أمريكان كونزرفاتيف- ترجمة الخليج الجديد-
كان إعلان «ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل) واعتزام نقل سفارة الولايات المتحدة إلى هناك حدثا تاريخيا هاما وإيذانا بسيطرة (إسرائيل) على القدس، حيث جاء استئنافا لوعد «بلفور» الذي اعترف بحقوق الشعب اليهودي في فلسطين.
غير أن هذا الإعلان قد يكون جزءا من خطة أوسع لمساعدة (إسرائيل) على السيطرة على القدس والضفة الغربية معا من الفلسطينيين، وترك العرب في «دولة» غزة فقط.
وإذا كان مثل هذا الحديث قد طرح مباشرة بعد قرار «ترامب»، لربما قوبل بالسخرية والضحك. لكن لحسن الحظ، قدم مسؤول فلسطيني رفيع المستوى - الأسبوع الماضي - أفكارا مفيدة أكثر عن العلاقة بين الإعلان وخطط «ترامب» الأوسع نطاقا للمنطقة لصحيفة «ذا أمريكان كونزرفاتيف». واطلع هذا المسؤول على تفاصيل الاجتماع المفاجئ الذي عقد الشهر الماضي بين «محمود عباس» رئيس السلطة الفلسطينية وولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان».
وقد تم استدعاء «عباس»، البالغ من العمر 82 عاما، إلى الرياض في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من قبل «بن سلمان»، البالغ من العمر 32 عاما، في إطار الجهود التي يبذلها الأخير من أجل إقامة مشروع مشترك بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران وحلفائها. ولم يكن «عباس» أول زعيم عربي يتم استدعاؤه. وقبل أيام من وصوله، كان رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» يتلقى مفاجأة من «بن سلمان»، واستقال كجزء من الجهود المناهضة لإيران، وإن كان ذلك لم يستمر سوى لفترة قصيرة.
وقال المصدر إن «بن سلمان» كان في امتعاض كبير، حيث يعول على تلك المقامرة الخطيرة لتدعيم زعامته. وفي إطار اللقاء، أعلن «بن سلمان» عن عرض يجعل من مبادرة السلام العربية - عبارة عن صفقة كبرى برعاية السعودية ينتج عنها الاعتراف عربيا بالسلام مع (إسرائيل) مقابل إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة مع وجود القدس الشرقية عاصمة لها - في حكم الميت.
ويبدو أن الوقت قد حان للخطة ب، حيث أعلن ولي العهد مبادرة لإنشاء دولة فلسطينية في قطاع غزة، تتضمن عمليات نقل لأراض مصرية غير محددة في شبه جزيرة سيناء إلى الدولة الجديدة. وعندما سأل الزعيم الفلسطيني في فزع عن مكان الضفة الغربية والقدس الشرقية في هذا المخطط، رد «بن سلمان» قائلا: «يمكننا الاستمرار في التفاوض حول هذا الموضوع».
وسأل «عباس» من جديد: «ماذا عن القدس والمستوطنات والمناطق باء وجيم من الضفة؟».
أضاف ولي العهد: «ستكون هذه مسائل للتفاوض، ولكن بين دولتين، وسنساعدك في ذلك».
ووفقا للمصدر، عرض «بن سلمان» 10 مليارات دولار على الزعيم الفلسطيني لتحلية حبوب الدواء المريرة التي وصفها له للتو. وقال المصدر: «لا يستطيع عباس أن يقول لا للسعوديين، إلا أنه لم يستطع أن يقول لهم نعم أيضا».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، التي قدمت تقريرها الخاص عن الاجتماع - الذي عقد في 3 ديسمبر/كانون الأول - والذي أكدته مصادر فلسطينية وعربية وأوروبية على جانب «عباس» من المحادثة، إن «بن سلمان» قد عرض «دعما ماليا كبيرا للفلسطينيين، يدفع مباشرة إلى عباس»، وقالوا إنه رفض. وفي تلك الصحيفة، قالت المصادر إن العرض«قد يسمح بإشراك الدولة الفلسطينية الجديدة في إدارة أجزاء غير متصلة من الضفة الغربية، وستكون سيادتها محدودة أيضا على أراضيها (في غزة)». وستبقى الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تعتبر غير قانونية من قبل معظم دول العالم.
إذن، من الذي وضع فكرة «دولة غزة» في رأس «بن سلمان»؟ قد لا يكون من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لأنه لا يمكن إلا التفكير في مصدر واحد فقط للفكرة، ألا وهو (إسرائيل).
