الخليج اونلاين-
منذ أن صعد نجم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان آل سعود، عام 2015، عندما عزل الملك سلمان بن عبد العزيز، شقيقَه مقرن من ولاية العهد، وأفسح الطريق لنجله (محمد) للصعود في سُلم ترتيب الحكم، كان واضحاً أن الأمير الشاب عيْنه صوب عرش الملكية الأكبر في الجزيرة العربية، لكن المحاذير المتواصلة ما زالت تشكل نخراً في كرسي الحكم قبل جلوسه عليه.
فمع صعود بن سلمان إلى المراتب الثلاث الأولى بمؤسسة الحكم السعودي في عام 2015، ثم تسلمه ولاية العهد، بدأ التحول الحقيقي عن المؤسسة الدينية، لا سيما بعد إعلان إطلاق "رؤية 2030" التنموية، التي قال عنها بن سلمان نفسه: إنها "ستجعل من السعودية دولة على النمط الحديث".
تولي بن سلمان ولاية العهد أطلق الضوء الأخضر لشن السلطات السعودية حملة طاحنة على رموز التيار الديني وما كان يسمى "الصحوة"، والذين يحظون بشعبية في أوساط المجتمع السعودي، كسلمان العودة وعوض القرني وغيرهما.
لم يقتصر الأمر على هذا التيار الذي يوصف بين جمهوره بـ"الوسطي"؛ ففي وقت كان انتقاد التيار الديني خجولاً ومحصوراً في الشخصيات "الليبرالية"، وكانت الدولة حائط الصد المنيع في وجه منتقديه، بات اليوم منتقدوه مسؤولين بارزين، وسط مساعٍ لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما كان العمل على نزع سلطة التيار الديني جارياً، حين سُحبت سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كان يخشاها السعوديون سابقاً وتراقب عدم تطبيق الشريعة بالمجتمع، وتم تحجيم العديد من المظاهر التي توصف بـ"الوهابية"، خصوصاً إقصاء أئمة الجوامع المتشددين لها.
- عودة أجواء "احتلال الحرم"
صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أشارت إلى احتمالية أن تنقلب سياسات بن سلمان عليه، ويكون هناك رد فعل "متطرف"، تماماً كما حصل في أحداث عام 1979، عندما وقعت حادثة احتلال الحرم المكي، وبعدها سلمت العائلة الحاكمة مقاليد البلاد إلى السلطة الدينية، التي أسهمت في انتشار الفكر "الوهابي" وتصديره حتى إلى خارج السعودية، بحسب الصحيفة.
ففي ذلك العام ومع فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، مدّعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.
الحادثة هزت العالم الإسلامي برمته؛ فمن حيث موعدها فقد وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث عنفها تسببت في سفك الدماء بباحة الحرم المكي، وأودت بحياة بعض رجال الأمن والكثير من المسلحين المتحصنين داخل الحرم، وحركت الحادثة بسرعةٍ، مشاعر الكثير من المسلمين، وشجبها جميع المسلمين وأنكروها ووقفوا ضدها.
وكان نشاط التيارات الإسلامية حينها في أوجِه، مع بدء تشكُّل التيارات الإسلامية في بعض المناطق السعودية والعالم العربي، والتحركات الإسلامية في سوريا، ومن جانب آخر إبرام معاهدة كامب ديفيد، وما يبدو أنه بدء الاعتراف العربي الرسمي بانتهاء عهد الحروب مع إسرائيل وبدء الاعتراف بوجودها الطبيعي، وأخيراً انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الذي ولّد لدى تيارات إسلامية أخرى تصوُّر إمكانية تكرار مشابه لما فعله الخميني في إيران، وتخوُّف الحكومات العربية والعالمية في الوقت نفسه من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات إسلامية خارج نطاق السيطرة.
داخلياً وحين ظنت السعودية أنها بعيدة عن الحركات الإسلامية، تحرُّك جهيمان العتيبي خيّب آمالهم، خاصةً أنه شكك في شرعية آل سعود باعتبارهم يفتقدون شرط "القرشية" في الحكم، وبرر هجومه باعتباره "نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، والدعوة إلى مبايعة صهره محمد عبد الله القحطاني خليفة للمسلمين، وإماماً لهم على أنه المهدي المنتظر".
