حسين إبيش - ذي أتلانتيك-
قد نسمها بالصدمة وبث الرعب أوالتطهير. ومع ذلك، فإن الاعتقال الجماعي لبعض من كبار العائلة الملكية والمسؤولين في السعودية في نهاية الأسبوع المضي قد أدى إلى إضعاف هيكل النخبة السعودية وطريقة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد. لم تكن ليلة دموية بالتأكيد، حيث أن فندق ريتز كارلتون الفاخر تحول إلى مكان احتجاز. وكانت هذه العملية هي الأخيرة في سلسلة من العمليات التي تم القيام بها من أجل تركيز السلطة في أيدي الملك «سلمان» وابنه ووريثه البالغ من العمر 32 عاما ولي العهد «محمد بن سلمان».
إذا كان «بن سلمان» يتصرف مثل أي من أسلافه فهو يتصرف مثل الملك «عبدالعزيز بن سعود»، الذي أسس الدولة السعودية الحديثة في عام 1932. وهو في الأساس وضع نفسه باعتباره ابن سعود الجديد الذي سيهيء السعودية الجديدة لعهد جديد واقتصاد جديد. ومن الواضح أنه يعتزم القيام بذلك عن طريق محو أي معارضة. وتجري عمليات التطهير تحت عنوان مكافحة الفساد، بروح شعبوية، وعبر ما يبدو أنه دائرة قوية من الدعم الشعبي، ولا سيما بين الشباب. وينفذ الأمير في الوقت نفسه رؤيته لعام 2030، التي تشمل التركيز على السياحة المحلية والترفيه، والتغييرات الاجتماعية التي تعتبر ضرورية للتحديث والتنويع الاقتصادي، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة مثل الحق في القيادة.
ما يحاول «بن سلمان» فعله هو عمل سياسي دقيق، بدون شبكة قرار كبيرة وهو يروج نفسه للمجتمع السعودي على أنه جرئ وطموح. لكن مقامرته بالغة الخطورة. وهو يؤكد دائما في عمله على 3 مراحل كما عرفها «جورج دانتون» وهي (الجرأة، المزيد من الجرأة، والجرأة دائما). ومع ذلك، فإن هذا يعني أن «بن سلمان» يرتبط الآن شخصيا بنجاح وفشل تجارب رئيسية في الحكومة والمجتمع السعودي، والانهيار المتصور لأي منها يمكن أن يؤدي إلى أزمة خطيرة للغاية في شرعيته.
ثلاث مقامرات
يكمن الملف الأول في توطيد السلطة السياسية على كل المظاهر، وقد أكدت الاعتقالات الأخيرة بشكل جيد أنه لا يمكن أن توجد مراكز مستقلة للسلطة قابلة للحياة. ومع ذلك، فمن الممكن أن يكون ولي العهد ووالده قد تجاوزا الحد، وأنه سيكون هناك رد فعل عنيف لأنهما قد تخليا عن عقود من الاعتناء بتوازن تقاسم السلطة داخل العائلة المالكة. وعلاوة على ذلك، من غير الواضح ما هو مصير المعتقلين. هل سيتم تجريدهم من ثرواتهم أم سيرسلون للمنفى أم سيتم احتجازهم لأجل غير مسمى وهل يحتمل أن تكون هناك مؤامرة ضد النظام الجديد. يجب أن يكون لدى «بن سلمان» خطة، ولكن من غير الواضح حتى الآن ما قد يحصل. وأخيرا على ما يبدو، فإن اتساع نطاق الحملة كان مرتبطا بمواجهة أي انقلاب محتمل. وفيما لا يوجد دليل على ذلك، يشار إلى أن النقطة التآمرية هنا قد تبدت في أن ابن ولي العهد الأسبق «مقرن» قتل في نهاية هذا الأسبوع في حادث تحطم مروحية بالقرب من الحدود مع اليمن. ولكن على الأرجح كان ذلك من قبيل المصادفة، والذي نراه أن السلطة سوف تتجمع في أيدي «بن سلمان»، على المدى القصير على الأقل، وسيتم تعزيزها بنجاح.
أما الملف الثاني من المشروع، فهو الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو أمر أطول، ولكن لا يزال قابلا للتنفيذ. حيث يوجد لدى المملكة العربية السعودية الموارد اللازمة لإدارة التحول الضروري بعيدا عن الاعتماد على النفط، خاصة إذا بدأت حكومتها في معاملة سكانها كرأس مال بشري بدلا من مجموعة من المعالين. وقد أبدى «بن سلمان» بالتأكيد عزمه على قيادة هذا التحول من أعلى إلى أسفل، والقيام باللازم للتغييرات الاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بدور المرأة، التي ستكون ضرورية لاقتصاد ما بعد النفط ويبدو أن محاولته لتشكيل تحالف مع عامة الناس، ولا سيما الشباب، تبدو ناجحة نسبيا ويمكن أن تشكل أساسا رئيسيا للنجاح على المدى الطويل. وهناك دليل على نشوء دينامية جديدة في أجزاء من المجتمع السعودي.
