الخليج اونلاين-
في إطار حربها المُعلنة ضد قطر، لجأت السعودية إلى القبيلة بوصفها وسيلة من وسائلها للضغط على الدوحة، وذلك من خلال دعوات متكررة ظهرت عقب حصار لعدد من القبائل السعودية والموجودة أيضاً في قطر وبعض دول الخليج العربي الأخرى.
وإن بدت هذه الدعوات على أنها وسيلة للضغط على قطر، فإن المخاوف من أن ترتد تلك الدعوات إلى الداخل السعودي، خاصة أن القبائل في السعودية كبيرة ولديها الكثير من المشاكل مع الأسرة الحاكمة (أسرة آل سعود)، مشاكل يعود بعضها إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة، ومشاكل أخرى متجددة بفعل هيمنة آل سعود وأمرائهم على مقاليد البلاد والعباد منذ أكثر من قرن من الزمن.
آخر الدعوات التي أطلقتها السعودية هي دعوة قبائل قحطان لتجمّع في المنطقة الشرقية القريبة من الحدود مع قطر، ومعهم أيضاً قبائل الهواجر، وحضر التجمّع سلطان بن سحيم آل ثاني، الذي فرّ من قطر قبل الحصار؛ بسبب تجاوزات مالية كبيرة، واستقبلته السعودية وجعلت منه معارضاً لقطر.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعمد فيها السعودية إلى القبائل في إطار حربها المعلنة على قطر، فلقد سبق أن دعت لتجمّع قبائل بني مرة، وآخر لقبائل يام، والتي شهدت تهديدات صريحة لقطر، في وقت قابلت قطر تلك الدعوات بالدعوة إلى الحكمة وعدم زجّ القبائل والشعوب بمكائد سياسية لا طائل من ورائها.
تعتبر منطقة الخليج العربي من الناحية الديموغرافية منطقة قبائل وعشائر، بعضها يمتدّ وجوده في تلك المنطقة الجغرافية إلى آلاف السنين، وبينها من الوقائع التاريخية ما صنع الحداد، ونجحت الدول الوطنية التي تشكّلت مع بدايات القرن العشرين، ونالت استقلالها عن بريطانيا في النصف الثاني من القرن العشرين، في تأكيد الوطنية ومحاولة نسيان أو تناسي تلك الخلافات التي كانت تعصف بين قبائلها لسنين طوال.
ولكن تبقى السعودية حالة مختلفة، فالحكم فيها لم يكن على غرار ما جرى في قطر أو الكويت على سبيل المثال، حيث إن القبائل في تلك المناطق كانت قد بايعت تلك الأسر الحاكمة حتى اليوم بالسلم، ولم يكن بينها وبين الأسر الحاكمة أي خلاف.
في السعودية كان الحال مختلفاً جداً، فسلطة آل سعود لم تترسخ إلا بالسيف، وعبر السيف تم إخضاع وإذلال قبائل عربية كبيرة، من بينها قبيلة شمر العربية، التي كانت تحكم أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية، ولم يتوقف الأمر عند تلك المرحلة التاريخة وحسب، وإنما امتدّ إلى مراحل لاحقة، حيث بقيت الثارات القبلية متوقدة داخل السعودية.
في العام 2003، أُعلن في الجزائر عن مقتل طلال بن عبد العزيز آل رشيد، في حادثة إطلاق نار أثناء رحلة صيد كان يقوم بها هناك، وأصيب اثنان من رفاقه، وبحسب شهادة سائقه فإن طلال بقي فاقداً للوعي، ونُقل إلى المستشفى، وهناك أفاق من غيبوته لينطق الشهادة ثم يموت.
نُقل جثمان طلال إلى الرياض، وهناك صُلي عليه في جامع تركي بن عبد الله، ليدفن وتدفن معه أسرار مقتله، التي وإن كان البعض منها واضحاً في حينه، فإنها لم تكن مؤكدة، فطلال شاعر معروف ذاع صيته في شبه الجزيرة العربية، وكان كثير الحديث عن أمجاد إمارة آل رشيد في شبه جزيرة العرب، وكيف تم الغدر بها من قبل آل سعود، وإن كان لم يصرح بها في كثير من الأحيان، إلا أن أبياته كانت تنضح بتلك الثأرية الكبيرة التي يحملها ضد آل سعود.
جاء الحصار على قطر، ومع نشاط ما بات يعرف بالذباب الإلكتروني، وهو الجيش الإلكتروني السعودي الذي يقوده مستشار الديوان الملكي، سعود القحطاني، وفي غمرة الحملات على قطر، نشر القحطاني تغريدة أكدت مسؤولية نظام آل سعود عن مقتل طلال الرشيد.
قال القحطاني في تغريدته، قبل أن يعود ويحذفها، بعد أن تداولها الناشطون على نطاق كبير: "لمن يحاول أن يصطاد في الماء العكر أودّ أن أذكّر بأن آل سعود جعلوا الجنازة جنازتين، جنازة في روضة مهنّا وجنازة في الجزائر".
مضاوي الرشيد، المعارضة السعودية المعروفة والمقيمة في لندن، قالت رداً على تغريدة القحطاني تلك: "ليس بالغريب على عصابة ابن سعود، وننتظر المزيد بشجاعة تعلمناها من أجدادنا".
