ستيفن كوك - فورين بوليسي- ترجمة شادي خليفة -
في رحلة على الطريق عبر المملكة العربية السعودية، مع 6 أمريكيين، ستأخذنا إلى جدة والعلا وحائل والرياض والدمام قبل أن ننتهي، يرافقني اثنين من الأساتذة المتقاعدين، وناشر، وتنفيذي صيدلاني سابق، كان أيضا في السابق سياسي محلي ناجح، إضافة إلى مطور عقارات، وتنفيذي خدمات مالية متقاعد. وقد طلب مني منظم الجولة أن أحضر لألقي محاضرة وأجيب عن الأسئلة حول السعودية والشرق الأوسط. وأنا أجري أيضا، لما يقارب الأسبوعين، أبحاث عبر الحديث مع الناس بطريقة سائق الأجرة. وسوى بعض الاستثناءات البارزة، تقوم الكثير من التعليقات حول المملكة على الشائعات، أو لعبة التفاصيل التي تتشوه أو تضيع عبر الهاتف في طريقها من الرياض إلى أحد مراكز التفكير في واشنطن.
وأول ما يواجهني هو الفرق بين الطريقة التي تعمل بها الصحافة والتغطية الإعلامية الموجهة وتغريدات المهتمين بمعالجة الأخبار السعودية على موقع تويتر في واشنطن، والطريقة التي يقوم بها السعوديون بالأمر نفسه. ويبدو أن هناك الكثير من وجهات النظر المختلفة، في واشنطن، حول حقيقة أن ولي العهد السعودي، «محمد بن سلمان»، قد أمر بحبس عشرات الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الحاليين والسابقين، في فندق ريتز كارلتون بالرياض، بسبب مزاعم بالفساد. فضلا عن الضغط على رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» للاستقالة، ووصف الهجوم الصاروخي الحوثي على مطار الملك خالد الدولي بالرياض بأنه «عمل من أعمال الحرب من قبل إيران».
وأنا متأكد من أنني قد فوت عددا لا بأس به من المقالات، ولكن بقدر ما استطعت تحميله وجمعه من مكاني هنا في تلك الخيمة في العلا، فقد اضطلع «محمد بن سلمان» بلا شك في عملية انقلاب واختطاف من شأنها أن تؤدي إلى حرب بالوكالة، بين السعودية وإيران، قد تهز المنطقة بأكملها.
أكثر تفاؤلا
وقد تزعزع هذه الأحداث الدرامية الاستقرار، ولكن السعوديين الذين التقيت بهم كانوا أكثر تفاؤلا بشأن المستقبل من أولئك الذين يعلقون من الخارج. وكان الرد على استفساراتي حول جهود «بن سلمان» لتعزيز سلطته، والتي كان جزء منها، تحركه الحديث والمثير ضد الفساد المزعوم، إيجابيا إلى حد كبير. وأخبرني «أبو نجيب»، وهو رجل عجوز، أنه في إلقاء القبض على أمثال رجل الأعمال الأمير «الوليد بن طلال»، وحاكم الرياض السابق الأمير «تركي بن عبد الله»، ورئيس مجموعة بن لادن «بكر بن لادن»، ووضعهم في القفص الذهبي، ريتز كارلتون، فإن ولي العهد «يفعل ما كان عليه أن يفعله». وهذا يعني أنه لكي ينجح ولي العهد في جهوده لتحويل المملكة، وهي الجهود التي يدعمها أبو نجيب، يجب ألا يسمح بنجاح أولئك الذين يقفون في طريق هذا المشروع.
ربما كان أبو نجيب أكثر تخوفا مما بدا عليه. فقد كنت بالنسبة له مجرد أجنبي يتحدث لهجة عربية مضحكة. ولكن لا يعاملني كل السعوديين الذين قابلتهم كغربي فضولي.
وقال لي «محمد»، وهو طالب دراسات عليا يبلغ من العمر 26 عاما، يعمل كطاهي في فندق راقي بجدة، إن التحركات الأخيرة التي قام بها محمد بن سلمان «أكبر منه في الواقع». وأضاف: «كان يجب أن نشهد حربا على الفساد. إنه أمر جيد».