كما كان ظهوره مرتبطاً بتغييرات اجتماعية واقتصادية في الستينيات والسبعينيات؛ منها محاولة المؤسسة الدينية التقليدية الحفاظ على موقعها، بتأكيد المحافظة في مجتمع بدأ يتجه تدريجياً نحو الحداثة والانفتاح، كظهور النساء في التلفاز الرسمي والأغاني والانفتاح على الثقافة الغربية.
- تشابه الظروف مع اليوم
وخلال الإعلان عن مشروع مدينة "نيوم" المثيرة للجدل، أكد بن سلمان أن بلاده "ليست مستعدة لإضاعة 30 عاماً في محاربة الأفكار المتطرفة"، ما يعني عزم القيادة السعودية على القطيعة مع الماضي.
وتابع قائلاً: "70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم؛ لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونسهم في تنمية وطننا والعالم".
واللافت أيضاً أن مشروع "نيوم"، التي قدّرت كلفة إنشائها بـ 500 مليار دولار، لن تخضع لقوانين المملكة المحافظة، بل سيكون لها قوانينها الخاصة إلا فيما يتعلق بالسيادة، ما سيطلق العنان لجعلها بمصاف المدن الأوروبية، كما ذكر بن سلمان نفسه.
وعلى صعيد الحياة العامة، جرت مساعٍ من قِبل مجلس الشورى السعودي، في سبتمبر الماضي، لضم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى وزارة الشؤون الدينية وإنهاء استقلالها، لكن هذه المحاولة أخفقت حتى الآن؛ لرفض أغلبية المجلس الخطوة، علماً أن الهيئة تتعرض لانتقادات دائمة وتُتهم بمضايقة العامة.
الأمر لم يقف هنا، فوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، من جهته، أعلن أن سلطات بلاده فصلت عدة آلاف من الأئمة من العمل في المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرف.
كما كان الإحتفال هذا العام بالعيد الوطني في سبتمبر الماضي، مميزاً، حيث شاركت النساء إلى جانب الرجل للمرة الأولى فيه، في كسر لحرمة "الإختلاط" التي طالما كان يخشى شيوخ السعودية منها.
وبالتوازي مع ذلك، تسارعت الأخبار التي تذكر أن بن سلمان يعمل على التقارب مع إسرائيل، خاصة بعد أنباء ذكرت أنه زارها سراً في سبتمبر الماضي، وسط توالي دبلوماسيين سعوديين في إطلاق تصريحات تبرر أي تقارب مع حكومة الاحتلال، بعد أن كان الحديث في ذلك خطاً أحمر.
وفي ظل هذه الأجواء، يطرح التساؤل حول جاهزية الشعب السعودي للإنفتاح مع وجود أصوات بدأت تعلو معترضة على "لبرلة" أرض الحرمين، سؤال بإنتظار أن تجيب عنه قابل الأيام.
واللافت أن محمد بن سلمان نفسه، سبق أن أكد في حديث مع "قناة العربية" في العام 2016، أن المجتمع السعودي غير متقبل بعض لفكرة قيادة المرأة للسيارة، قبل أن يعلن بعد أقل من عام السماح بذلك.
ويعزز المخاوف على الحكم في المملكة، ما شهدته من حملة اعتقالات غير مسبوقة بعدما أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، في الرابع من الشهر الجاري، أمراً بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، محمد بن سلمان، للتحقيق في قضايا الفساد، واتخاذ ما يلزم تجاه المتورطين.
وفي أعقاب تشكيل اللجنة اعتقِل 11 أميراً و4 وزراء ورجال أعمال من جانب اللجنة؛ بينهم الأمير متعب بن عبد الله وشيقه تركي والأمير الوليد بن طلال (أسس قناة الرسالة بمنهج وسطي قبل يفصل مديرها الداعية طارق السويدان بسبب اتهامه بالقرب من الإخوان المسلمين)، لتورطهم فيما قالت السلطات إنها قضايا فساد، في سابقة لم يشهدها تاريخ السعودية.