ووفقاً للرواية الأكثر شهرة، فإن قصيدة "يا صغير" هي التي تسبّبت في اغتياله، ويعود سبب نظمه لتلك القصيدة إلى أنه في أحد الأيام استضافته قناة mbc، وفي بداية اللقاء قدّمت المذيعة الشاعر طلال وهي تقول: "رحّبوا بالشاعر الأمير طلال الرشيد"، ما جعل مدير القناة ومالكها، الشيخ وليد الإبراهيم، يتصل بالمسؤولين ويطلب منهم أن يخبروا المذيعة بأن الشاعر طلال ليس بأمير، ما جعل المذيعة تضطرّ للخروج إلى فاصل.
وعند العودة للقاء تغيّرت لهجة المذيعة تجاه الراحل طلال، مخاطبة إياه بلقب "الشيخ طلال"، فاستغرب، وعند انتهاء اللقاء سألها عن سبب حدوث ذلك، فأخبرته.
تشير كتب التاريخ والوثائق إلى أن آل سعود أعملوا السيف ضد كل قبائل شبه الجزيرة العربية التي لم تدن بالولاء لهم، بل الأكثر من ذلك أن قبائل تلك المنطقة تعرف تاريخها جيداً، وما زالت تردده كابراً عن كابر وتعلّمه الأجيال الجديدة، وهي ما زالت في مجالسها الخاصة تتذكر دموية آل سعود ضدهم، وكيف أنهم لم يرقبوا إلاً ولا ذمة بمسلم.
يروي الشيخ حامد الشمري، أحد كبار شيوخ قبائل شمر في العراق، جانباً مما تعرّضت له قبيلته في شبه الجزيرة العربية، إبان محاولة آل سعود تعزيز سيطرتهم على تلك المنطقة.
يقول الشمري في حديث خاص لـ "الخليج أونلاين": "طلبت منّا بريطانيا العظمى آنذاك أن نتحالف معها ضد الدولة العثمانية لغرض شنّ هجمات على قوات الدولة العثمانية في العراق وشبه الجزيرة، وجاءت بريطانيا إلى قبيلة شمر لكونها تعرف حجم امتدادتها في العراق وشبه الجزيرة".
يقول الشمري، الذي يبلغ من العمر اليوم قرابة التسعين عاماً، وينقل هذه الرواية عن والده عن جده: "في العراق قبلت شمر بأن تتحالف مع البريطانيين، كنّا نعاني الأمرّين من ارتفاع الضرائب التي تفرضها علينا الدولة العثمانية، طلبوا منّا بعد ذلك أن ننقل طلبهم إلى آل الرشيد في حائل، وفعلاً تم ذلك، إلا أن آل الرشيد في حائل رفضوا التعاون مع الإنجليز، وقالوا لوفد شمر العراق إننا بايعنا آل عثمان كخلافة إسلامية ولا نبيع بيعتنا للكفار، بعد ذلك نجح الإنجليز في التعاون مع ابن سعود، الذي رحّب بالأمر، وتم مده بكل أنواع الأسلحة والدعم حتى نجح في القضاء على إمارة آل الرشيد في شبه جزيرة العرب".
تاريخ القبائل العربية في السعودية اليوم محفوظ، ولم تتمكّن كل الأموال السعودية من طمسه، فلقد صرفت الرياض مبالغ مالية كبيرة جداً من أجل تجميل صورتها وصورة علاقتها بالقبائل العربية، ولكن التاريخ ما زال محفوظاً، وتتناقله أجيال تلك القبائل بكثير من الأسى وكثير من الحقد والغل على آل سعود وما فعلوه.
لم تدن قبائل شبه الجزيرة العربية لآل سعود بالولاء طائعين، فلقد نجح آل سعود بقوة السيف والبطش وبمساعدة بريطانيا في أن يخضعوا قبائل شبه الجزيرة العربية، التي لم تقف مكتوفة الأيدي، فما بين فترة زمنية وأخرى كانت الثورات والاحتجاجات تتجدد ضد هذا الحكم الجبري.
وبعد بريطانيا كانت أمريكا حامية لعرش آل سعود، ولعل ما تذكره الوثائق التاريخية بشأن أول لقاء جمع بين ملك سعودي ورئيس أمريكي تُغني عن كثير من الشرح؛ ففي فبراير من العام 1945، عقد الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة السعودية، والرئيس الأمريكي، فرانكلين رزوفلت، العائد من يالطا، اجتماعاً على متن الطراد "يو إس إس كوينسي"، ووقع معه الاتفاق الذي عُرف لاحقاً باتفاق كوينسي، الذي كان مقرراً له أن يدوم 60 عاماً، وتم تجديده في العام 2005، من قبل الرئيس جورج دبليو بوش، وأهم ما جاء في هذا الاتفاق هو توفير الولايات المتحدة الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة.
فعلام تنبشُ الرياض تاريخ القبائل، وهي التي تعرف قبل غيرها ما تحمله قبائل شبه الجزيرة العربية من رفض لمملكة آل سعود، رغم كل المغريات المادية التي منحتها لأمراء ومشايخ تلك القبائل.
ويؤكد محللون أن الرياض تعبث بمستقبلها من خلال تحشيد القبائل ضد قطر، فمعلوم أن قطر لم يكن فيها أي رفض لأسرة آل ثاني من قبائلها، وهي بالمطلق قبائل تدين بالولاء لهذه الأسرة، إضافة إلى أن قطر نجحت بعد أكثر من قرن على تأسيس دولتها الحديثة، في إبعاد القبلية عن المجتمع، وأن تقوم ببناء مجتمع يعتمد على الكفاءة لا على النسب.
فهل سترتد دعوات الرياض عليها؟ وهل من الممكن أن نشهد ثورة قبلية في السعودية؟