الخليج اونلاين-
تحديات قاسية تلك التي يواجهها الاقتصاد السعودي، الأقوى عربياً، منذ تراجع أسعار النفط عالمياً عام 2014، هبطت به إلى "المنطقة الحمراء"، ما ينذر بوصوله لحافة الهاوية، في حال استمرّت المملكة على ذات خطاها.
بدأت التحدّيات فعلياً عندما انهارت أسعار النفط وفقدت أكثر من نصف قيمتها، منذ منتصف عام 2014، وهو ما تسبّب بتضرّر 95% من إيرادات السعودية المعتمدة على قطاع النفط، تبعها في ذات العام مشاركة المملكة في التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، وهو ما فرض عليها تكلفة اقتصادية قاسية.
وفي بداية عام 2015، أعلنت السعودية عن عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد "الحوثيين" والقوات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، في اليمن، لتستنزف هذه الحرب أموال المملكة، وتخلق مخاوف لدى المستثمرين المحليين والأجانب في الدولة، وتدفع نسبة كبيرة منهم للبحث عن موطئ قدم جديدة لمشاريعهم.
وجاءت أزمة الاعتقالات الأخيرة التي طالت رجال أعمال وأمراء ومسؤولين؛ بذريعة محاربة الفساد، لتُعمّق مشكلة الاقتصاد السعودي وتصيبه بخسائر فادحة، علاوةً على خلقها نوعاً من الضبابية والغموض حول مستقبل اقتصاد المملكة.
وفي قراءته للتحديات التي تواجه السعودية، قال مصطفى عبد السلام، الكاتب المختصّ بالشؤون الاقتصادية: إن "مشكلة الاقتصاد السعودي أعمق وأقدم من التبعات والمظاهر الحالية؛ فهو يعتمد منذ سنوات على قطاع النفط في تحقيق إيراداته، ولذلك عندما انهارت أسعار النفط بدأت متاعب المملكة الاقتصادية".
وأضاف لـ "الخليج أونلاين": إن "تضرّر الاقتصاد السعودي جراء هبوط أسعار النفط جاء لكون 95% من إيرادات الموازنة العامة تأتي من صادرات النفط".
وأشار عبد السلام إلى أن "هبوط أسعار النفط تسبّب بعجز في الموازنة السعودية العامة، بلغ 79 مليار دولار، العام الماضي، وأكثر من 51 مليار دولار، خلال 2017، علاوة على أن المملكة سحبت أكثر من ثلث احتياطي النقد الأجنبي لديها، ليتراجع لأقل من 500 مليار دولار حالياً، مقابل 760 مليار دولار قبل ثلاثة أعوام".
ورأى أن "عملية السحب من الاحتياطي النقدي الأجنبي زادت عقب دخول الحرب في اليمن، وزيادة تكلفة الحرب على داعش في سوريا والعراق".
وبحسب بيانات رسميّة، فإن احتياطي النقد الأجنبي لدى السعودية تراجع بشكل غير مسبوق، فبعد أن كان 737 مليار دولار، عام 2014، انخفض إلى 487 ملياراً، في يوليو 2017.
وقدّر تقرير سابق لـ "الخليج أونلاين"، تكلفة الحرب السعودية ضد "الحوثيين" في اليمن بين 85 ملياراً و760 مليون دولار، و87 ملياراً و560 مليون دولار، بما يشمل تكلفة الضربات الجوية والمساعدات المقدّمة لليمن، وقيمة إعادة الإعمار.
كما أن السعودية رفعت قيمة إنفاقها العسكري، عقب دخولها في الحرب عام 2015، إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 2013، 59.6 مليار دولار فقط.
ووفق عبد السلام، فقد جاءت أزمة الاعتقالات الأخيرة لرجال الأعمال والأمراء والوزراء لتعمّق مشكلة الاقتصاد السعودي، حيث خلقت نوعاً من الضبابية السياسية والغموض، ليس فقط حول مستقبل الاقتصاد، بل حول طبيعة مستقبل نظام الحكم، وهو أكثر المخاطر التي تواجه الاقتصاد وتُقلق المستثمرين المحليين والأجانب.
وحذّر المختصّ الاقتصادي من أن عدم احتواء أزمة الاعتقالات بسرعة سيتسبّب بمتاعب لاقتصاد السعودية، خاصة مع هروب رؤوس أموال بعض المستثمرين، وبيع أصولهم وتأجيل ضخ استثمارات جديدة.
وقال بهذا الخصوص: "أخشى أن يعمّق استمرار تراجع أسعار النفط، وحالة الركود التي تشهدها البلاد، وتراجع أنشطة القطاع الخاص، أزمات الاقتصاد، وأن تنتقل السعودية إلى حالة استنزاف للاحتياطي الأجنبي، ما سيؤدّي للضغط على قيمة عملتها".
وأعرب عبد السلام عن تخوّفه من أن "يضغط تراجع موارد الدولة على صناع القرار لتحميل المواطن تكلفة تغطية عجز الموازنة؛ عبر زيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه، ورفع الرسوم وفرض الضرائب، والضغط على العمالة الوافدة من خلال زيادة تكلفة إقامتها في المملكة، وهو ما سيؤثر سلباً على أوضاع الاقتصاد".
ولعل ما يؤكّد حديث المختص الاقتصادي حول التأثير الاقتصادي لأزمة الاعتقالات السعودية، هبوط قيمة أسهم 65 شركة خليجية، غالبيتها سعودية، لأدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، وبعضها منذ الإدراج في البورصات.