وفيما يتعلق بمسائل التحرر الاجتماعي الأوسع نطاقا، التي ترتبط أيضا بجهود ولي العهد، قال لي «سعود» إنه يريد أن يعيش في بلد يعيش فيه الناس كما يشاؤون: «مسلمين وغير مسلمين»، وقد سمعت ذلك من قبل، ويتفق قوله مع موجة الحكايات التي غمرت الرياض في الأعوام الأخيرة. فجيل الألفية الجديدة في السعودية، مثل «بن سلمان»، يحرضون على التغيير. وقال لي «سعود» إن المحللين الغربيين ينظرون إلى الوراء، وأن عدم الاستقرار سيكون ناجما عن الإخفاق في متابعة الإصلاح، وليس بسببه.
وأخبرني جميع الذين التقيت بهم أن الشباب السعوديين لم يعودوا مستعدين، ببساطة، للامتثال للقيود الاجتماعية التي تسيء لسمعة السعودية. وهم يرون الطريقة التي يعيش بها بقية العالم، ويريدون ذلك أيضا. وهذا هو السبب في التفاف الناس حول «محمد بن سلمان»، وإشادتهم به، عندما قلص سلطة الشرطة الدينية. ورغم أن الأمر لا يستحق الشكر بأن تكون السعودية آخر مكان على الأرض يمنح المرأة الحق في القيادة، عبرت النساء السعوديات، مع ذلك، عن تقدير عميق للسماح لهن بالجلوس وراء عجلة القيادة. فالأسر التي لديها عديد من النساء في الأسرة لن تحتاج بعد الآن إلى توفير سائق خاص، والأهم من ذلك أن القرار سيمنح المرأة فرصا اقتصادية كبيرة، فضلا عن مزيد من الحرية في التحكم في حياتها.
ومن الواضح أن سعيد غير قلق، مثل مجتمع السياسة، أن يخل ولي العهد بالتوازن الدقيق الذي حافظ على الاستقرار في السعودية منذ ثلاثينات القرن الماضي ودفع المملكة إلى نقطة الانهيار.
ومع ذلك، فالأمر لا يقتصر على جيل الألفية. وقد عبر لي مهني في منتصف العمر، وهو أحد أعضاء النخبة في المجتمع، حيث حصل على تعليمه عبر المنح الدراسية الخارجية التي وفرتها الدولة، عن إشادته بالتحركات الأخيرة، ووصف الموجة الأخيرة من الاعتقالات بأنها «أفضل شيء حدث على الإطلاق».
وكان الأمير «بندر بن سلطان»، السفير السابق للمملكة في الولايات المتحدة، قد قال إن القضاء على الفساد يستحق دفع الثمن. وأكد على أن السعوديين لا يرغبون في استمرار اختفاء موارد الدولة في جيوب المسؤولين الحكوميين، الملكيين وغير الملكيين.
لا يشكوا السعوديون الذين التقيت بهم من صعوبة المعيشة، رغم أن هناك العديد من الفقراء في المجتمع السعودي. لكن بدلا من ذلك، يعبرون عن استيائهم من حقيقة أن موارد البلاد قد استخدمت لجعل النخب الغنية أكثر غنى، في حين كان لدى البلاد الكثير من الاحتياجات، وخاصة في مجالات مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. وسألني الكثير من السعوديين الذين التقيت بهم حول كم عدد مليارات «بن طلال»؟
وسألني المهني الذي ذكرته سابقا، على سبيل المثال: «أين الكتب الجديدة؟ أين هي الكتب الجديدة؟». وفي الماضي، أعلنت الحكومة استثمارا بقيمة 21 مليار دولار في إصلاح التعليم، ولكن لم يحدث شيء، إلا أن المسؤولين عن تنفيذ التغيير وتحديث المناهج الدراسية أصبحوا أكثر ثراء.
وقد أتاح الوضع السعودي الفاسد الحالي للأمير «بندر» نفسه شراء ممتلكات في بريطانيا، مع مكاسب غير مشروعة من صفقة أسلحة. لكن الغضب الواضح الذي يشعر به السعوديون بشأن تلك الحقيقة يدفعهم في الغالب إلى التغاضي عن أن «محمد بن سلمان» هو نفسه نتاج لنفس النظام الذي يسعى لهدمه. ويؤسفني أنني كنت مهذبا جدا لسؤال السعوديين إذا كانوا يضعون الكثير من الإيمان في محمد بن سلمان، الذي اشترى مؤخرا يخت بقيمة 550 مليون دولار، حيث لم يكن لمثل شاب في عمره امتلاك هذه الكمية من المال. لكن السعوديين العاديين الذين التقيت بهم قد وضعوا إيمانا هائلا بقدرة محمد بن سلمان على إقامة نظام عادل وشفاف وتقدمي. وهذا أمر يحتاج إلى وقت طويل جدا في المملكة.
