كريستيان أولريخسن - وورلد بوليتكس ريفيو-
بدأ الغبار يستقر وتتضح الصورة، بعد أن فاجأ ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» المراقبين بحملة تطهير ضد أعضاء بارزين من العائلة المالكة السعودية ومجتمع الأعمال منذ ما يقرب من شهرين. ويتواصل النقاش حول احتجاز 320 شخصا من النخبة في الرياض، ما إذا كان خطوة حاسمة للقضاء على الفساد في المجتمع السعودي، أو كان تتويجا لجهود ولي العهد للاستيلاء على السلطة، والتي تكشفت منذ أن برز «محمد بن سلمان» على الساحة، عندما أصبح والده ملكا في يناير/كانون الثاني عام 2015.
وفي كلتا الحالتين، من الواضح أن سلطة صنع السياسات أصبحت تتركز في يد فرد واحد إلى درجة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السعودي الحديث، رغم أنه ليس الملك حتى الآن. ومع السلطة التي يحوزها «بن سلمان» الآن، فإن ما يفعله بسلطته سيحدد ما إذا كان سينجح أو سيفشل في إعادة تشكيل المملكة التي يهدف إلى قيادتها لعقود.
وقال النائب العام السعودي الشيخ «سعود المعجب» - في 5 ديسمبر/كانون الأول - إن 159 شخصا من أصل 320 فردا محتجزين في إطار حملة مكافحة الفساد ما زالوا رهن الاحتجاز في فندق ريتز كارلتون بالرياض، وأن الباقين قد وصلوا إلى تسوية. وأضاف أنه يجري اتخاذ ترتيبات لنقل الأصول التي تم الحصول عليها من خلال التسويات إلى خزائن الدولة، مع نقل عدد غير معروف من القضايا المتبقية إلى مكتب المدعي العام. ويذكر أن الأمير «متعب» - ابن الملك عبد الله - الذي تمت الإطاحة به كقائد للحرس الوطني يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قد أُطلق سراحه بعد دفعه مبلغ مليار دولار. وقيل إن الأمير «الوليد بن طلال» - رجل الأعمال العالمي وأغنى شخص في المملكة - قد أجر محاميين للدفاع عنه في التهم المنسوبة إليه. ومنذ ذلك الحين، أفادت التقارير أن السلطات السعودية قد تطلق سراحه إذا دفع 6 مليارات دولار.
ويعد التعامل مع الفساد سيفا ذا حدين لـ«محمد بن سلمان»، الذي طالما طالته الانتقادات بشأن عاداته الخاصة بالإنفاق، بعد شرائه يختا بقيمة 500 مليون دولار، وقصر فرنسي بقيمة 300 مليون دولار، إلى جانب اللوحة الأغلى في التاريخ بقيمة 450 مليون دولار، التي اشتراها عبر المزاد. وما من شك في أن الحملة على الفساد، التي نفذت من خلال اللجنة العليا لمكافحة الفساد - التي شرعت في العمل لأول مرة فقط صباح اليوم الأول للاعتقالات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني - لاقت تجاوبا شعبيا على النمط السعودي، حيث كان للحملة صدى لدى الشباب السعوديين، الذين كانوا يشعرون بأن فرصهم ضئيلة بسبب المصالح الاقتصادية والسياسية الفردية للنخبة.
لكن هذا قد دق ناقوس الخطر عبر مجتمع الاستثمار الدولي، بسبب عدم وضوح أي من الإجراءات القانونية المتبعة في التحقيق مع المتهمين بالفساد. وبعد أسابيع قليلة من استقبال «بن سلمان» لمستثمرين أجانب في الرياض في أكتوبر/تشرين الأول، في إطار مبادرة الاستثمار المستقبلي، أثار احتجاز العديد من قادة الأعمال السعوديين مخاطرة سياسية بتخويف أصحاب الأعمال التجارية في المملكة، كما أضر بخطة الإصلاح التي وضعها ولي العهد.
