروري أولا تقييم سياق ما هو طبيعي في المنطقة، التي تتجنب التحول الجذري لصالح صفقات أكثر محدودية، وتفضل التحركات الرمادية بدلا من الأسود والأبيض. وقد كانت سمة السياسات في المنطقة إما الإبقاء على الوضع الراهن تقليديا أو التغيير التدريجي من خلال زعماء حذرون ولا يتسمون بالجرأة. وفي هذه الحالة لا يمكننا اعتبار هؤلاء الرجال قادة على الإطلاق، بل هم بشكل أكبر مجرد سياسيين يكونون عادة أكثر تركيزا على الاحتفاظ بمقاعدهم، بدلا من المخاطرة بها من خلال جهود ومحاولات التغيير الجذري في نظمهم المحلية أو حتى في نفوذهم في الخارج من خلال أعمال طموحة للإصلاح أو السلام أو التهدئة.
وفي الواقع، من الناحية المجازية، فالقادة العرب أفضل بالنظر في مرآة الرؤية الخلفية أكثر من النظر إلى الأمام. ويمكننا تذكر إجراءات جريئة، سواء سيئة أو جيدة، مثل قرار «أنور السادات» بضرب (إسرائيل) في أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وزيارته للقدس عام 1977، إضافة إلى غزو «صدام حسين» للكويت، ومعاهدة السلام التي أبرمها الملك «حسين» ملك الأردن مع (إسرائيل). وكلها قرارات نادرة في منطقة يرفض فيها القادة المخاطرة واختبار المياه الهائجة.
محاولة للسيطرة المطلقة
وإذا كان هذا صحيحا بالنسبة للعالم العربي عموما، فقد كان سمة مميزة للسياسة الداخلية والخارجية السعودية لعقود. واستطاع صناع القرار السعوديون، من خلال الالتزام بالإجماع وتوافق الآراء داخل الأسرة الحاكمة، الحفاظ على التقاليد في المملكة لأعوام، مدفوعين بالحاجة إلى الاستقرار في عملية الخلافة وعدم زعزعة البلاد من الداخل. وفي الواقع، كانت طبيعة نقل السلطة عملية مبهمة، لا يظهر فيها منطق واضح، يدفعها محاولة التوصل إلى درجة من الإجماع لا تترك جيوبا غاضبة داخل السلطة خارج فلك الملك الجديد. لكن رغم ذلك، كانت هناك تحولات مزعجة، على سبيل المثال، الإطاحة بالملك «سعود» عام 1964، واغتيال الملك «فيصل» عام 1975. ولكن بشكل عام، تمكنت العائلة المالكة من الإبقاء على التماسك والاستمرارية، وأبقت الغسيل القذر والعمل الداخلي للخلافة بعيدا عن أعين الجمهور.
واستمر ذلك حتى الآن. وهذا ما يجعل محاولة «محمد بن سلمان» للسيطرة على السلطة أمرا مذهلا للغاية. وعلى مدى العامين الماضيين، نقل الملك «سلمان» سلطة هائلة إلى «بن سلمان»، في السياسة الخارجية والاقتصادية والنفطية. وهذا الصيف، أطاح الملك بولي العهد «محمد بن نايف»، ورئيس وزارة الداخلية القوية، والصديق القديم والأكثر موثوقية لدى الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وهمشه بشكل تام، وحل محله «بن سلمان» في ولاية العهد. وقد تم شن حملة ضد رجال الدين والمعارضين المتشددين، وتم تقليص سلطات الشرطة الدينية. لكن عمليات التطهير، الأسبوع الماضي، وضعت معيارا جديدا للجرأة. وقد تم إخراج الأمير «متعب بن عبد الله»، رئيس الحرس الوطني، مركز الثقل العسكري الوحيد المتبقي خارج سيطرة «بن سلمان»، من الصورة، وتم وضعه قيد الإقامة الجبرية. وبالإضافة إلى ذلك، اعتقل «بن سلمان» ما لا يقل عن 11 من الأمراء، والعشرات من المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين، بما في ذلك الأمير «الوليد بن طلال»، المستثمر العالمي، رغم خطابات التحديث ودور عولمة المملكة في الاقتصاد العالمي. ومن الواضح أن عمليات التطهير الأخيرة كانت تحذيرا لجميع الذين قد يفكرون حتى في تحدي النظام الجديد الناشئ. ولم يسبق أن كان لدى السعودية حتى الآن ملك يسيطر على كل هذه القوة.
سياسة خارجية متهورة
وحينما بدا من المستحيل أن يستطيع «بن سلمان» المتهور والمندفع القيام بضرر آخر للمصالح السعودية والأمريكية في المنطقة، فإن مذبحة ليلة السبت الماضي، في الرياض، تضعه في وضع يسمح له بتوليد صداع أكبر للمملكة وواشنطن.