لكن إذا فشل ولي العهد في تقديم شيء ملموس، فقد تصبح أصوات التشكيك فيه أعلى في المملكة. فالناس الذين التقيت بهم على الطريق يدعمون «محمد بن سلمان» بقوة، ولكن هذا لا يعني أنهم ليس لديهم تحفظات.
هل يستطيع؟
ومن بين جميع الناس الذين التقيت بهم، قضيت معظم الوقت مع «نبيل»، نظرا لما وجدته من خفة دمه ودفء حديثه ووجهة نظره المعتبرة. وقد عمل «نبيل» كدليل محلي للمجموعة التي كنت أرافقها عبر المملكة. ويبلغ عمره 60 عاما، وهو الآن خارج الدائرة الانتخابية الرئيسية لولي العهد، من 18 إلى 35 عاما، ولكن نبيل سعيد بالتغييرات التي قال إنها تجعل المملكة بالفعل مكانا أفضل وأكثر انفتاحا. ومن وجهة نظره، فإن «محمد بن سلمان» يقوم بممارسة القوة ضد القوى التي كانت في السابق قوية وغير قابلة للمساءلة.
ولكن «نبيل» يتساءل عن قدرة ولي العهد على إدارة مسؤولياته الآخذة في التوسع: «هو المسؤول عن كل شيء. لا يمكن لشخص واحد أن يفعل كل شيء». وأعرب عن مخاوفه من الخطاب الصارخ ضد إيران، والمستنقع السعودي في اليمن، وسألني: «ألا ينبغي لنا أن نحاول الوصول إلى السلام مع جيراننا؟».
وأعرب سعوديان آخران، وهما صاحب متجر (ذو خلفية يمنية) ورجل أعمال صغير، عن مشاعر مماثلة، حيث ذكر أحدهما ما يحدث في اليمن بـ "وصمة عار سوداء". ومع ذلك، لم تقلل كارثة اليمن من صورة محمد بن سلمان في عقول من حاورتهم.
وعندما انقضى وقتي مع «نبيل»، سألته عما إذا كان قد أمضى وقتا طويلا خارج المملكة. وقال إنه يريد أن يرى العالم، لكنه في الوقت الراهن ما زال موجودا في البلاد، لأنه يريد «الاستمتاع بالتغييرات في المملكة، التي كنت أتمنى أن تحدث منذ فترة طويلة».
وبعد بضعة أيام من تحول فندق ريتز كارلتون إلى سجن، ذكرت رويترز أن الاعتقالات كانت نوعا من انقلابات القصر، بعد أن علم «بن سلمان» أن أفراد العائلة المالكة وغيرهم كانوا يعارضون صعوده الحتمي إلى العرش. ودفعت القصة أحد المراقبين إلى كتابة تغريدة أن هذه القصة تظهر محللي واشنطن، الذين ادعوا أن «بن سلمان» كان يستأصل الفساد، يبدون أغبياء. ويبدو واضحا أن ولي العهد يعزز سلطته السياسية الشخصية، لكن لا يمكن إغفال تأثير ذلك على النظام الاجتماعي والسياسي في المملكة.
ولم يكن السعوديون، الذين حاورتهم، أغبياء. فهم يدركون أن محمد بن سلمان يعزز سلطته، ولكن لديهم إيمان عميق به، ويرون أن نواياه جيدة. وفي الوقت الراهن، بالنسبة للسعوديين، الذين التقيت بهم على الأقل، كل ما يشغلهم هو الفساد والتحرر الاجتماعي. وبالنسبة لولي العهد، يعتقد الناس أنه في النهاية لديهم الرجل الذي سوف يطهر البلاد من الفساد ويحدث التحرر الاجتماعي، حتى لو كانت وسيلته للقيام بذلك هي الاستيلاء على السلطة تماما.