هيثم حسنين و وسام حسنين- معهد واشنطن-
يعي أفراد العائلة الملكية بمعظمهم أن جلّ ما يحاول ولي العهد فعله هو تدارك الاضطرابات المحتملة، ولذلك يجدر بالنقاد الأمريكيين أن يعيدوا النظر في اعتراضاتهم على خطواته الأخيرة.
اتخذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خطوةً غير مسبوقة حين أمر في وقت سابق من هذا الشهر بإلقاء القبض على أحد عشر أميرًا وعشرات الوزراء السابقين ورجال الأعمال فضلاً عن أربعة وزراء حاليين. وبالرغم من بعض أصوات الاستياء التي علت في العاصمة واشنطن، غرّد الرئيس دونالد ترامب على تويتر قائلاً: "لدي ثقة كبيرة بالملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية. فهما يعرفان تمامًا ما يفعلانه."
لماذا؟ بات أخيرًا لهذا النظام الملكي ذي الثروة النفطية رجلٌ لديه الاستعداد والجرأة اللازمين لتولي مسؤولية جسيمة هي مسؤولية إصلاح آل سعود وتعزيز شرعيته الشعبية، وذلك بعد تشجيع من الرؤساء الأمريكيين الذين توالوا على الحكم طيلة عقود من الزمن.
فما يفعله الأمير محمد بن سلمان هو ما كان يجدر بكل من الرئيس المصري السابق حسني مبارك والرئيس التونسي السابق زين الدين العابدين بن علي أن يفعلاه لتفادي سقوطهما. فالسبب الرئيسي وراء السخط الشعبي في كل من مصر وتونس وما استتبعه من سقوط لنظامَي مبارك وبن علي هو النظرة السائدة بين شباب البلدين بأن الفساد متفشٍّ بلا حسيب ولا رقيب في العائلات الحاكمة وأزلامها.
ففي الفترة الأخيرة من حكم هذين الزعيمين، انتشرت في الشارعَين المصري والتونسي روايات عن الفساد المستشري لدى أبناء مبارك وعائلات زوجاتهم كما ولدى عائلة زوجة بن علي. بيد أن مبارك وبن علي لم يتخذا أي خطوات جدية لتبديد هذه التهم.
وكذلك الأمر بالنسبة للشارع السعودي الذي تملؤه اليوم أخبارٌ عن فساد العائلة الملكية وحلفائها من رجال الأعمال. من هنا، يدرك الأمير محمد بن سلمان خير الإدراك ضرورة ضبط الفساد المرتبط بتلك الأسماء الكبيرة في المملكة. وهو بذلك يحاول استنباط نوعٍ جديد من الشرعية لا يعتمد على إجماع الطبقة الفاسدة من نخبة دينية وأمراء وكبار رجال الأعمال، إنما يسعى في المقابل إلى إيجاد شرعية لا يقوى عليها الزمن.
فالأمير يحاول رسم معالم مملكة ثانية تحاكي مفهوم الجمهوريات الفرنسية، حيث سيشكل الدعم الكبير من جيل الشباب عاملاً مهمًا في صياغة القرارات داخل هذه المملكة الثانية. ذلك أن شيوخ العائلة الملكية ورجال الدين المتشددين في نزعتهم المحافظة هم الذين حرّكوا في السابق عملية صنع القرار بدون اعتبارٍ يذكر للرأي العام.
وإنّ فكرة طرح مملكة ثانية لا تشوبها شوائب الماضي هي في الواقع وسيلة لتجديد صورة آل سعود. وبخلاف الحكمة التقليدية السائدة في واشنطن بأن هذه الخطوات ستسبب انقلابًا داخليًا ضد الأمير محمد بن سلمان، فغالبية أفراد العائلة الملكية، وخصوصًا الأمراء اليافعون، يدركون أن الأمير محمد بن سلمان يحاول بكل بساطة تهدئة الرأي العام وتحاشي الاضطرابات. كما أن هؤلاء الأمراء على يقين بأن الأمير محمد بن سلمان لن يستطيع تعيين أحدٍ من جهته من العائلة بعد توليه العرش بموجب قانون الخلافة السعودي، مع العلم أن الأمير استعان بهذا القانون كورقة مساومة مع باقي الأمراء اليافعين.
أضف إلى ذلك أن الكثير من شبّان العائلة الملكية هؤلاء تلقوا تعليمهم في الغرب وتعرّفوا إلى أنظمة الحكم الحديثة بخلاف آبائهم الذين حكموا المملكة حتى الآونة الأخيرة. وهذه مزايا تخوّلهم استيعاب الخطوات العاجلة التي اتخذها الأمير محمد بن سلمان أفضل مما قد يظّنه الكثيرون في واشنطن.
هذا والأشخاص الذين يعارضون الأمير بن سلمان لا يملكون السلطة الكافية للتصدي للنظام الجديد الذي يتم إرساؤه، إذ أنهم يفتقرون إلى جيشهم الخاص وإلى الأنصار اللازمين في الداخل.
من هنا، يعتبر ترامب محقًّا في تأييده قرارات الأمير محمد بن سلمان. لكن المفارقة هي أن معظم الأصوات التي تصدح انتقادًا للرئيس هي أصوات مسؤولين في الإدارة الأمريكية السابقة كانوا ليصفوا تلك الخطوات ببادرة اعتدال تاريخي في نظام آية الله العظمى لو كانت إيران هي من تبنّتها.