وكان النصيب الأكبر من الأسهم الخاسرة في بورصة السعودية بواقع 24 سهماً، تتبعها قطر بنحو 16 سهماً، ثم الكويت 13 سهماً، فدبي 8 أسهم، وأبوظبي بثلاثة أسهم، مقابل سهم وحيد في بورصة مسقط.
وقد تكبّدت البورصات الخليجية خسائر فادحة متأثرة بتداعيات حملة التوقيفات السعودية، تجاوزت الـ 17 مليار دولار.
كما أن موجة الاعتقالات أربكت المستثمرين، فهي طالت رجال أعمال يملكون شركات توصف بأنها "عمالقة الاقتصاد العربي" و"عصب" الاقتصاد السعودي، فستة من المعتقلين فقط، لا تقلّ ثرواتهم مجتمعة عن 43.8 مليار دولار.
وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في تقرير لها، أن اعتقالات السعودية بثّت حالة من عدم اليقين بين المستثمرين الذين يخشون من توسّع الحملة ضد قادة الأعمال في المملكة.
وأشارت إلى أنه رغم أن الانكماش الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية قد أدت بالفعل لهروب رؤوس الأموال من المملكة، على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن هذه التطورات الأخيرة ستسرع وتيرة التدفقات الخارجة من السوق.
وحول ذلك قال منير سيف، الخبير الاقتصادي اليمني: إن "الإصلاحات ومحاربة الفساد بالسعودية نقطة حساسة جداً، وتعدّ من التحديات التي تواجه اقتصاد المملكة".
وأضاف في حديثه لـ "الخليج أونلاين": "إن كان هدف الاعتقالات السعودية الإصلاح فسيشهد اقتصاد المملكة تحسّناً في الفترة المقبلة، أما إذا كان الهدف الخصومة السياسية فإن التأثيرات ستكون سلبية على السعودية والمنطقة بالكامل".
وإضافة إلى أزمة الاعتقالات، فإن من أهم التحديات التي تصارع اقتصاد المملكة الحروب الخارجية؛ خاصة في اليمن، ضد "الحوثيين" والقوات الموالية لصالح، وفي سوريا والعراق ضد تنظيم "داعش"، إضافة إلى وجود حديث عن فتح تدريجي لجبهة في لبنان ضد "حزب الله"، كما يقول المختص الاقتصادي.
ويوم الجمعة الماضي، اعتبر أمين عام "حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله، أن السعودية أعلنت الحرب على لبنان وعلى "حزب الله"، وقال: إن "رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، محتجز في السعودية وممنوع من العودة إلى لبنان".
يأتي ذلك بعد أيام من إعلان الحريري، السبت الماضي، عبر بيان متلفز، استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية، في قرار فاجأ السياسيين اللبنانيين، وتُتّهم الرياض من قبل جهات سياسية ومجتمعية لبنانية باعتقال سعد الحريري وإرغامه على إعلان استقالته.
وحول قدرة السعودية على مواجهة التحديات الاقتصادية، قال سيف: إن "اقتصاد المملكة قوي ولديه إمكانات، ويمكنه تجاوز أزمته بالتحوّل للاعتماد على الموارد غير النفطية".
كما رأى أن تمكّن السعودية من تحقيق تقدّم في التسوية باليمن، وتجاوزها للأزمة اللبنانية، إضافة لمحاربتها الفساد، سيمكّنها من مواجهة تحدياتها الاقتصادية.
لكن الخبير الاقتصادي يؤكد أن عدم معالجة تلك المشكلات سيكون له تأثير كبير على اقتصاد المملكة، حيث سيتأثر حجم ناتجها القومي بشكل كبير، وستزيد معدلات البطالة، وترتفع الأسعار، علاوة على تأثّر السوق المالي.
وفي استعراض لأحدث البيانات الاقتصادية السعودية، يظهر أثر الأزمات التي واجهتها المملكة منذ عام 2014 على اقتصادها.
وبحسب بيانات رسمية، فإن احتياطي النقد الأجنبي لدى السعودية تراجع من 737 مليار دولار عام 2014، إلى 487 ملياراً في 2017.
ويضاف إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي تسارع وتيرة لجوء الحكومة السعودية إلى أسواق الدين خلال العامين الماضيين والعام الحالي.
وأعلنت وزارة المالية السعودية، في أغسطس الماضي، أن الدين العام للدولة بلغ 91 مليار دولار، تضاف إليه صكوك محلية طرحتها المملكة، خلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين، بقيمة 9.9 مليارات دولار، وسندات دولية بقيمة 12.5 مليار دولار، ليقفز بذلك حجم الدين السعودي إلى 113.4 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالناتج المحلي، ففي نهاية سبتمبر الماضي، توقع معهد "التمويل الدولي"، في تقرير له، أن ينخفض الناتج المحلي للمملكة بنسبة 0.4%، في نهاية 2017.
وأظهرت بيانات رسمية سعودية انكماش الناتج المحلي الإجمالي، خلال الربع الثاني من عام 2017، بنسبة 1.03%.
ورغم محاولات المملكة لتجاوز الأرقام سالفة الذكر؛ عبر التحوّل للاقتصاد غير النفطي، فإن جهودها لم تنجح بالشكل المطلوب حتى الآن.
وبحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية الاقتصادية، فإن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%، وهو رقم ضئيل جداً مع خطط الحكومة الطموحة.
واستدلّ تقرير "بلومبيرغ" على عدم نجاح خطط التحوّل للاقتصاد غير النفطي بانكماش اقتصاد السعودية بمعدل سنوي قدره 1.03%، في الربع الثاني، بعد انكماشه بنسبة 0.5%، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.