جمهوران مختلفان
وقد يقابل «بن سلمان» صعوبة في التوفيق بين جمهوريين مختلفين، واحد محلي وآخر دولي، وهو يمضي قدما برؤيته العظيمة لتحويل الاقتصاد السعودي. ولا يقبل بعض المواطنين السعوديين إجراءات تستهدف الجمهور الدولي، مثل الإعلان عن خطط لمدينة «نيوم» الجديدة بقيمة 500 مليار دولار على البحر الأحمر، في نفس الوقت الذي يفرض فيه على الداخل تدابير التقشف الجديدة. كما يتضح أيضا سخط المواطنين السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شكك بعضهم في خطة «بن سلمان» لإدراج 5% من شركة النفط الوطنية والدجاجة التي تبيض ذهبا للمملكة - شركة أرامكو السعودية - في طرح عام أولي كان مخططا له في عام 2018. وكان وسم «محمد باع الدجاجة» قد اعتلى اتجاهات تويتر في مايو/أيار عام 2017.
وقد يعزز التأخير الطويل في وضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات الاكتتاب العام لشركة أرامكو - الذي أعلن عنه «بن سلمان» لأول مرة في يناير/كانون الثاني عام 2016 - التساؤلات أيضا حول وضوح واتساق عملية اتخاذ القرار في الرياض اليوم. ويبتعد أسلوب «بن سلمان» الجريء عن الحذر الذي كان سمة صناعة السياسة السعودية في ظل سلسلة من الملوك المسنين في العقود الأخيرة. لكن عدم وجود تفاصيل في العديد من المبادرات الرئيسية، مثل برنامج التحول الوطني 2020، والاكتتاب العام الخاص بأرامكو، يثير الشكوك حول العشوائية في هذا النهج. وينطبق ذلك أيضا على السياسة الخارجية، حيث تعثرت المملكة في مستنقع اليمن، ولم تتمكن من إجبار قطر على الانحناء إلى إرادتها رغم الأزمة الدبلوماسية التي استمرت 6 أشهر حتى الآن.
الحاجة إلى نصر سريع
ويحتاج «بن سلمان» إلى تحقيق فوز سريع - أينما وجد - لإظهار - للمواطنين السعوديين - أن إصلاحه الطموح للاقتصاد سيحسن من مستقبلهم، ولكي يطمئن المجتمع الدولي الذي يشعر بالقلق إزاء مخاطر سوء التقدير. ويؤكد المدافعون عنه في السعودية واللوبي السعودي في واشنطن أنه يتمتع بمستويات عالية من الشعبية داخل المملكة، وخاصة بين الشباب. ومع ذلك، بعد أن جمع الكثير من السلطة والمسؤولية - وبالتالي الضغط - فهو الآن في حاجة لإثبات أن رؤيته من الممكن أن تصبح حقيقة واقعة. وببساطة، لا يوجد أحد آخر قد يلقى عليه اللوم إذا صارت الأمور على غير ما يرام. وقد تكون آثار السيول التي ضربت جدة يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني - بعد أسابيع من الحملة - اختبارا مبكرا لمدى استعداد الجماهير السعودية للانتظار.
وينبغي أن توفر الخطوات التالية في حملة مكافحة الفساد علامات واضحة على كيفية ممارسة «بن سلمان» لكل ما تراكم لديه من قوة. ويتسبب تركيز السلطة في يد رجل واحد في تقليص المساحات المحدودة بالفعل التي كان ينظر إليها السعوديون في السابق والإشارة بإصبع الاتهام والإهمال إلى عدد من مختلف الفصائل داخل العائلة المالكة مترامية الأطراف. وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة السعودية بالتراجع عن إجراءات التقشف لعامي 2015 و2016، وتكشف النقاب عن ميزانية توسعية تهدف إلى إحياء الاقتصاد المتوقف، لا يستطيع «بن سلمان» أن يفقد ثقة المستثمرين الذين يحتاجون إلى الاكتتاب العام لشركة أرامكو ورؤية 2030.
وقد تكون السعودية دولة استبدادية، لكنها لم تكن أبدا خاضعة لسلطة الرجل الواحد. وكثيرا ما كانت هناك ضوابط وتوازنات غير رسمية تجعل السلطة موزعة بين العديد من كبار أعضاء الأسرة المالكة السعودية. وقد مهدت وفاة العديد من الحكام الرئيسيين بين عامي 2011 و2015 - وبلغت ذروتها مع وفاة الملك عبد الله - الطريق إلى صعود «بن سلمان». ومنذ ذلك الحين، عمل على إزالة كافة العقبات والإطاحة بأي أحد يمكنه الطعن في سلطته قبل صعوده إلى العرش الذي يعتزم أن يعتليه لأعوام - وربما عقود - في المستقبل.