فريد زكريا - واشنطن بوست-
ألقى الرئيس «ترامب» خطابا هذا الأسبوع يتحدث عن رحلته في آسيا، وليس من المستغرب أنه يعتقد أن الزيارة مثلت «نجاحا هائلا»، وقال: «يتم احترام بلدنا العظيم مرة أخرى في آسيا»، لكن جميع بيانات الاستطلاعات الأخيرة في المنطقة تشير إلى عكس ذلك.
وكان التركيز الرئيسي لرحلة «ترامب» على اليابان وكوريا الجنوبية، ولكن لم يعرب سوى 17% فقط من الكوريين الجنوبيين و24% من اليابانيين عن ثقتهم به، مقابل 88% و78%، على التوالي، أعربوا عن ثقتهم بالرئيس «باراك أوباما» خلال ولايته الثانية، وينظر الآسيويون إلى خطاب «ترامب» عن المصلحة الذاتية و«أمريكا أولا» كعلامة على التراجع، على النقيض من أجندة الرئيس الصيني «شي جين بينغ» الأكثر انفتاحا وطموحا وتطلعا إلى الخارج.
ومع ذلك، تواجه سياسة «ترامب» الخارجية تحديا جديدا قد يزيد من فوضى الشرق الأوسط، وهو بالفعل الجزء الأقل استقرارا في العالم، وقد أعطى «ترامب» الضوء الأخضر لسلسلة غير عادية من التحركات في المملكة العربية السعودية، تلك التحركات التي لا يمكن وصفها إلا بأنها ثورة من الأعلى.
وقد تكون بعض تلك التحركات لازمة لإجراء إصلاحات حقيقية تحتاج إليها المملكة منذ وقت طويل، ولكن يبدو أنها جميعا تنطوي على خطر زعزعة استقرار المملكة والشرق الأوسط.
وقد عمل ولي عهد المملكة الجديد، «محمد بن سلمان»، على توطيد السلطة في جميع الاتجاهات، وسجن رجال الدين المحافظين من جهة، ودعاة الإصلاح السياسي من جهة أخرى، وكان آخر أهدافه بعض أمراء المملكة الأقوى، بمن فيهم رئيس الحرس الوطني «متعب بن عبدالله»، فضلا عن المستثمر الملياردير «الوليد بن طلال»، بشأن مزاعم فساد.
وقال لي رجل أعمال عربي كبير أن بعض أسباب الاعتقالات تبدو مشبوهة، وقال: «كل أمير في السعودية يتورط في الفساد المؤسسي، فهو جزء لا يتجزأ من النظام، وإذا كان المقصود هو الفساد حقا، فإن الأمير بن طلال هو آخر أمير سعودي يمكن اتهامه بذلك».
وإذا كانت مكافحة الإرهاب هي مصدر القلق البالغ، فلم يكن من الضروري إذلال الأمير «محمد بن نايف»، الذي كان وليا للعهد حتى حل محله «محمد بن سلمان» في يونيو/حزيران، حيث تم تجميد حساباته المصرفية الآن، فعلى مدى العقد الماضي، عمل «محمد بن نايف» عن كثب مع واشنطن في الحرب ضد القاعدة ومجموعات إرهابية مماثلة، وقد تمت الإشادة به كثيرا وبشكل روتيني من قبل المسؤولين الأمريكيين، لكن «ترامب» لم يذكر هذا الحليف، بل عبر عن دعمه لحملة التطهير التي تم تنفيذها حتى الآن دون توجيه اتهامات محددة أو اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
وقد استندت السعودية تاريخيا إلى ثلاث ركائز من أجل الاستقرار، فهناك الأسرة المالكة، وهي مجموعة كبيرة فضفاضة تضم 15 ألفا إلى 30 ألف عضو، إضافة إلى الركيزة الثانية في المجتمع السعودي، وهي القبائل، والركيزة الأخيرة هي المؤسسة الدينية المحافظة في البلاد، التي نمت سلطتها على مدى العقود الأربعة الماضية، وقد تحدث «بن سلمان» عن نيته التحول بالمملكة إلى الاعتدال الديني، واتخذ إجراءات تمس الركائز الثلاث، وهو بذلك يغير هيكل النظام السعودي نفسه، من دولة رفاهية تقوم على توافق الآراء، إلى دولة شرطية أمنية تقوم على السيطرة المركزية.
والوقت وحده سيظهر ما إذا كان سينجح في ذلك.
تحركات عدوانية
ولكن اللغز والخطر الأكبر يتمثل في أنه، في أعقاب هذه الأجندة المحلية الجريئة والمحفوفة بالمخاطر، قام ولي العهد بسلسلة من التحركات العدوانية في الخارج، فقد قام بتصعيد التدخل السعودي في اليمن، مع تكثيف القصف والحصار الجوي والبري والبحري، وقد حاول عزل قطر، على أمل تحويلها إلى دولة تابعة للمملكة، ومن الواضح أنه أجبر رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» على الاستقالة، على أمل أن يزعزع استقرار الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، ويأتي كل هذا في إطار محاولات مواجهة النفوذ الإقليمي المتزايد لإيران.
وتعد هذه أدوات حادة للتحدي المعقد في الشرق الأوسط، ويحاول السعوديون طرد حزب الله الشيعي المدعوم من إيران من موقعه في حكومة لبنان، ومعاقبة قطر على علاقاتها المزعومة مع إيران.
ولكن لعدة أعوام، كان السعوديون والأمريكيون في تحالف غير ظاهر مع حزب الله ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، التي هزمت إلى حد كبير على يد القوات الكردية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والميليشيات الشيعية، المدعومة من إيران، وقد كان نفوذ إيران ضارا في بعض البلدان ومفيدا في بلدان أخرى.
وعلى أية حال، لا يبدو أن الاستراتيجية السعودية تسير بنجاح، فقد تحولت الحرب في اليمن إلى كارثة، وخلقت دولة فاشلة حانقة على الرياض على الحدود السعودية، ولم تستسلم قطر، ولا يبدو أنه من المرجح أن يحدث ذلك قريبا، وحتى الآن، تصرف الشيعة في لبنان بمسؤولية، ورفضوا ابتلاع الطعم وإغراق البلاد في حرب أهلية.
لكن في كل مكان في الشرق الأوسط، تتصاعد التوترات، وتكتسب الطائفية تقدما، ومع أي حسابات خاطئة أو حوادث جديدة، قد تخرج الأمور عن السيطرة تماما، ومع دعم «ترامب» بقوة للاستراتيجية السعودية، قد تجد الولايات المتحدة نفسها تتجه نحو نقطة أعمق من مستنقع الاضطراب في الشرق الأوسط.