ولعل الجبهة الثالثة التي من المرجح أن تكون أكثر تحديا وهي: الدفاع عن المصالح السعودية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بإيران التي صارت أكثر قوة من أي وقت مضى. ومن المفيد أيضا تذكر أن نهاية الاسبوع الماضي شهد إطلاق صاروخ من الحوثيين اليمنيين نحو مطار الرياض الدولي، وربما يكون قد زودهم به داعموهم الإيرانيون كما جاءت استقالة رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري». وتعتبر كل من اليمن ولبنان مواطن معارك رئيسية بين السعودية وإيران. ويبدو أن تدخل اليمن، الذي كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بـ«بن سلمان»، الذي كان يعمل كوزير للدفاع عند بدايته، أصبح مستنقعا سياسيا وعسكريا. وهناك تقارير كانت تفيد بأن «بن سلمان» يبحث عن مخرج من اليمن، ولكن المسؤولين السعوديين وصفوا الهجوم الصاروخي الأخير بأنه «عمل عدائي» إيراني ضد المملكة.
ومن المرجح أن استقالة «الحريري» ترتبط بالمكاسب الكبيرة التي حققتها إيران وحليفها الرئيسي حزب الله اللبناني، مع حلفائهم العراقيين في سوريا والعراق. ويبدو أن إيران وحلفائها على وشك تحقيق هدفهم الذي طال انتظاره المتمثل في إنشاء «جسر بري» من طهران إلى بيروت والبحر الأبيض المتوسط. هذه التطورات هي مغير استراتيجي محتمل للعبة في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار تأتي الاستجابة السعودية، في لبنان من خلال استقالة «الحريري»، الذي كان ينظر إليه في الرياض على أنه كان يستوعب حزب الله، ويبدو أن احتمال اندلاع حرب سياسية شاملة لزعزعة هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية أمر محكم.
ويعتبر بعض النقاد أن كل مبادرات السياسة الخارجية الجديدة والجريئة في المملكة العربية السعودية، وخصوصا التي كانت من إخراج «بن سلمان» كانت على شكل سلسلة من الإخفاقات المذهلة، بما في ذلك حملة الضغط على قطر لتغيير سياستها الخارجية وإجبارها على التخلي عن دعمها للجماعات الإسلامية. ففي حين أن الحرب اليمنية لم تسر على ما يرام، لا يزال يتعين تحديد النتيجة كما إن الأزمة مع قطر أصبحت تناقش على المدى الطويل بدلا من توقع أي حل سريع فإن الأكثر تعقيدا هي حملة تقليل النفوذ الإيراني في العالم العربي وهي تعتمد على عوامل كثيرة خارجة عن سيطرة الرياض، وليس أقلها دور الولايات المتحدة. وعلى هذا المنوال يبدو أن «بن سلمان» يعمل أكثر على تعزيز السلطة دون تحقيق الحد الأدنى من النتائج اللازمة. وعلى أقل تقدير، سيكون هناك حاجة إلى الشعور بأن السعودية تطرح دفاعا حماسيا عن مصالحها في مواجهة الهيمنة الإيرانية الزاحفة لتجنب تصور الفشل.
أزمة في الشرعية
وعن طريق وضع نفسه ملكا بكل قوة، ولكن مع لمسة شعبية وتحالف «أمر واقع» مع الشباب والطبقة الوسطى، فإن «بن سلمان» يقامر في كل شيء على النجاح النسبي في كافة الملفات الثلاثة: السلطة السياسية، والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، والسياسة الخارجية.
وفي حين يبدو معظم السعوديين مؤيدين للتغيير الجذري، كما يمكن أن بعضهم يدعم حاليا تدابير «بن سلمان» فإن الخطر يكمن في أن فشلا كبيرا على أي من هذه الجبهات يمكن أن يؤدي إلى أزمة في الشرعية. ويمكن أن يقود الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كانوا أفضل حالا مع النظام القديم من اللامركزية النسبية، والإقطاعيات الشخصية، وحتى الفساد. ومن مصلحة كل فرد تقريبا أن تنجح برامج الإصلاح والتحديث التي يقدمها «بن سلمان»، ولكن ربما أكثر من أي زعيم سياسي معاصر آخر، يضع «بن سلمان» كل أوراقه على الطاولة في آن واحد. وبالتالي فإنه سيفوز أو سيخسر بشكل مذهل.