ويحلم المسؤولون الإسرائيليون الرئيسيون منذ وقت طويل بدولة فلسطينية تقتصر على غزة، كوسيلة لإجبار العرب على ضم (إسرائيل) للضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد تكرر عرض هذه الفكرة من الجناح اليميني الإسرائيلي على مدى عقدين تقريبا.
ويتشارك جميعهم الرغبة في التوصل إلى اتفاق من جانب جيران (إسرائيل) العرب للتنازل عن أراض لتمكين (إسرائيل) من التمسك بالضفة الغربية والقدس الشرقية. وبالنسبة للقادة الفلسطينيين، فإن السيادة الفلسطينية على الضفة الغربية والقدس لا يمكن التنازل عنها بأي حال.
فكيف وصلت هذه الفكرة الإسرائيلية إلى رأس الرياض في نفس اللحظة التي كان «ترامب» و«نتنياهو» يضعان اللمسات النهائية حول التفاهمات المتعلقة بإعلان ترامب عن قراره بشأن القدس؟
وقبل أيام فقط من اجتماع «بن سلمان» و«عباس»، كان المبعوثان الأمريكيان جاريد كوشنر (صهر الرئيس) وجيسون غرينبلات (مبعوث السلام الحالي في الشرق الأوسط) قد سافرا إلى الرياض ودخلا في مداولات مع ولي العهد حتى وقت متأخر من الليل.
و«كوشنر» - كما نعلم - صديق منذ وقت طويل لنتنياهو، حتى أنه قاد عملية تتعلق بأصول الوالدين لتحويل الأموال إلى مستوطنات الضفة الغربية. ويتشارك مع اليهود فكرة أن القدس «عاصمة أبدية غير مقسمة للشعب اليهودي».
ويقال إن «كوشنر» هو مصدر كل الأفكار الإسرائيلية التي خرج بها «بن سلمان». وعلى افتراض أن «كوشنر» و«بن سلمان» متوافقان بشأن مخطط غزة، فإن اجتماعات الأمير الشاب مع «عباس» تشير إلى أن هذا ال التوافق يضيف بعدا جديدا ومزعجا لإعلان «ترامب» بشأن القدس.
ويتفق هذا التفاهم الأمريكي السعودي مع التخلي السعودي الفعلي عن مبادرتها الخاصة للسلام العربي. وكان الزعيم السعودي نفسه قد قوض عنصرا أساسيا في هذا المبادرة، عندما وافقت المملكة العربية السعودية - في أبريل/نيسان عام 2016 - على الانضمام إلى الشراكة الاستراتيجية بين مصر و(إسرائيل) - الناتجة عن معاهدة السلام في كامب ديفيد -من خلال تنازل مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر.
وأشار المصدر إلى أن «بن سلمان» قد كتب رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» يحدد فيها تعهدا سعوديا غير مسبوق بالمشاركة مع مصر و(إسرائيل) والولايات المتحدة في دعم الشروط الأمنية لمعاهدة السلام التاريخية بين مصر و(إسرائيل).
ويمكن فهم هذا القرار والرسالة الموجهة إلى (إسرائيل) كدليل عملي على أن السعودية مستعدة فعلا للتعامل مع (إسرائيل) دون أي شرط يتطلب إقامة دولة فلسطينية في الضفة أو غزة أو القدس أو في أي مكان.
ولم ترد السفارة السعودية على مكالمة لطلب التعليق من قبل «ذا أمريكان كونزرفاتيف». وقد نفى البيت الأبيض الخطة التي تحدثت عنها نيويورك تايمز، وكذلك فعلت الحكومة السعودية، ووصف متحدث باسم عباس أنها «أخبار مزيفة لا وجود لها».
ومع ذلك، أكد العديد من الأشخاص لـ «ذا أمريكان كونزرفاتيف» تفاصيل الاجتماع ووفروا بعض السياق المؤكد حول إعلان القدس. ومع الثقة في الدعم السعودي لخيار غزة واتفاقها التاريخي على التعاون الاستراتيجي مع واشنطن ومصر و(إسرائيل)، والتخلي عن الالتزام التاريخي بمبادرة السلام العربية، قد يغفر «ترامب» الانتقاد السعودي الشكلي على جهوده لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وإعلان سيادة (إسرائيل) وفي قلبها القدس.