ويعد «بن سلمان» الصورة العكسية للملك ميداس (في الميثولوجيا الإغريقية هو ملك يحول كل ما تلمسه يده إلى ذهب)، فكل ما يلمسه «بن سلمان» تضربه الفوضى، سواء كان الموت الوحشي والدمار الذي أصاب اليمن جراء تدخل المملكة، أو سياسات المملكة غير الفعالة في سوريا، أو المعركة التي لا داعي لها مع قطر، أو الخطر المتزايد الآن من مواجهة قد يتسبب فيها بن سلمان مع إيران من أجل التفوق الإقليمي، والتي قد تترك الولايات المتحدة عالقة، في وضع لا تحسد عليه، بين الطرفين. (انظر إلى الضغط السعودي لإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة). ولا يوجد شيء قد أظهره «بن سلمان»، في فترة ولايته كحاكم للمملكة بحكم الأمر الواقع، يمكن أن نبني عليه الثقة في قيادته للسياسة الخارجية السعودية أو كفاءته في الحكم.
والآن، بعد أن حطم عملية صنع القرار التقليدية التي كانت تعتمد على الإجماع، فإنه سوف يكون قادرا على العمل بلا حدود أو قيود. ويجب على واشنطن أن تربط أحزمة الأمان للإقلاع، إلا إذا كانت مستعدة للمخاطرة بالمصالح الأمريكية وليس فقط المصالح السعودية.
«ترامب» و«بن سلمان»: علاقة حميمية جديدة
يبدو أنه ليس هناك عدد محدد من المعارك، المحلية والأجنبية، التي يمكن للرئيس «دونالد ترامب» اختيار الانخراط فيها في وقت واحد. وفي الحقيقة، يملك «ترامب» و«بن سلمان» الكثير من القواسم المشتركة. فكلاهما شخصيات استبدادية، وكلاهما عديم الخبرة في مجال الحكم، ولا سيما في مسائل السياسة الخارجية، ولكل منهما تضخم كبير في الذات، يعوق طريق الحكمة اللازمة للحكم الرشيد.
ولا شيء قام به «بن سلمان»، في اليمن أو قطر أو سوريا أو لبنان، قدم شيئا إيجابيا لمصالح أمريكا. بل على النقيض من ذلك، عززت مساعيه المتهورة تنظيم الدولة والقاعدة وإيران، وقسمت مجلس التعاون الخليجي، وخلقت مزيدا من عدم الاستقرار في اليمن ولبنان، وجعلت أمريكا متواطئة في جرائم الحرب السعودية في اليمن، مما ألحق ضررا بسمعتنا في المنطقة وخارجها. ومن خلال الشيكات المكتوبة على بياض، مكنت الولايات المتحدة الأمير الوحشي من إغراق المملكة في مظاهر سلبية، وجعلت السعودية تبدو كدولة استبدادية مثل روسيا «بوتين» والصين مع الرئيس «شي»، بدلا من الدولة التقدمية التحديثية التي كان يعتقد المعجبين به في الولايات المتحدة أنه يريد خلقها. ولم يكن «بن سلمان» ليفعل كل هذا دون خوف من العقاب، إلا بمعرفة أن البيت الأبيض سوف يستمر كأكبر داعم له. وإذا أراد الرئيس ومستشاريه تجنب المزيد من التشابكات والنزاعات في منطقة غاضبة ومضطربة، فعليهم التوقف عن منح «بن سلمان» الضوء الأخضر، والبدء بمعاملته مثل خطر يهدد مصالح أمريكا ومصداقيتها في المنطقة. وإذا كان الرئيس يعتقد أن السعودية في ظل «بن سلمان» قد تصبح شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة في تحقيق السلام العربي الإسرائيلي وتراجع النفوذ الإيراني، فهو أكثر انفصالا عن الواقع مما يبدو عليه.
هل يمكن أن ينجح؟
تواجه السعودية العديد من المشاكل، منها انخفاض أسعار النفط، واعتماد اقتصادها على الهيدروكربونات، والعجز الذي سيستمر في التوسع بسبب تعود المواطنين على الفوائد والإعانات التي يحصلون عليها من المهد إلى اللحد، وعادات الحكم السيئة داخل العائلة المالكة، والحرب طويلة الأمد في اليمن التي لا يعرف السعوديون كيف ينهونها، وإيران الانتهازية الحريصة على الاستفادة من عثرات السعودية. وقد يكون لرؤية «بن سلمان» الجريئة، بما في ذلك رؤيته الطموحة لعام 2030، التي تهدف إلى فطم المملكة من النفط وتنويع الاقتصاد، معنى على الورق. لكن لا يتضح إذا ما كانت تلك الرؤية قابلة للنجاح، أو حتى إذا كانت قادرة على التصدي جزئيا للتحديات، لأن التفاصيل العملية للرؤية مبهمة.
وفي الوقت نفسه، فإن سياسته الخارجية المغامرة، والمصممة لاحتواء النفوذ الإيراني، قد فشلت إلى حد كبير. وفي الوقت الحالي، لا يواجه «بن سلمان» عقبات حقيقية في طريقه، بخلاف رد الفعل في الداخل والمنطقة من طموحاته الكبيرة. ومن الممكن، على افتراض قدرة المملكة على البقاء على قيد الحياة لنصف قرن آخر، أن يحكم المملكة لـ 50 عاما من الآن. ولديه الوقت والمساحة، الآن، للقيام بأشياء كبيرة. ويبقى السؤال هو ما إذا كان يمتلك الحكمة والصبر للحكم. وانطلاقا من أدائه حتى الآن، لن يكون من الحكمة وضع كل الرهانات على شاب، يبدو أنه في عجلة من أمره، لإنجاز أشياء كبيرة.